الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /امامة المرأة للنساء

قال المصنف (فصل في شرائط إمام الجماعة يشترط فيه أُمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، وأن‌ لا يكون ابن زنا، و الذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالًا....)

كان بحثنا في اشتراط الذكورة في امام الجماعة فثبت بلا ريب عدم جواز امامة المرأة إذا كان المأمومون رجالاً او فيهم رجال. اما امامتها للنساء ففي صحتها خلاف، والمشهور ذهبوا الى جواز امامة المرأة للنساء وقد ذكرنا في الجلسة السابقة ست روايات فيها موثق وصحاح دلت على جواز امامة المرأة للنساء.

وقال صاحب الجواهر: (يجوز أن تؤم المرأة النساء في الفريضة والنافلة التي يجوز فيها الاجتماع على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل في الخلاف والتذكرة وعن الغنية وإرشاد الجعفرية وظاهر المعتبر والمنتهى الإجماع عليه)، وهو مضافا الى ما ذكرنا من الروايات في الجلسة الماضية قال: (لقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع وغيره، فلا يقدح حينئذ ظهور خطاب الإطلاقات بالذكور لو سلم كون جميعها كذلك، و ‌للنبوي المروي في كتب الفروع‌ لأصحابنا مستدلاً به على المطلوب، وهو «أنه (صلى اللّٰه عليه وآله) أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا»‌)[1]

لعل مراده من وغره معطوفا الى الاجماع هو ان في اللغات التي تميز الذكر من الانثى في الضمير، ضمير المذكر يأتي للأعم، الا إذا قامت قرينة على الاختصاص بالذكور وهذا الامر يغنينا من الاجماع لأنّه يكشف عن الظهور اللفظ. اما حديث ام ورقة فإنّما ورد في أحاديث السّنه وروي في كنز العمال والشيعة اخذوا منهم.

في مقابل هذه الروايات رواية رفضت امامة المرأة مطلقا وهي صحيحة زرارة يرويها الصدوق في الفقيه بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ الْمَرْأَةُ تَؤُمُّ النِّسَاءَ؟ قَالَ: لَا إِلَّا عَلَى الْمَيِّتِ- إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى مِنْهَا- تَقُومُ وَسَطَهُنَّ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ فَتُكَبِّرُ وَ يُكَبِّرْنَ".[2]

سند الصدوق الى زرارة سند صحيح،

ورواها الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيِّ عَنِ الْعَبَّاسِ «ابي العباس» بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ.

وهذا السند فيه محمد بن مسعود العياشي من العلماء المحدثين ممن لا يعتريه ريب: قال فيه الشيخ في التهذيب: (من اهل سمرقند وقيل انه من تميم يكنى أبا النضر جليل القدر واسع الاخبار بصير بالرواية مضطلع بها له كتب كثيرة يزيد الى مأتي مصنف) ثم ذكر كتبه ابن النديم، وهي متنوعة في موضوعات مختلفة جدا مما يدل على سعة علمه. وقال النجاشي فيه: (ثقة صدوق عين ن عيون هذه الطائفة كان يروي عن الضعفاء كثيراً وكان في اول امره عامي المذهب وسمع حديث العامة فأكثر منه ثم تبصّر وعاد الينا وكان حديث السن) انّما الاشكال في العباس بن المغيرة فهو غير معروف في الرجال. ولكن يكفينا صحة طريق الصدوق.

اما الدلالة فنفي الامام لإمامة المرأة بكل صراحة ظاهره عدم الجوا

الروايات الأولى كانت صريحة في الجواز وهذه الرواية دالة على عد م الجوا فيقع التعارض بين الطائفتين، فلابد من التحري لحل التعارض.

هناك طائفة ثالثة تمسكوا بها لحل التعارض وهي: منها اولاً: صحيحة هشام بن سالم: رواها مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ‌ عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: تؤمهنّ في النافلة، فأمّا المكتوبة فلا، ولا تتقدّمهنّ ولكن تقوم وسطهنّ»[3] .

سند الصدوق الى هشام بن سالم صحيح والدلالة تفيد جواز امامتهن في النافلة دون الفريضة.

ومنها: ما رواه الشيخَ عَنْهُ -سعد- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي الصَّلَاةِ- وَ تَقُومُ وَسَطاً مِنْهُنَّ وَ يَقُمْنَ عَنْ يَمِينِهَا وَ شِمَالِهَا- تَؤُمُّهُنَّ فِي النَّافِلَةِ وَ لَا تَؤُمُّهُنَّ فِي الْمَكْتُوبَةِ.[4] .

12- الشيخ عَنْهُ- الحسين بن سعيد- عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ «في الاستبصار زيادة عن ابن مسكان» عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْمَرْأَةِ تَؤُمُّ النِّسَاءَ- فَقَالَ إِذَا كُنَّ جَمِيعاً أَمَّتْهُنَّ فِي النَّافِلَةِ- فَأَمَّا الْمَكْتُوبَةُ فَلَا- وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطاً‌ مِنْهُنَّ. وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ.[5]

قال السيد الخوئي في سندها: (وصحيحة ابن سنان أو ابن مسكان ولو كان الأوّل فهو عبد اللّٰه عن سليمان بن خالد) (موسوعة 17ص352) قوله ابن سنان او ابن مسكان لان في الاستبصار ورد ابن مسكان وهو ليس بديلا من ابن سنان بل منضم اليه فلا وجه لقوله لو كان الأول فهو عبد الله هذا أولاً، ثانياً: هذه القاعدة مقبولة على ان الاسم المشترك إذا اطلق يحمل على الأشهر او المشهور وعبد الله بن سنان هو الشخصية العظيمة المشهورة المقبولة عند اهل الحديث ومحمد بن سنان ليس الأشهر المقبول. ولكن فيما نحن فيه خصوصية وهو عدم رواية عبد الله عن سليمان بن خالد بلا واسطة، وكذا محمد بن سنان. فالصحيح في السند هو الذي أثبته في الاستبصار اي: (ابن سنان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد)[6] وابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان هو محمد، لروايته عنه كثيراً، ولا رواية لعبد اللّٰه بن سنان عن ابن مسكان في الكتب الأربعة. إذن فالرواية ضعيفة بمحمد بن سنان. وأمّا ما في الكافي، والتهذيب من حذف (ابن مسكان) فهو سقط من القلم أو النساخ، لما عرفت من أنّ محمد بن سنان لا يروي عن سليمان بلا واسطة، وإنّما يروي عنه بواسطة ابن مسكان غالباً كما يعلم بمراجعة الطبقات. أقول هذا التحقيق اخذته من تعليقة المخرجين في مؤسسة النور خلاصة القول: نسبة الصحة بهذا الحديث من السيد الخوئي كانت غفلة منه رضوان الله عليه

 


[1] كنز العمال، المتقي الهندي، ج4، ص257.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص334، أبواب صلاة الجماعة، باب20، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص333، أبواب صلاة الجماعة، باب20، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص336، أبواب صلاة الجماعة، باب20، ح9، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص336، أبواب صلاة الجماعة، باب20، ح12، ط آل البيت.
[6] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص426.