الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /امامة الناقص للناقص

 

(مسألة 1): (لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين، والمضطجع لمثله، والجالس للمضطجع).

كان بحثنا في جواز امامة القاعد للقاعدين ولم تفي الروايات الخاصة لإثبات الجواز في غير حالة الاضطرار او الانحصار فاليوم نتابع بحثنا في سائر ما استدلوا بها على جواز امامة القاعد المعذور للقاعدين.

ومما استندوا به لجواز اقتداء الجالس بالجالس: إطلاق ادلة صلاة الجماعة حيث ورد فيها: "تصل الا خلف من تثق بدينه" فهذا يشمل ما إذا كان الامام يصلي جالساً عن عذر والمأموم مثله، نعم لا يشمل امامة الجالس للقائم لوجود النص كما ذكرناه سابقاً ولكن بالنسبة الى امامة الجالس للجالس لم يرد نص على منعها. فيبقى تحت الاطلاق.

ولكن يرد عليه ان الاطلاق غير محقق لعدم تحقق مقدمات الحكمة لأنّ "خلف من تثق بدينه" ليس ناظراً لجهة النقص في الصلاة بل ناظر الى عدم جواز الاقتداء بغير المؤمن او بغير من أحرزت ايمانه بطريق شرعي، وهذه النصوص خارجة عن التعرض من حيث عدم تمكن الإمام من إتيان بعض أفعال الصلاة.

مما استدلوا به لجواز امامة القاعد للقاعد الاجماع قال في الجواهر: (ظاهر المتن وغيره كصريح جماعة- بل لا أجد فيه خلافا صريحا، بل في التذكرة والروض وعن نهاية الأحكام الإجماع عليه- جواز إمامة القاعد بمثله) [1]

اما الاجماع المحصل فهو غير ثابت والمنقول ليس بحجة وعلى فرض الثبوت اجماع مدركي حيث استدلوا ببعض الروايات فعلينا مراجعة ادلتهم ونحن عند ما راجعنا اليها لم تكن مقنعة لنا، فهذا الدليل عليل لا يثبت شيئاً.

ومما استدلوا به عدم زيادة صلاة المأموم عن صلاة الإمام شيئاً في المفروض، فلا وجه لعدم صحة جماعته خلفه وهذا الكلام ليس الا استحسانا في الحكم الشرعي وهو ليس بحجة.

كما انه لا يمكن القول بكفاية صلاة ينوب عن ميت كان الواجب عليه الصلاة قاعداً او إتيان صلاة ايمائي عن ميت كان عليه الصلاة إيماءً. بل الواجب في صلاة النيابي عن الميت إتيان صلاة تامة الأجزاء والشرائط.

ثم قال المصنف: (والمضطجع لمثله) أي يجوز امامته له. وقال في الجواهر: (يجوز ائتمام كل مساو بمساويه نقصاً أو كمالاً، والناقص بالكامل كالقاعد بالقائم بلا خلاف أجده فيه أيضا، لإطلاق الأدلة، و‌خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: "المريض القاعد عن يمين المصلي جماعة")[2]

بعد ما بينا في امامة القاعد للقاعد من المناقشة فلا يبقى مجال لهذا الكلام لان الصلاة واجبة واتيانها اقتداء بالناقص لم يتم دليل على صحتها، والصلاة من الواجبات التوقيفية فالأصل يقتضي بطلانها في الفرد المشكوك مضافا الى قاعدة الاشتغال. ولا اطلاق لأدلة الجماعة بما تشمل هذا المورد لأنّها منصرفة الى الصلوات الكاملة.واما خبر ابي البختري مضافاً الى ضعف سنده لا يدل على مطلوبكم لأنّها تتحدث عن مكان المريض الذي يضطر الى القعود في الصلوات الجماعة المتعارفة ولا نظر فيها الى مكانه من الامام القاعد.

ثم توسع صاحب الجواهر فطرح فرع آخر فقال: (‌أما إذا كانا ناقصين واختلفت جهة النقص فيحتمل مراعاة الأعظم من أفعال الصلاة، فيأتم حينئذ فاقده بفاقد الأهون، ويحتمل جواز الائتمام مطلقا، لاشتراكهما في النقصان، ولذا أطلق في الخلاف جواز إيتمام القاعد بالمؤمي) [3] بعد ما ثبت قصور ما استدلوا عليه لجواز امامة القاعد للقاعد مطلقاً ففي سائر النواقص في أفعال الصلاة يثبت عدم جوازها بالأولى.

ثم ان صاحب الجواهر استثنى القراءة من جواز امامة الناقص للناقص فقال: (لكن على كل حال لا يبعد استثناء القراءة من ذلك، فلا يأتم متقنها وإن فرض تعذر باقي الأركان عليه بفاقدها وإن كان متمكنا من غيرها، لعدم التحمل، ‌بل وكذا القائم بالقاعد وإن فرض تمكن الثاني من الركوع والسجود ونحوهما وتعذرهما على القائم، لإطلاق الدليل السابق، وإن كان يمكن دعوى انصرافه إلى القائم المتمكن إلا أنه لما كانت الجماعة توقيفية والأصل عدم سقوط القراءة وغير ذلك اتجه التجنب عن مثل هذه الكيفيات من الجماعات التي ليس في النصوص والفتوى ما ينقحها، فتأمل جيدا).[4]

اما قول المصنف: (والجالس للمضطجع)؟ فبما بيناه لم يبق مجال كذلك لتصحيح امامة الجالس للمضطجع لأنّه لا نجد اطلاقا يفيد صحة مثل هذه الجماعة في غير حالة الاضطرار كالتقية.

و ‌النبوي المروي بين العامة والخاصة من قول النبي صلى اللّٰه عليه وآله بعد أن صلى بهم جالسا في مرضه: «لا يؤمِّن أحد بعدي جالساً»[5] يرفض امامة الجالس مطلقاً، فيشمل للجالس أيضاً.

فالمستخلص من بحثنا عدم صحة امامة من لا يقدر على إتيان جميع أفعال الصلاة الاختيارية الا في ظروف التي لا يوجد سالم للإمامة ومع ذلك الترك احوط الا عند التقية والموارد التي وردت في صلاة العراة التي تشتمل على امامة الجالس للجالس ومن المحتمل القريب كان ظروف التقية حيث كانوا مع قوم والقوم ظاهر في عدد يشتمل على أبناء العامة وهم يرون وجوب الجماعة في الفرائض متى أمكن والتخلف عن جماعتهم كان امرا مشيناً فأجازوا المشاركة في صلاتهم جالسا لحفظ الستر عن تلك العيون الناظرة فتأمل.


[1] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج13، ص330.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص345، أبواب صلاة الجماعة، باب25، ح3، ط آل البيت.
[3] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج13، ص330.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج13، ص330.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص345، أبواب صلاة الجماعة، باب25، ح1، ط آل البيت.