الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /فی جواز امامة المعذور لمثله

 

(مسألة 1): (لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين، والمضطجع لمثله، والجالس للمضطجع).

للاسف یوم الاثنین عطل بحثنا لشدة الغبار المنتشر فی الجو وفی الیوم الأحد وصل بحثنا الى ذكر ما استدلوا به على جواز امامة القاعد للقاعدين و ذكرنا صحيحة علي ابن جعفر: وهي على ما رواه في الوسائل هكذا: عَنْهُ – أي الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً- فِي سَفِينَةٍ أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ- وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نِسَاءٌ كَيْفَ يَصْنَعُونَ- أَ قِيَاماً يُصَلُّونَ أَمْ جُلُوساً- قَالَ يُصَلُّونَ قِيَاماً- فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ صَلَّوْا جُلُوساً- وَيَقُومُ الْإِمَامُ أَمَامَهُمْ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُمْ- وَإِنْ مَاجَتِ السَّفِينَةُ قَعَدْنَ النِّسَاءُ وَصَلَّى الرِّجَالُ- وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ بِحِيَالِهِمْ الْحَدِيثَ»[1]

وقد فرغنا عن صحة السند وبقي علينا مناقشة الدلالة:

اما الدلالة فقالوا ان قوله عليه السلام: (يُصَلُّونَ قِيَاماً- فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ صَلَّوْا جُلُوساً) والموضوع هو صلاة الجماعة فيفيد صحة الجماعة جلوساً لمن لا يقدر على القيام والمفروض في هذا الحديث كون الامام أيضا جالساً.

ولكن يمكن المناقشة في دلالة الرواية بانّها وردت في جمع كانوا في السفينة وكُلّهم كانوا عاجزين عن الصلاة قائماً فعند ذلك لا محيص الا الصلاة جالساً، اما إذا أمكن اختيار امام قادر على القيام فهل يجوز اكتفاء العاجز عن القيام بالعاجز مثله او يجب اختيار امام يصلي قائما؟ الدلالة قاصرة عن اثبات الجواز عند توفير الامام القادر على القيام.

ومما يستدل به على جواز امامة القاعد للقاعدين: موثّقة السكوني مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع لَا يَؤُمُّ الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ وَلَا صَاحِبُ الْفَالِجِ الْأَصِحَّاءَ- وَلَا صَاحِبُ التَّيَمُّمِ الْمُتَوَضِّئِينَ الْحَدِيثَ.مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ و َ‌رَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا إِلَى قَوْلِهِ الْأَصِحَّاءَ[2] .

روى هذا الحديث المحمدون الثلاثة وسنده لا بأس به لأنّ السكوني عامّي موثّق، والنوفلي الراوي عنه وإن لم يوثّق صريحاً لكنّه من رجال كامل الزيارات ولكن في قبول توثيق العام لابن قولويه في كامل الزيارات خلاف فبعض الفقهاء اخذوا بتوثيقه وجعلوه شاملا لجميع من ورد في اسنادها الا فيمن وجدوا له قدح في مكان آخر، وبعضهم ذهبوا الى ان مراد ابن قولويه توثيق مشايخه الذين اخذ منهم الحديث بلا واسطة، و منهم من ذهب الى توثيق اجمالي فيمن نقل عنهم زيارة أي انه رضوان الله عليه أراد ان يقول ان ما ذكرته من الزيارات والادعية كلها مأخوذة من سند معتمد لا ان كل ما رويته اسنادها موثقة، فنعرف في الجملة ان الأعمال والزيارات المندوب اليها لها سند موثق، فلا يشخص الموثق عن غيره، وبعضهم لم يعتمدوا على توثيقه العام لأنّهم وجدوا فيها مخالفات كثيرة، و هناك وجوه أخرى نغمض العين ان ذكرها حرصاً على الاختصار.

فلا يمكن تصحيح النوفلي الا على القول بوثاقة جميع المذكورين في اسناد كامل الزيارات لانّ النوفلي ليس ممن روى ابن قولويه عنه مباشرة.

