الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /جواز صلاة المتوضئ خلف المتیمم

قال المصنف رضوان الله علیه (مسألة 2): لا بأس بإمامة المتيمّم للمتوضّئ و ذي الجبيرة لغيره، ومستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس والمبطون لغيرهما فضلًا عن مثلهما، وكذا إمامة المستحاضة للطاهرة).

ان المصنف رضوان الله علیه ذكر في هذه المسألة فروع:

الأول: جواز امامة المتيمم للمتوضئ

الثاني: جواز امامة ذي الجبيرة لغيره.

الثالث: جواز امامة مستصحب النجاسة عن عذر لغيره.

الرابع: جواز امامة المسلوس والمبطون لغيرها.

الخامس: جوازامامة المستحاضة للطاهرة.

مما كان سبباً لعدم صحة امامة الناقص في افعاله للكامل عدم امكان تبعية المأموم للإمام مع إتيان ما عليه، مثلا اذا كان الامام قاعداً واقتدى به السليم فمن ناحية يجب عليه متابعة امامه فاذا كان الامام جالساً، فالمتابعة تحصل ببقاء المأموم جالساً، ومن ناحية أخرى القيام من واجبات الصلاة للقادر عليه، او اذا كان الإمام معذوراً عن السجدة او الركوع فالمتابعة تقتضي عدم دخول المأموم في الركوع او السجود، بينما هما من اركان الصلاة التي بها تتقوم صحة الصلاة لغير المعذور وهكذا ساير الأفعال لأنّ الايتمام هو متابعة المأموم للإمام في افعاله.

ولكن في الشروط والموانع لا يجب على المأموم متابعة الإمام في الشروط وعدم الموان وانما يجب صحة صلاة الامام كي تصح الجماعة وتترتب عليها آثارها. فطهارة ثياب الامام او كونها من مأكول اللحم ليس موضوعا للمتابعة.

وانما المناط في صحة الاقتداء صحة صلاة الامام واقعاً في غير الأفعال. التي هي المناط في صحّة الاقتداء به والمفروض حصول المتابعة في جميع أفعال الصلاة، وعدم الاختلاف بينها في هيئتها، فلا قصور في شمول إطلاقات الجماعة لمثل هذه الموارد التي ينحصر النقص في الشرائط. فجواز الائتمام حينئذ مطابق للقاعدة.

مضافاً إلى ذلك ورد النص على صحة امامة المتيمم للمتوضئ:

منها: صحيحة جميل الصريحة في جواز إمامة المتيمّم لغيره، واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ «في الاستبصار- حمزة» بْنِ حُمْرَانَ وَجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِمَامُ قَوْمٍ- أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي السَّفَرِ- وَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ- أَ يَتَوَضَّأُ؟ بَعْضُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ قَالَ: لَا وَلَكِنْ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَيُصَلِّي بِهِمْ- فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ التُّرَابَ طَهُوراً. وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ وَالْكُلَيْنِيُّ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ [1] .في سنده محمد بن حمران وقال الكشي هو بن اعين مولى بني شيبان وجعله من اصحابنا ومعتبريهم وقال النجاشي: (النهدي أبو جعفر ثقة) وفي نسخة الاستبصار حمزة بن حمران قال فيه الكشي: (بن اعين الشيباني الكوفي) لم يرد له توثيق، ولكننا نعتمد رواية الشيخ في التهذيب والكليني والصدوق وهو الذي وثقه النجاشي مضافا الى طريق الآخر وهو روايته عن جميل، فلا يبقى شك في صحة الرواية.

اما الدلالة: فمضافا على دلالتها على صحة امامة المتيمم للمتوضئ بما هو معلل في ذيلها فيستفاد منها قاعدة عامة وهي صحّة الاقتداء بصلاة إمام تصح صلاته واقعاً، فيتعدّى إلى كلّ مورد كان كذلك، بمقتضى عموم العلّة كما لا يخفى.

