الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/11/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في امامة المحدود

 

قال المصنف: (مسألة 11): الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص، والمحدود‌ بالحدّ الشرعيّ بعد التوبة، والأعرابي إلّا لأمثالهم، بل مطلقاً، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقاً).

قد فرغنا في الجلسة الماضية عن البحث في الاجذم والابرص وبما ان الروايات الواردة هي طائفتين: طائفة ناهية عن امامتهم وأخرى مرخصة وعلى وفق الصناعة في الفقه تحمل الناهية على التنزيه فيحكم بالجواز على كراهية وهو القول المشهور في المسألة.

اما المحدود: بالحدّ الشرعي بعد التوبة فقد ورد المنع عن إمامته في جملة من النصوص، عمدتها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يصلّينّ أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين». وقد مررنا عليها فيما مضى آنفا، فثبتت صحة سندها، واما دلالتها على النهي عن الصلاة خلف المحدود فواضح والنهي في العبادات يفيد عدم صحتها.

ومنها: رواية محمد بن مسلم «آنفة الذكر» التي ورد فيها: خَمْسَةٌ لَا يَؤُمُّونَ النَّاسَ وَلَا يُصَلُّونَ بِهِمْ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ) وعدّ المحدود خامسها، فالدلالة لا اشكال فيها وانما الاشكال في ضعف السند لان سند الصدوق الى محمد بن مسلم غير صحيح. فلا يمكن التمسك بها الا للتأييد.

ومنها: رواية الأصبغ وهي التي رواها الصدوق فِي الْخِصَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ سِتَّةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمُّوا النَّاسَ- وَلَدُ الزِّنَا وَالْمُرْتَدُّ- وَالْأَعْرَابِيُّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ- وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالْمَحْدُودُ وَالْأَغْلَفُ الْحَدِيثَ. وَ رَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ رِوَايَةِ كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ قُولَوَيْهِ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ مِثْلَهُ [1]

في سندها عباس بن معروف قال فيه النجاشي: (عباس بن معروف قمي ثقة صحيح مولى جعفر بن عمران بن عبد الله الاشعري) وفيه أبو جميله وهو المفضل بن صالح الاسدي النحاس قال الغضائري فيه: (مولاهم ضعيف كذاب يضع الحديث) ولم يرد له توثيق. وفي سنده سعد بن ظريف ضعفه الغضائري بقوله: (الحنظلي الخفاف روى عن الاصبغ بن نباتة ضعيف) ومرة قال: (وهو صحيح الحديث) وقال فيه النجاشي: (يعرف وينكر وكان قاضياً) وتضعيف الغضائري وتصحيحه مع عدم علمنا بالسابق واللاحق موجب لتساقطهما وقول النجاشي يعرف وينكر يحتما احد الامرين الأول انه قع تكون رواياتها مقبولة وقد تكون مردودة والثاني يعرف شخصه وينكر عليه وعلى كلا التقديرين لا يمكن نستشهد بكلامه لتصحيح الرجل وكونه قاضياً نقطة ضعف، فلا يمكن تصحيح سندها، ولكن الدلالة لابأس بها فان مفردة لا ينبغي يفيد عدم رضا المولى الا اذا كان عندنا قرينة على الجواز فيحمل لا ينبغي على التنزيه، فإنما يستفاد منها للتأييد.

يمكن ان يقال ان في هذا الحديث ورد شارب الخمر أيضا وهو إذا تاب الى الله وأصبح عادلا يجوز امامته فكذلك المحدود إذا تاب لابد من جواز الإيتمام به ايضاً؟

فنقول هناك فرق بين عنوان شارب الخمر وعنوان المحدود، فإن شارب الخمر يصدق على من لايبالي بشرب الخمر فاذا أصبح ممتنعاً عن شربه لوجه الله، فلا يصدق عليه العنوان يقال فلان كان شارب الخمر في شبابه ولكنه الآن اصبح رجلا ملتزماً بالدين لا يقرب الخمر ابداً، بخلاف المحدود فهو انما يصدق على من جرى عليه الحد ولو لمرة واحدة. فان الحد ليس من الامور التي يمارسه المكلف.

ثم انه لابد من الالتفات الى ان مقتضى الإطلاق في هذه الروايات عدم الفرق في المنع بين إمامته لمثله أو لغيره، إذ ليس فيها إشعار فضلًا عن دلالة على الاختصاص بغير مثله. فما أفاده في المتن من التفرقة بينهما وأنّ الأحوط عدم إمامته إلّا لمثله لا وجه لهذا لهذا الاستثناء. نعم لعل ماتن جاء بهذا الاستثناء رعاية لقول هؤلاء الذين ذهبوا بان المأموم لابد ان تكون صلاته اما دون الامام من النقص وإمّا مساويه، وهو كما بينا فيما مضى رأي سخيف لا حجة عليه الا الاستحسان.

وعلى كل حال يكفينا صحيحة الزرارة للقول بعدم جواز الصلاة خلف المحدود، مضافاً الى بقيّة النصوص المؤيّدة لها.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص322، أبواب صلاة الجماعة، باب14، ح6، ط آل البيت.