الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجمعة /شرط العدالة في الامام

کان بحثنا فی اشتراط الایمان فی امام الجماعة والمراد من الایمان هو الاعتقاد بجميع العقائد الحقة وذكرنا روايات تناولت جل العقائد الحقة، كما ان الأدلة التي تدل على لزوم العدالة في امام الجماعة دال على لزوم ايمانه بالعقائد الصحيحة أيضاً.

ومن الصفات اللازمة للإمام العدالة: قال في الجواهر: وكذا يعتبر في الإمام العدالة فلا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعا محصلاً ومنقولاً مستفيضاً أو متواتراً كالنصوص، بل ربما حكي عن بعض المخالفين موافقتنا في ذلك محتجا بإجماع أهل البيت (عليهم السلام)،[1]

قبل البحث عن ادلة الحكم لابد من تنقيح الموضوع وتعريف العدالة التي هي موضوع في كثير من الأبواب:

ما هي حقيقة العدالة المعتبرة في جملة من الموارد كالتقليد، والشهادة والقضاء، والطلاق، وإمام الجماعة وغيرها؟ اختلف كلمات الفقهاء في تفسير العدالة على أقوال:

.1- منها: ما نسب إلى المشهور بين المتأخرين من أن العدالة ملكة، أو هيئة راسخة، أو حالة، أو كيفية باعثة الى اتيان الواجبات وترك المعاصي والمحرمات.

.2- منها: أن العدالة هي الاتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية فهي - على ذلك - أمر عملي، وليست من الصفات النفسانية، وإن كان ذلك العمل مسببا عن الصفة النفسانية،

والفارق بين القولين ان في الأول ان العدالة من مقولة الصفات القائمة بالنفس تبعث الى الالتزام باتيان الواجبات وترك المحرمات فالعدالة سبب والاعمال مسبب لها، وفي الثاني العدالة هي الاعمال وسببها الصفة القائمة بالنفس. وعلى كلا الوجهين تلازم بين الفعل القائم بالجوارح والصفة القائمة بالنفس فالمعتبرة هي الملكة المتلبسة بإتيان الواجبات وترك المحرمات وذلك لو غلبت الهوى على النفس فارتكب المعصية في الخارج. يستتبع الفسق من غير نكير، حتى يتوب الى الله. ولو كانت الملكة بمفردها العدالة يلزم منها اجتماع العدالة والفسق في شخص واحد في زمان واحد. والمفروض هما متقابلان يستحيل جمعهما في زمان ومكان واحد.

.3- منها: أن العدالة نفس الأعمال الخارجية من فعل الواجبات وترك المحرمات من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها فالعدالة هي الاستقامة - عملا - في جادة الشرع وعدم الجور والانحراف عنها يمينا ولا شمالا. ولو كانت الاستقامة رياء ونفاقاً او خوفاً او طمعاً وهذا امر لا يمكن الالتزام به.

.4- منها: أن العدالة هي الاسلام وعدم ظهور الفسق في الخارج، ولو كان لعدم المعاشرة معه وعلى ذلك لا بد من الحكم بعدالة أكثر المسلمين، وهذا التعريف يبطل نفسه بنفسه لان فيه فرض وجود فسق لم يظهر للآخرين.

.5- منها: أن العدالة هي حسن الظاهر فحسب، فيتوقف احرازها على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتيا بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثا أو أكثر هذا.

والواقع لابد ان نحمل كلام القائل بحسن الظاهر، والاسلام مع عدم ظهور الفسق في تعريف العدالة، على ان مرادهم بيان محرز العدالة لا أنهما العدالة نفسها، لان من يرتكب المعاصي وهو مصر عليها فاسق قطعاً، فلا معنى ان نقول هو عادل إذا كان له حسن الظاهر – وكم من منافق فاسق باطنا - متحفظ على جاهه ومقامه لدى الناس فهو مع أنه حسن الظاهر محكوم بالفسق - في الواقع - لارتكابه المعاصي، ولا مساغ للحكم بعدالته لأنه يستلزم منه الجمع بين المتقابلين.

فلابد ان نقول ان حسن الظاهر او الإسلام مع عدم ظهور فسق منه طريقان ومعرفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها.

فالأقرب انه لم تثبت للعدالة حقيقة شرعية، ولا متشرعية، وإنما هي بمعناها اللغوي أعني الاستقامة والاعتدال وعدم الاعوجاج والانحراف. وهي قد تستند إلى الأشياء من الامور المحسوسة فيقال هذا الجدار عدل أي مستقيم. وقد تستند الى أمور غير محسوسة فيقال عادل في عقيدته او عادل في اخلاقه او عادل في حكمه او عادل في فهمه أي مستقيم غير مائل الى الافراط او التفريط. وقد يستند الى الأشخاص كزيد عادل بقول مطلق فمعناه مستقيم في دينه بجميع ابعاده فهو الذي لا يرتكب معصية بترك الواجبات وفعل المحرمات فهو عادل على ملاك الشرع المقدس وهو الذي يشترط في امام الجماعة.

فالقول الصحيح ما عليه مشهور المتاخرين من ان العدالة ملكة باعثة الى الالتزام باتيان الواجبات وترك المحرمات فهي صفة قائمة على النفس باعثة الى الصالحات، والعمل غير مأخوذ في حقيقتها بل العدالة تستتبع الصالحات ولذا لو فرض ان لشخص حصل هذه الملكة ولكن لمّا وجد مجالاً للعمل فلا ينقص من عدالته شيئاً ولو شهد الطلاق في تلك الفترة يقع الطلاق صحيحاً. ونتابع البحث غداً ان شاء الله

 


[1] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج13، ص275.