الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في وجوب الايتمام للعاجز عن القراءة

 

(مسألة 6): لا يجب على غير المحسن الائتمام بمن هو محسن و إن كان هو الأحوط (1)، نعم يجب (2) ذلك على القادر على التعلّم إذا ضاق الوقت عنه كما مرّ سابقاً (3).

التعلیقات:

(1) قال الشیخ الحائري: (لا يترك). فاوجب الاحتیاط فی الایتمام بالمحسن.

(2) قالوا الآیات البروجردي، الإمام الخميني، الگلپايگاني، الحكيم: (على الأحوط). فالسید رضوان الله علیه افتی بوجوب الایتمام علی القادر على التعلم وهؤلاء الثلاثة اوجبوه احتياطاً.

وقال الشیخ النائيني: (على الأحوط كما تقدّم).

وقال السید عبد الهادی الشيرازي: (تقدّم أنّ عدم وجوبه لا يخلو من قوّة).

(3) قال الشیخ الجواهري: (قد مرَّ الحكم فيه).

ان المصنف رضوان الله علیه فی اول مسألة من مسائل الجماعة عند ما اراد ان یذکر موارد وجوب الجماعة قال: ( و كذا إذا ضاق الوقت عن تعلّم القراءة لمن لا يحسنها مع قدرته على التعلّم، و أمّا إذا كان عاجزاً عنه أصلًا فلا يجب عليه حضور الجماعة و إن كان أحوط).

في هذا الفرع أربعة اقوال: أحدهما ما ذهب اليه المصنف من الوجوب، وهو الوجوب الشرطي وثانيهما: الاحتياط الواجب كما عليه جمع من الاعلام والقول الثالث: وجوب التكليفي. والقول الرابع: عدم الوجوب مطلقا.

اما الاستدلال لمقالة المصنف فنقول ان لكل واجب افراد طولية يتخير المكلف ان ياتي بواحد منها في طول الوقت. ولها افراد عرضية بلحاظ المقارنات من اقسام الثياب او الاماكن حتى انحاء المختلفة من الاتيان كاختيار نوع من انواع الجلوس في التشهد او نوع من انواع النهوض الى القيام وهكذا وعليه ان يختار من بين الافراد طولا او عرضا ما هو جامع لشرائط صحة الصلاة وفقدان الموانع مثلا تشترط صحة الصلاة بالطهارة عن الحدث والخبث فإن كان المكلف فاقد للماء في اول الوقت للوضوء او لتطهير ثيابه او بدنه لا يجوز له ان يختار الصلاة في اول الوقت بل يجب عليه تأخير الصلاة حتى يأتيه الماء فيصلي متوضأً وبثياب طاهرة.وفي الافراد العرضية هو مخير بين الصلاة في المسجد او في البيت فلو لم يقدر على السجدة على الارض في المسجد لعدم امكانيات للاستعانة بها على السجدة، فلا تصح صلاته في المسجد بل يجب عليه ان يختار البيت كي يتمكن من السجود على الارض.

ففيما نحن فيه ان المكلف يجب عليه ان يأتي بالصلاة فرادى مع القراءة الصحيحة او يأتي بها جماعة من دون قراءة والمفروض انه بالنسبة الى الاولى ليس متمكنا فعلا فيتعين عليه اختيار صلاته في الجماعة كما في خصال الكفارة. وخلاصة القول ان من ضاق عليه الوقت يجب عليه اما يصلي فرادى مع قراءة صحيحة فهو عاجز عنها فعلا او يصلي جماعة فيسقط عنه القراءة حتى تكون صلاته صحيحة فيتعين عليه الجماعة. اما من لا يقدر على تصحيح القراءة فصلاته صحيحة بإتيان الميسور منه كالأخرس ومن بلسانه عاهة.

وأمّا وجه الاحتياط فهو رعاية للقول الآخر الذي يرى أن وجوب الضمني المتعلّق بالقراءة تخييريٌ بينها وبين الائتمام، فانّ الوجوب النفسي المتعلّق بأصل الصلاة لا شكّ أنّه تعييني، والتخيير في تطبيقها على الأفراد الطوليّة الواقعة فيما بين المبدأ والمنتهى وكذا العرضيّة التي منها الصلاة فرادى وجماعة وهذا التخيير حكم عقليّ محض. إنّما الكلام في الوجوب الضمني المتعلّق بالقراءة في الركعتين الأُوليين، فإنّه من الجائز أن يكون من سنخ الوجوب التخييري الشرعي المتعلّق بأحد الأمرين من القراءة أو الائتمام، كما هو الحال في الركعتين الأخيرتين بلا إشكال حيث إنّ المصلّي مخيّر فيهما بين القراءة والتسبيح، وكلّ منهما عدل للواجب.

