الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/10/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /امامة القاعد للقاعدین

وصل بحثنا قبل رمضان المبارک الى شرائط إمام الجماعة حیث قال المصنف:

(يشترط فيه أُمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، وأن ‌لا يكون ابن زنا، والذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالًا وأن لا يكون قاعداً للقائمين، ولا مضطجعاً للقاعدين، ولا من لا يحسن القراءة بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلك حتّى اللحن في الإعراب، وإن كان لعدم استطاعته غير ذلك) وقد استوعب هذا المقطع من کلام المصنف عشرین محاضرة منّا أوّلها: كانت يوم ميلاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها وآخرها الرابع من شعبان المعظم و هذا المقطع كان من المصنف طليعة لبيان الشروط في امام الجماعة فذكر عدم جواز امامة القاعد المعذور عن القیام، للقائمين، وذكر عدم جواز امامة المضطجع المعذور للقاعدين، وعدم جواز امامة من لا يحسن القراءة، ثم يدخل في مسائل الى موارد جواز امامة المعذورين فقال:

(مسألة 1): (لا بأس بإمامة القاعد للقاعدين (1)، والمضطجع لمثله (2) والجالس للمضطجع).

ان المصنف ذكر في هذه المسألة ثلاثة فروع قد خالفه فيها بعض الفقهاء فنذكر تعليقات من بعضهم عليها:

1- قال الامام الحميني رضوان الله عليه: (الاقتداء بالمعذور في غير إمامة القاعد للقاعد والمتيمّم للمتوضّئ وذي الجبيرة لغيره مشكل لا يترك الاحتياط بتركه وإن كانت إمامة المعذور لمثله أو لمن هو متأخّر عنه رتبة كالقاعد للمضطجع لا يخلو من وجه).

وقال السيد الحائري: (في الاقتداء بالمعذور في غير المتيمّم وذي الجبيرة والقاعد للقاعد إشكال فلا يترك الاحتياط).

2- قال السيد الخوئي: (ايتمام المضطجع بمثله أو بالقاعد محلّ إشكال بل منع).

فوافقوه في الفرع الأولى وشككوا في الآخرَين. وهما إمامة المضطجع للمضطجع وامامة القاعد للمضطجع.

فعلينا مراجعة أدلة كل رأي كي نستخلص منها ما هو مفاد الحجة الشرعية ان شاء الله.

وقبل ذلك نأتي بمقدمة تفيدنا في تصنيف موارد العذر وهي: اما يكون العذر في الاقوال: كمن هو معذور في القراءة صحيحاً او معذور في صحة أداء سائر الأذكار، ونحن فرغنا عن البحث في هذا الفرض قبل رمضان عند بحثنا فيما ذكره المصنف في مطلع هذا الفصل فلا نعيد، وإمّا يكون العذر في أفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود وإمّا يكون في شروط الصلاة كالطهارة والقبلة وطهارة لباس المصلي او بدنه.

اما الفرع الأول وهو امامة القاعد للقاعد المعذورَين بعد ما رفض اقتداء القائم بالقاعد في مطلع البحث فقد استندوا لجوازه بأمور:

منها صحيحة علي ابن جعفر واليك نصها: « وَ عَنْهُ – شيخ عن محمد بن علي بن محبوب- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً- فِي سَفِينَةٍ أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ- وَ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ نِسَاءٌ كَيْفَ يَصْنَعُونَ- أَ قِيَاماً يُصَلُّونَ أَمْ جُلُوساً- قَالَ يُصَلُّونَ قِيَاماً- فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ صَلَّوْا جُلُوساً- وَ يَقُومُ الْإِمَامُ أَمَامَهُمْ وَ النِّسَاءُ خَلْفَهُمْ- وَ إِنْ مَاجَتِ السَّفِينَةُ قَعَدْنَ النِّسَاءُ وَ صَلَّى الرِّجَالُ- وَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ بِحِيَالِهِمْ الْحَدِيثَ»[1]

في السند محمد بن احمد العلوي وهو الذي قد يلقب بالكوكبي، وقد يلقب بالهاشمي، وهو بن إسماعيل العلوي لم يوثّق في كتب الرجال صريحاً،

وفي السند العمركي قال فيه النجاشي (بن علي أبو محمد البو فكي، بوفك قرية من قرى نيسابور شيخ من أصحابنا ثقة روى عنه شيوخ اصحابنا منهم عبد الله بن جعفر الحميري له كتاب الملاحم أخبرنا أبو عبد الله القزويني قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا احمد بن ادريس قال حدثنا محمد بن إسماعيل العلوي عن العمركي) [2] .

وظاهر هذا التعبير من النجاشي أنّ محمد بن إسماعيل العلوي كان من الأكابر والأجلّاء الممدوحين، من نظراء عبد اللّٰه بن جعفر. فبذلك يتم توثيق محمد بن إسماعيل ايضاً حيث وقع في طريق النجاشي الى كتاب الملاحم للعمركي.

ثم هناك طريق آخر لتصحيح محمد بن احمد العلوي وهو أنّ الصدوق وشيخه أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد القمي المشهور بابن الوليد وأبو العباس السيرافي وهو كان تلميذ النجاشي وهم من أئمة نقاد الحديث شهدوا بصحة روايات كتاب نوادر الحكمة واستثنوا منها ما رواه جمع فذكروا ثلاثين من الرواة الذين لا يأوّل على روايتهم ولم يكن محمد بن احمد العلوي منهم وهو من رجال نوادر الحكمة فمعناه ان هؤلاء الثلاثة شهدوا بوثاقة هذا الرجل.

ولكن السيد الخوئي رضوان الله عليه لا يعتمد على توثيق الثلاثة لرجال نوادر الحكمة، بحجة اعتقادهم بأصالة العدالة لكل من لم يعرفوا له فسق. وهذا الاتهام منصوب الى العلامة أيضا ولكن الظاهر انهم كانوا يقولون بعدالة كل من يعرفونه ولم يظهر له فسق.

هناك طرق ثالث لتوثيق محمد بن احمد العلوي وهو كونه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم، وعليه اعتمد السيد الخوئي رضوان الله عليه فقال: (قد بنينا على وثاقة من وقع في هذا الإسناد كالواقع في إسناد كامل الزيارات إلّا ما خرج بالدليل)، وبهذا الدليل صحح هذه الرواية فقال: (فلا ينبغي التأمّل في اعتبار الرواية).[3] فسندها لا بأس به، اما الدلالة فنتعرض لها غداً ان شاء الله

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص428، أبواب صلاة الجماعة، باب73، ح3، ط آل البيت.
[2] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج، ص303/828.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج22، ص248.