ومنها: موثقة ابن بكير واليك نصها: وَعَنْهُ -أي الشيخ بإسناده عن سعد - عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ أَجْنَبَ- ثُمَّ تَيَمَّمَ فَأَمَّنَا وَنَحْنُ طَهُورٌ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ " [2]

في سنده عبد الله بن بكير وهو ابن اعين، كان فطحياً ولكن الكشي عدّه من فقهاء اصحابنا ومرّة قال فيه: من أجلّة الفقهاء العلماء وذكره عند تسمية الفقهاء من أصحاب ابي عبد الله عليه السلام وقال الشيخ فيه: (فتحي المذهب الا انه ثقة) فالسند موثق لا بأس به وفي جواز امامة المتيمم صريحة.

ومنها: موثقة ابن بكير الثانية: واليك نصها: وَعَنْهُ -أي الشيخ بإسناده عن سعد- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ أَمَّ قَوْماً وَهُوَ جُنُبٌ- وَقَدْ تَيَمَّمَ وَهُمْ عَلَى طَهُورٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ مِثْلَهُ.[3]

في سنده أبو جعفر وهو مردد بين افراد ثقات فلا اشكال فيه وعبد الله بن مغيرة أيضا كان واقفياً فاستبصر وقد وثقه النجاشي مرتين وكان من اجلّاء أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام فالسند موثق لا باس به. والدلالة على المطلوب واضحة.

ومنها: َبِإِسْنَادِهِ -شيخ-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يُجْنِبُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ وَهُوَ إِمَامُ الْقَوْمِ- قَالَ نَعَمْ يَتَيَمَّمُ وَيَؤُمُّهُمْ.[4]

في سنده محمد بن عبد الحميد وقد وثقه النجاشي وفيه ابي جميلة وهو مفضل بن صالح وقد ضعفه الغضائري قال فيه (الاسدي النخاس مولاهم ضعيف كذاب يضع الحديث). سندها ضعيف ولكنها تفيد مؤيدة لما سبق.

ولكن هناك طائفة أخرى تعارضها وهي ثلاثة أحاديث:

منها: ما رواه الشيخ َعَنْ محمد بن احمد بن يحيى عَنْ بُنَانِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ: "لَا يَؤُمُّ صَاحِبُ التَّيَمُّمِ الْمُتَوَضِّئِينَ- وَلَا يَؤُمُّ صَاحِبُ الْفَالِجِ الْأَصِحَّاءَ"[5]

في سنده بنان وقد يقال له بنان البيان لم يرد له توثيق بل قال القهبائي في رجاله نقلا عن ميزان الاعتدال من رجال العامة: (هذا بيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المأة وقال بإلهيّة علي رضي الله عنه وان فيه جزءاً الهيّا متحداً بناسوته ثم من بعده في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه هاشم ولدا ابن الحنفية ثم من بعده في بيان، هذا، وكتب بيان كتابا الى ابي جعفر الباقر يدعوه الى نفسه و انه نبيّ)[6]

ومنها: ما رواه الشيخ َبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَا يُصَلِّي الْمُتَيَمِّمُ بِقَوْمٍ مُتَوَضِّئِينَ.[7]

في سنده عباد بن صهيب وهو كان عامياً ذكر عنه روايات قد عاتب الامام الصادق على ثيابه مما يدل على عدم معرفته ولكن النجاشي وثقه بقوله: (عباد بن صهيب أبوبكر التميمي الكليبي اليربوعي بصري ثقة) فعلى موازين علم الرجال السند لا بأس به

ومنها ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي حَدِيثٍ لَا يَؤُمُّ صَاحِبُ التَّيَمُّمِ الْمُتَوَضِّئِينَ. [8]

فهذه الأحاديث الثلاثة التي اثنان منها موثقة ولكن الروايات المجوزة اكثر عدداً و أصح سنداً ومع ذلك الصناعة تقتضي الجمع بين الطائفتين بحمل المجوزة على الترخيص وحمل المانعة على التنزيه فالنتيجة صحة صلاة المتوضئ خلف المتيمم عن كراهة أي اقل ثواباً كما ستعرف. والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها بينهم من غير خلاف يعرف.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص327، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص327، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص327، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص328، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح4، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص238، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح5، ط آل البيت.
[6] مجمع الرجال‌، القهپائي، عنايةالله‌، ج1، ص281.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص328، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح6، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص328، أبواب صلاة الجماعة، باب17، ح7، ط آل البيت.