الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في كفاية قراءة امام غير متقن عن المامومين

 

قال المصنف رضوان الله علیه: (مسألة 3): لا بأس بالاقتداء بمن لا يحسن القراءة في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم، كالركعتين الأخيرتين على الأقوىٰ، و كذا لا بأس بالائتمام بمن لا يحسن ما عدا القراءة من الأذكار الواجبة و المستحبّة التي لا يتحمّلها الإمام عن المأموم؛ إذا كان ذلك لعدم استطاعته غير ذلك).

ان المصنف رضوان الله علیه فی مفتتح هذا الفصل ذكر من شروط امام الجماعة ان لا يكون ممن: (لا يحسن القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلك حتّى اللحن في الإعراب، و إن كان لعدم استطاعته غير ذلك). فکان هناک ثلاثة اقوال:

احدها: عدم الجواز مستدلاً بإنّ المأموم مكلّف بالقراءة، غير أنّه لا يباشرها بنفسه و يكِلها إلى الإمام، و يجتزي بقراءته عن القراءة الصحيحة المكلّف هو بها بمقتضى أدلّة الضمان، و المفروض أنّ قراءة الإمام ليست قراءة صحيحة، و غاية ما يترتّب على معذوريته اجتزاؤه بها عن قراءة نفسه، لا عن قراءة المأموم. فوجودها بالإضافة إليه كالعدم، فليس له الاجتزاء بها.

القول الثانی: الجواز شريطة ان يأتي المأموم بالآية التي لا يحسنها الإمام، او یقرأ القراءة کلها لنفسه.

واشکلوا على هذا الرأي بان قراءة المأموم لنفسه خلاف اقتضاء الجماعة كما ان قراءة المأموم قسم الذي يكون فيه خطأ الامام يستلزم منها القراءة الملفّقة من قراءة المأموم والامام، وهذا أيضا غير مسبوق في الشرع لأنّه ملازمة بين صحّة الجماعة و بين تحمّل الامام لتمام القراءة ، إذ لم يعهد من الشرع جماعة لا تحمّل فيها، فلا يمكن الحكم بصحّة الائتمام و وجوب القراءة على المأموم.

والقول الثالث: صحة الجماعة بقراءة الامام المعذور في خطأه مستدلاً على ان في الجماعة ليس الامام نائبا او وكيلاً عن المأموم بل تكون القراءة ساقطة عن المأموم في صلاة الجماعة وموضوعة على الامام والمفروض ان الامام يأتي بالمقدور وهو مجزي عنه فالصلاة صحيحة جماعة وهذا الذي رجحناه ومع ذلك قلنا بلزوم الاحتياط بعدم الاكتفاء بمثل هذه الجماعة.

فکان الکلام هناک فی خصوص القراءة وهنا كلام المصنف في غير ما يتحمله الإمام من الاذكار كالتشهّد و التسبيحات في الركعتين الأخيرتين و ذكر الركوع و السجود و غيرها، فحکم بعدم البأس في الغلط فيها اذا لم يكن عن تقصير.

ویستدلون لعدم اشتراط الصحة بانها لیست مما یجب على المأموم متابعتها و لا یتحمّلها الامام عن المأمومین، فالمأموم یأتی بهذه الأذکار لنفسه والامام يجزيه المغلوط حسب المفروض من كونه غير قادر على إتيان الصحيح ولا تنثلم هیئة الجماعة. فمثلها مثل الشرائط التی لا تضر عدم توفرها عند الامام اذا كان عن عذر، فهو غير قادح في صحّة الاقتداء كما عرفت.

وعلى هذا الأساس اذا ائتم المأموم في الركعة الثالثة بامام لا يحسن القراءة، لا اشکال فی جماعته إذ لا تحمّل حينئذ، و المفروض صحّة صلاة الإمام واقعاً، و القراءة علی عهدة المأموم نفسه. فلا مانع من الاقتداء.

وبنفس الملاك إذا كان خطاء الامام في غير القراءة وهو غير مقصِّرٍ في عدم تصحيح الأداء فلا بأس بإمامته للمتقن، لان الامام صلاته صحيحة لأنّه معذور في اخطاءه والمأموم يؤديها لنفسه صحيحاً فلا يبقى موضع للإشكال.

