الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلائ الجماعة /امامة ولد الزنا

قال المصنف (فصل في شرائط إمام الجماعة يشترط فيه أُمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، وأن‌ لا يكون ابن زنا، و الذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالًا....)

في اليوم الماضي كان بحثنا حول مانعيّة الولادة عن الزنا في الإمام لصحة الجماعة، ومضافاً على الاجماع، ذكرنا روايات فيها صحاح وموثقات على عدم جواز الاقتداء بولد الزنا.

وبما ان المحقق وغيرها من الفقهاء جعلوا طهارة المولد في الإمام شرطاً لصحة الإيتمام به، صاحب الجواهر بعد ما ذكر الروايات التي استدلوا بها على لزوم طهارة المولد في الامام قال ما ملخصه:

(لكنها كما ترى لا دلالة في شي‌ءٍ منها على ما عبّر به الأصحاب من طهارة المولد، بل أقصاها المنع عن ابن الزنا، ولعله لأن كل من لم يُعلم أنه ابن زنا محكوم عندهم عليه بطهارة مولده شرعاً، حتى من كان وُلد على غير الإسلام ثم استبصر، أو اُلتقط في دار الحرب أو الإسلام ممن لا يعرف له أب، وإن كان هو لا يخلو من إشكال، فالأولى التعبير بأن لا يكون ابن زنا بدله، كما هو مضمون الأخبار، فيكفي حينئذ في صحة الائتمام عدم العلم بكونه ابن زنا، لإطلاق الأدلة أو عمومها، نعم لا يبعد أن يكون من ابن الزنا من ثبت أنه تكون على غير نكاح والديه، فولد اليهوديين على غير نكاحهما ابن زنا وإن استبصر، إلا أن يدعى شمول‌ قوله (صلى اللّٰه عليه وآله) «إن الإسلام يجب ما قبله»[1] لمثله، وإن كان فيه تأمل أو منع. وأما ولد الشبهة فلا ريب في طهارة مولده شرعا كالمولود على الفراش وإن تناولته الألسن، إلا أنه لم يثبت شرعا كما هو واضح) [2] والسر في قوله: (وان كان فيه تأمل او منع) لان هذا الحديث انما يشمل ما فعله على حسب دينه ولكن الجرائم التي ارتكبها عصيانا على دينه لا يرتفع عنه كما إذا سرق مال الآخرين او قتل مظلوماً في غير حرب وما شابه ذلك.

وفي هذا المجال سلك السيد الخوئي طريقاً آخر فقال: (وهل تصحّ الإمامة ممّن يشكّ في طهارة مولده؟ أمّا مع وجود الفراش فلا إشكال، لقوله (صلى اللّٰه عليه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر»)

هنا نحب ان نعرض عليكم نص الحديث من الوسائل وهي صحيحة: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةِ قَوْمٍ حَرَاماً- ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَادَّعَى وَلَدَهَا- فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ مِنْهُ شَيْ‌ءٌ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ- وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ- وَ لَا يُورَثُ وَلَدَ الزِّنَا إِلَّا رَجُلٌ يَدَّعِي ابْنَ وَلِيدَتِهِ الْحَدِيثَ.وَ رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ مِثْلَهُ).[3]

ثم تابع السيد الخوئي كلامه فقال: (فيحكم بتولّده من صاحب الفراش، ويرتّب عليه آثار طهارة المولد التي منها جواز الاقتداء به، لالتحاقه به شرعاً وإن كان مشكوكاً وجداناً.

وأمّا مع عدم وجوده فقد يقال بترتيب آثار الطهارة، استناداً إلى السيرة العملية من المتشرّعة القائمة على ذلك. وفيه ما لا يخفى، لعدم ثبوت السيرة، إذ الفرض المزبور أعني الشكّ مع فقد الفراش نادر التحقّق، ومعه كيف يمكن إحراز السيرة العملية كي يكون الحكم ثابتاً من باب التعبّد).

ثم بعد ما رفض الاستناد الى السيرة وهو الحق التمس حل المشكلة ببيان آخر فقال: (والأقوى التحاقه بطاهر المولد، استناداً إلى أصالة عدم تولّده من الزنا، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة، فإنّ الخارج عمّن يصلح الاقتداء به عنوان وجودي، وهو المتولّد من الزنا كما نطقت به النصوص، فالباقي تحت العام بعد التخصيص عنوان عدمي، وهو من لم يكن متولّداً من الزنا. فهذا القيد العدمي هو المعتبر في إمام الجماعة، ولم يعتبر فيه طهارة المولد التي هي عنوان وجودي، وإن وقع التعبير بها في كلمات غير واحد من الفقهاء، فإنّه غير منطبق على لسان الأخبار كما عرفت. وعليه فيمكن إحراز عدم تولّده من الزنا باستصحاب العدم الأزلي ولا يلزم إحراز طهارة المولد كي يكون الأصل المزبور مثبتاً بالنسبة إليه، لعدم كونه موضوعاً للحكم في لسان الدليل. فيرتّب عليه آثار من لم يتولّد من الزنا من التوارث وجواز الاقتداء به ونحو ذلك. وعلى الجملة: ليست الطهارة شرطاً للإمامة، بل المانع كونه ولد الزنا. فالقيد المعتبر عدمي لا وجودي، ولأجله عبّر في المتن بقوله: وأن لايكون ابن زنا. ولم يعبّر بطهارة المولد كما عبّر بها كثير من الفقهاء. فيمكن إحراز عدم المانع بالاستصحاب كما عرفت).[4]

وهذان الكلامان منهما متينان مقبولان ومآلهما الى امر واحد رضوان الله عليهما.


[1] الخصائص الكبرى، السيوطي، جلال الدين، ج1، ص249.
[2] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج13، ص324.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج26، ص274، أبواب صلاة الجماعة، باب8، ح1، ط آل البيت.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص348.