ولكنّ النوفلي مذكور أيضاً في رجال تفسير القمي فيمكن تصحيحه من هذه الناحية وهو الذي ذهب اليه السيد الخوئي رضوان الله عليه.ورد في موسوعته: (أنّ السكوني عامّي موثّق، والنوفلي الراوي عنه وإن لم يوثّق صريحاً لكنّه من رجال كامل الزيارات «مرّ أنّ التوثيق من أجل كونه من رجال تفسير القمّي دون الكامل، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة». فالرواية موثّقة عندنا كما وصفناها بها). [3]

ونفس المضمون ورد في رواية الشعبي وَإليك نصها: بِإِسْنَادِهِ -شيخ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ‌عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ غِيَاثٍ عَنْ صَاعِدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ع فِي حَدِيثٍ لَا يَؤُمُّ الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ.[4] . سندها ضعيف لعدم ورود التوثيق للصاعد ولا للشعبي.

اما وجه الاستدلال بها مع غض النظر عن السند: أنّ علّة المنع هي‌ نقصان صلاة الإمام، فيستفاد منها كبرى كلّية، وهي عدم جواز إمامة الناقص للكامل. ويستفاد من تقييد المنع بالمطلقين والاصحاء والمتوضئين جواز امامة الناقص للمساوي او الأدون لعدم توفر علة المنع فيهما.

ولكن يرد على هذا الاستدلال ان ما نجد في هذا الحديث انما هو الوصف والوصف لا مفهوم له على الأصح ولم يرد في هذا الحديث ما يفيد علة الحكم وانما هو استنباط واستيحاء عن كون المأموم في فرض الحديث سليماً عن العذر ففيما إذا كان معذورا لا يوجد منع. ومثل هذه الاستنباطات ليست بحجة الا عند من تيقن من خلالها بحكم الله فيقينه حجة له دون غيره.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَهُمْ عُرَاةٌ- قَالَ يَتَقَدَّمُهُمُ الْإِمَامُ بِرُكْبَتَيْهِ- وَيُصَلِّي بِهِمْ جُلُوساً وَهُوَ جَالِسٌ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ.[5]

سنده صحيح اعلائي، واما وجه الاستدلال تجويز الإمام عليه السلام لإمامة القاعد للقاعدين فيها.

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار واليك نصها: عَنْهُ -أي شيخ عن حسين بن سعيد- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: قَوْمٌ قُطِعَ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ- وَ أُخِذَتْ ثِيَابُهُمْ فَبَقُوا عُرَاةً- وَ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟- فَقَالَ: يَتَقَدَّمُهُمْ إِمَامُهُمْ فَيَجْلِسُ وَ يَجْلِسُونَ خَلْفَهُ- فَيُومِئُ إِيمَاءً بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ- وَهُمْ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ خَلْفَهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ[6]

في السند عبد الله بن جبلة قال فيه النجاشي: (بن حنان بن ابجر الكناني أبو محمد عربي صليب ثقة الى ان قال: وكان عبد الله واقفاً وكان فقيهاً مشهوراً ثقةً له كتب منها كتاب الرجال وكتاب الغيبة على مذهب الواقفة الخ)، كذلك في السند اسحاق بن عمار وهو بن موسى الساباطي قال فيه النجاشي: (كان فتحياً الا انه ثقة واصله معتدٌ عليه)، و لو احتملنا كونه ابن حيان الصيرفي وهو شيخ المحدثين من الشيعة ثقة ولكن مجرد احتمال كونه ساباطياً يكفي لعدم اثبات صحة السند ونزوله الى مرحلة الوثاقة وهذا يكفينا حجة فالسند لا بأس به بلا اشكال.

اما الدلالة فهي تدل الى جواز امامة الجالس للجالس بل الامام المؤمِئُ بالركوع والسجود لم يركع ويسجد على الأرض فبالاولى تدل على جواز امامة المساوي للمساوي.

ولكن المشكل أن هذه الروايات وردت لموارد الاضطرار حيث كنوا كلهم عراة فلا تدل على جواز امامة المساوي للمساوي عند ما توفر غير المعذور للإمامة وهذا الفرد لم يبين حكمه في هذه الرواية الشريفة.

وللكلام تتمة نذكرها في الجلسة الآتية ان شاء الله

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص428، أبواب صلاة الجماعة، باب73، ح3، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص340، أبواب صلاة الجماعة، باب22، ح1، ط آل البيت.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص357.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص340، أبواب صلاة الجماعة، باب22، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص450، أبواب لباس المصلي، باب51، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص451، أبواب لباس المصلي، باب51، ح2، ط آل البيت.