قال الصنف: (مسألة 4): لا يجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله إذا اختلفا في المحلّ الذي لم يحسناه (1). وأمّا إذا اتّحدا في المحلّ فلا يبعد الجواز، وإن كان الأحوط (2) العدم. بل لا يترك الاحتياط مع وجود الإمام المحسن (3). وكذا لا يبعد جواز إمامة غير المحسن لمثله (4) مع اختلاف المحلّ أيضاً إذا نوى الانفراد (5) عند محلّ الاختلاف فيقرأ لنفسه بقيّة القراءة، لكن الأحوط العدم. بل لا يترك مع وجود المحسن في هذه الصورة أيضاً (6).

تعليقات مأخوذة من العروة الوثقي المحشى:

(1) قال الشيخ النائيني: (على الأحوط).

وقال السيد عبد الهادي الشيرازي: (لا يبعد الجواز). فهذين العلمين ذهبا الى جواز امامة من لا يحسن القراءة عن عذر. لان القراءة ساقطة عن المأموم والإمام يأتي بها بما يتيسر له وهو مجزي عنه.

(2) وقالا السيدين البروجردي والإمام الخميني: (لا يترك فيه وفيما بعده). ان هذين العلمين غير مقتنعين بجواز الامامة غير المتقن في القراءة حتى إذا اتحد موضع خطأ المأموم ومع الامام.

(3) قال الشيخ الجواهري: (الظاهر عدم لزومه). فهو يذهب الى صحة امامة من لا يحسن القراءة حتى مع توفر امام متقن.

وقال الشيخ آقا ضياء: (بل مطلقاً فيبقى منفرداً بلا إخلاله بوظيفته). هو يرى عدم جواز امامة امام غير متقن في قراءته مطلقا سواء وجد امام متقن او لم يوجد ويرى لزوم الانفراد للمأموم.

وقال السيد الخوئي: (بل مع عدمه أيضاً). وهو أيضا لا يجوز امامة غير المتقن مطلقاً.

(4) قال السيد الخوئي: (بل هو بعيد جدّاً). فلا يجوّز امامة غير المتقن ولو لما قبل الوصول الى موضع الخطاء لأنه رضوان الله عليه يعتقد ان نية الجماعة لا تتبعض بل هي عبارة عن تبعية المأموم للإمام الى أخر صلاته فمن نوى الانفراد في اثناء الصلاة تقع صلاته منفردا من أولها.

(5) قال السيد عبد الهادي الشيرازي: (بل وإن لم ينو الانفراد). فهو يرى صحة امامة غير المتقن في القراءة عن عذر في كل الصلاة ولا حاجة الى الانفراد من موضع غلط الامام.

(6) قال الشيخ آقا ضياء: (بل مطلقاً كما مرَّ). فهو يرى وجوب الاحتياط بترك الاقتداء بغير المحسن مطلقاً سواء توفر محسن للإمامة او لم يتوفر.

وقال الشيخ الجواهري: (لا يجب هذا الاحتياط).لأنّه يرى صحة امامة غير المحسن المعذور في عدم الاتقان مطلقاً.

وعمدة الخلاف في الفتاوى في هذه المسألة، تعود الى موقفهم من انّ القراءة هل هي واجبة على المأموم في الجماعة وانما يكلها الى الامام لينوب عنه فيها، فالإمام نائب ووكيل عن المأمومين في القراءة؟، او ان القراءة ساقطة عن المأموم وموضوعة على الامام في صلاة الجماعة؟.

فمن ذهب الى الأول ذهب الى عدم كفاية قراءة الامام إذا كان فيها نقص ولو كان معذوراً، ومن ذهب الى الثاني يرى كفاية قراءة الامام المعذور في نقصها فإن صلاة الامام صحيحة حسب الفرض فتكفي لصحة امامته وصحة جماعة المأموم ايضاً. هذا عمدة سرّ الخلاف. ولو ان بعض تفاصيل الخلاف قد يعود الى نقاط أخرى يظهر للمتأمل مما بيناه سابقاً فنكتفى بما قلناه في هذه المسألة ثقة بدقتكم وفراستكم في تفهم المطالب.