الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلائ الجماعة /اشتراط البلوغ في الامام

ثم قال المصنف رضوان الله عليه: (فصل في شرائط إمام الجماعة يشترط فيه أُمور:

البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، وأن‌ لا يكون ابن زنا، والذكورة إذا كان المأمومون أو بعضهم رجالًا، و أن لا يكون قاعداً للقائمين، ولا مضطجعاً للقاعدين، ولا من لا يحسن القراءة، بعدم إخراج الحرف من مخرجه أو إبداله بآخر أو حذفه أو نحو ذلك حتّى اللحن في الإعراب، وإن كان لعدم استطاعته غير ذلك.

في اليوم الماضي مررنا على هذه المسألة مرورا عابرا ونظرنا الى بعض التعليقات التي علقوا عليها وأشرنا الى بعض الروايات الواردة حولها واليوم نريد ان نقف عند فقه المسألة في اول شرط من شروط التي لابد ان تتوفر في الامام وهو البلوغ.

فنقول: اما البلوغ: لا شک فی عدم جواز الاقتداء بالصبيّ غير المميّز، واما المميّز فافتى کثیر من الفقهاء أيضا بعدم جواز الاقتداء به حتى نسب هذا الحكم الى المشهور، بل العلامة في المنتهى قال: "بلا خلاف" [1] ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه. و لکن الشيخ حكم بجواز إمامة المراهق مدعياً عليه الإجماع [2] . لكن الإجماع غير ثابت فی الطرفین، نعم المشهور ذهبوا الى عدم جواز الاقتداء بغير البالغ. فعلينا ان نراجع النصوص الشرعية كي نرى مدى دلالتها:

من الروایات صحیحة غياث بن ابراهيم رواه کلینی عن علی بن ابراهیم- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "لَا بَأْسَ بِالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ- أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ وَ أَنْ يُؤَذِّنَ" [3]

فی السند عبدالله بن مغیرة وهو کان واقفیا فاستهدى الله في الحج فهداه الله الى امام الرضا عليه السلام و هو كان من فقهاء أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام وقد وثقه النجاشي مرتين فقال: كوفي ثقة ثقة لايعدل به احدٌ من جلالته ودينه وورعه. وفيه غياث بن إبراهيم وثقه النجاشي فالسند صحيح. اما الدلالة فظاهرها جواز الامامة لمن هو مراهق قريب من البلوغ.

الثانی: ما رواه الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: "تَجُوزُ صَدَقَةُ الْغُلَامِ وَ عِتْقُهُ- وَ يَؤُمُّ النَّاسَ إِذَا كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ". سماعة بن مهران وثقه النجاشي مرتين ولو نسب اليه الوقف ولكن ذكر انه مات في حياة ابي عبد الله عليه السلام وعلى ذلك لا معنى لوقفه والمهم توثيق النجاشي له فالسند اما صحيح او موثق. واما الدلالة فهي قيّدَت ان يكون عمره عشر سنين ولعل المراد ان يكون اهل التميز على مستوى امامة الصلاة.

الثالث: ما رواه الشیخ عن محمد بن احمد بن یحیى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ وَ أَنْ يَؤُمَّ".[4] فی سنده طلحة بن زيد هو كان عاميا لم يرد له توثيق الا مقالة الشيخ في الفهرست قال: عامي المذهب الا ان كتابه معتمد و عندما يذكر سند كتابه ففي طرقه محمد بن سنان الذي كان من الغلاة فلا يمكن تصحيح سنده.

اما الدلالة: فقال صاحب الوسائل (َاقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى كَوْنِ الْغُلَامِ قَدْ بَلَغَ بِالسِّنِّ أَوْ بِالْإِنْبَاتِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى إِمَامَتِهِ لِمِثْلِهِ). ولكن هذا الحمل خلاف الظاهر فقوله عليه السلام غلام لم يحتلم ظاهر فيمن لم يبلغ حد الحلم.

الرابع: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ عَنْ غِيَاثِ بْنِ كَلُّوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً ع كَانَ يَقُولُ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ- وَ لَا يَؤُمُّ حَتَّى يَحْتَلِمَ- فَإِنْ أَمَّ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ". فی السند حسن بن موسى الخشاب لم یرد له توثیق الا ان النجاشی قال فی شأنه: (من وجوه اصحابنا مشهور كثير العلم والحديث، له مصنفات منها كتاب الرد على الواقفة..) فلم يوثقه صريحاً وفي السند غياث بن كلوب هو ابن فيهس البجلي ولم يرد له توثيق.

وخلاصة الكلام على حسب الصناعة امامنا الصحيحة الأولى والموثقة او الصحيحة الثانية والرواية الثالثة التي لم يتم صحة سندها ولكن مضمونها مؤيد للصحيحتين، وانما يعارض هذا المعنى رواية الرابعة التي سندها ليس معتمدا فلا عذر لقبول ما افادته الثلاثة الأولى من صحة الاقتداء بالمميز ولا اقل من جاوز العشرة والمفروض تمامية سائر الشروط فيه.

وما قاله السيد الخوئي: وقد حملها صاحب الوسائل وغيره على إمامة الغلام لمثله، من جهة اعتبار العدالة في الإمام، المنوطة بالبلوغ. ولكنّه كما ترى، لإباء لفظ القوم والناس الوارد في الأُوليين عن الحمل على غير البالغ كما لا يخفى. فمقتضاها جواز إمامة الغلام حتّى للبالغين.

و لكن بإزاء هذه الأخبار ما رواه الشيخ بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه: «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: "لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤمّ حتّى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه"» «4» و المشهور ذكروا أنّ ضعف الرواية منجبر بالعمل، فلا تعارض بالروايات المتقدّمة الساقطة عن الحجّية بإعراض الأصحاب عنها و إن صحّت أسانيدها بعضاً أو كلّاً، و لأجله حكموا باعتبار البلوغ في إمام الجماعة.

لكنّا لا نقول بالانجبار، كما لا نلتزم بالإعراض على ما هو المعلوم من مسلكنا في البابين، ومن ثمّ يشكل الحكم بالاعتبار بعد ورود النصّ الصحيح الصريح في العدم، السليم عن المعارض على المختار، هذا.

 


[1] منتهى المطلب - ط القديمة، العلامة الحلي، ج1، ص324.
[2] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج1، ص553.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص321، أبواب صلاة الجماعة، باب14، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص323، أبواب صلاة الجماعة، باب14، ح8، ط آل البيت.