ويرد عليه ان الاحتمال المزبور ساقط لدى التحقيق، فإنّ الأمر بالقراءة في مثل قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ظاهر بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني على ما هو الأصل في ظاهر كل أمر، وليس الائتمام عدلًا لها، نعم، هذا الوجوب مشروط بأمرين:

أحدهما: القدرة على القراءة، فلا وجوب مع العجز، بل ينتقل حينئذ إلى البدل، وهو الإتيان بما تيسّر من القرآن أو التسبيح كما نطقت به صحيحة ابن سنان التي تفيد عدم وجود عِدل لفاتحة الكتاب فاذا عجز عنها يكفه الاتيان بالميسور و اليك نصها: (مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ مِنَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعَ وَ السُّجُودَ- أَ لَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ- لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَجْزَأَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَ يُسَبِّحَ وَ يُصَلِّيَ).[1]

ثانيهما: أن لم يأت بصلاته ضمن الجماعة فان الائتمام مسقط للوجوب، لا أنّه عدل للواجب التخييري كي يتعيّن عند تعذّره. وحيث إنّ المفروض في المقام هو العجز عن القراءة فوجوبها ساقط من أصله بمقتضى فقد الشرط الأول من غير حاجة إلى مسقط آخر، فينتقل إلى البدل من التسبيح أو ما تيسّر من القرآن. ومن الواضح أنّ مقتضى الإطلاق في دليل البدليّة عدم الفرق بين صورتي التمكّن من الائتمام وعدمه.

مضافا الى إنّ مقتضى الإطلاق في صحيحة زرارة والفضيل‌ حيث ورد فيها: (والجماعة سنة في الفرائض كلها) النافي لوجوب الجماعة عن جميع الصلوات عدم وجوبها في المقام أيضاً. وعلى الجملة: فعدم وجوب الائتمام في هذه الصورة ظاهر لا سترة عليه وإن كان هو الأحوط رعاية للاحتمال المزبور.

وأمّا الصورة الثانية المذكورة في كلام الماتن أولًا فغاية ما يمكن أن يقال في تقريب الوجوب الشرطي حينئذ: إنّ وجوب القراءة قد تنجّز عند دخول الوقت، لفرض تمكّنه من التعلّم، وبعد أن تسامح وماطل إلى أن ضاق الوقت وطرأ عليه العجز فسقط التكليف بالقراءة لا محالة، لامتناع خطاب العاجز. و لا سبيل للرجوع حينئذ إلى أدلّة البدلية مثل صحيحة ابن سنان و نحوها المتكفّلة للانتقال إلى ما تيسّر من القرآن أو إلى التسبيح لدى العجز عن القراءة، لقصورها عن الشمول لمثل المقام، لأنّ الموضوع فيها من لا يحسن القراءة، للعجز الذاتي دون المتمكّن المعجز نفسه، كما هو الحال في غير المقام من سائر أدلّة الأبدال الاضطرارية مثل التيمم و نحوه، فإنّها لا تعمّ التعجيز الاختياري، فلو كان عنده مقدار من الماء فأراقه عامداً، أو كان متطهّراً فأحدث كذلك لم يشمله دليل التيمم، لأنّ موضوعه عدم الوجدان، الظاهر في العجز الطبيعي دون التعجيز العمدي فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار كما لا يخفى.

كما لا مجال للرجوع إلى قاعدة الميسور، فإنّها أيضاً على تقدير تماميتها خاصّة بما إذا كان امتثال الواجب متعسّراً في حدّ ذاته، لا ما إذا أوجد العسر باختياره. وعليه فمقتضى القاعدة الأوّلية سقوط الواجب رأساً، إذ الأمر المتعلّق بالمركّب يسقط بتعذّر بعض أجزائه بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء. إلّا أنّنا علمنا من الإجماع الضروري ومن خصوص صحيحة زرارة الواردة في باب المستحاضة أنّ الصلاة لا تسقط بحال، وهذا حال من الأحوال، فتجب الصلاة حينئذ قطعاً بهذا الدليل لا بأدلّة البدليّة، والاكتفاء بالناقص تفويت للمرتبة الكاملة من غير عذر، فلا يكاد يسقط الواجب المستكشف وجوبه من ذاك الدليل إلا بالائتمام، فهو شرط فيه لا محالة، ولأجله كان الوجوب شرطياً لا نفسياً، هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الوجوب الشرطي.

ولكنّه لا يتمّ، بل الظاهر جواز الصلاة فرادى، وإن وجب عليه الائتمام عقلًا دفعاً للعقاب.

ولكن ليس واجبا شرعيا نفسياً لأنّ مقتضى الإطلاق في صحيحة زرارة والفضيل النافية لوجوب الجماعة أنّها غير واجبة في شي‌ء من الفرائض وحينئذ يدور الأمر بين سقوط الصلاة رأساً وبين وجوبها فرادى، وحيث لا يمكن المصير إلى الأوّل لما عرفت من الإجماع والنصّ الدالّين على عدم سقوط الصلاة بحال. فجواز الاقتصار على الصلاة فرادى وصحّتها هو مقتضى التحفّظ على دليلين والجمع بينهما، أحدهما: ما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال، والثاني: إطلاق صحيحة فضيل النافية لوجوب الجماعة عن كافّة الصلوات. ونتيجتهما بعد ضمّ أحدهما إلى الآخر هي صحّة الصلاة فرادى، سواء تمكّن من الائتمام أم لا).

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص42، أبواب القراءة، باب3، ح1، ط آل البيت.