الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في حمل صلاة الامام على الصحة

 

234صلاة الجماعة الإثنين 14 جمادى الآخرة 1443

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدثنا في الايام الماضية حول الأدلة التي يستند اليها في اثبات اصالة الصحة لتصحيح قراءة الامام للماموم الذي لا يدري مواطن مخالفة الامام معه اجتهادا او تقليدا من الجانبين.

و قد ذكرنا من الكتاب آیتین استدلوا بهما على اصالة الصحة فاثبتنا عدم دلالتها عل المقصود ثم تطرقنا الى الاجماع وثبت عدم قيامه على اصالة الصحة کما ان الروایات ایضا ما تمت دلالتها على اصالة الصحة.

مما استدلوا به لاثبات اصالة الصحة: هی السيرة العملية من المسلمين لولا العقلاء على حمل الاعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في العبادات والمعاملات.

انّ آیة الله الشيخ ناصر المكارم الشيرازي جعل دليل الثالث لاصالة الصحة الثالث الإجماع‌ فقال: (اما الإجماع القولي فإثباته بوجه كلى بعنوان «وجوب حمل أفعال المسلمين أو أفعال الغير مطلقا على الصحة» دونه خرط القتاد)، الى ان قال: (اما الإجماع العملي من العلماء بل من المسلمين جميعا، وهو الذي يعبر عنه بسيرة المسلمين، فهو غير قابل للإنكار في جل موارد هذه القاعدة أو كلها، لأنهم لا يزالون يعاملون مع الأفعال الصادرة عن غيرهم معاملة الصحة في أبواب العبادات كصلاة الامام ، وأذان المؤذن واقامة المقيم للجماعة، وصلاة الميت وتغسيله وحج النائب، وأشباهها وكذا في أبواب المعاملات كالمعاملات الصادرة من الوكلاء، وأبواب الذبائح والجلود والثياب والأواني التي يغسلها الغير، ونظائرها، فإنه لا شك لأحد في ان المسلمين في جميع الأعصار والأمصار يعاملون مع هذه الأفعال إذا صدرت من غيرهم معاملة الصحة، ولا يتوقفون عن ترتيب آثارها عليها استنادا إلى أنهم شاكون في صحتها، وكذلك جرى ديدنهم على حمل أفعال أولياء الصغار والمجانين؛ وأوصياء الأموات ومتولي الأوقاف وجباة الصدقات على الصحيح وهذا أمر معلوم لكل من عاشرهم ولو أياما قلائل. وفي بعض هذه الموارد وان كانت قواعد وأمارات أخر تقتضي صحتها، كقاعدة اليد، وسوق المسلمين ونحوهما، الا ان الناظر فيها بعين الانصاف يعلم علما قطعيا ان عملهم في هذه الموارد لا يكون مستندا الى هذه القواعد بل المدرك فيها جميعا هو قاعدة الصحة وان كانت مؤيدة في بعض مواردها بقواعد وأمارات أخرى، كما انه لا يحتمل استناد المجمعين في جميع هذه الموارد على اختلافها الى نصوص خاصة وردت فيها) الى ان قال (بل التحقيق انه لا ينحصر هذا الإجماع العملي بالمسلمين بما هم مسلمون بل مدار أمور العقلاء على اختلافهم في العقائد والمذاهب والآراء والعادات، في جميع الأزمنة والعصور عليه، كما يظهر بأدنى تأمل في معاملاتهم وسياساتهم وغيرها فما لم يثبت فساد عمل الغير لهم يحكمون بصحته ويطالبون مدعى الفساد في الأفعال التي صدرت عن غيرهم من الوكلاء والأوصياء والخدام وأرباب الحرف والصنائع وآحاد الناس الدليل على ما ادعاه، والا لا يتأملون في ترتيب آثار الصحة عليها). ثم تطرق الى ذكرمناشئ هذه السيرة بكلام مفصل ثم قال:

(استقرار سيرة العقلاء على هذا الأصل مما لا يكاد ينكر، من غير فرق بين أرباب الديانات وغيرهم؛ ومن غير فرق بين كون الفاعل مسلما أو غيره، وجميع ما ورد في الشرع في هذا الباب في الموارد الخاصة كلها إمضاء لهذا البناء العقلائي لا تأسيس لأصل جديد) (المرجع الالكتروني للمعلوماتية)

اقول: اذا تاملنا في امر العقلاء نعرف ان العقلاء لا يحملون عمل الغير على الصحيح، بل العقلاء دائما امامهم معادلة بين قوة الاحتمال و اهمية المحتمل، بمعنى اذا كان يهمهم الشيء الذي ارادوه فلا يكتفون بمجرد الاحتمال اما اذا كان امرا هيناً عندهم فلا يبحثون عن اليقين او الاحتمال القوي، مثلا انت تريد ان تشتري بطيخ الأحمر تسأل عن أبو الدكان عن البطيخ فهو يمدح ولا يحصل عندك الاطمئنان بل تحتمل انه يكذب لتسويق بضاعته مع ذلك تشتريه بخلاف ما اذا اردت ان تشتري سيارة لا تقتنع بقول صاحب السيارة الا اذا تيقنت انه انسان صادق فتعتمد على يقينك لا على مقال البائع والا تراجع الى مكانيك لتطمأن عن سلامتها او اذا اردت ان تشتي بيتا لا تقتنع بكلام البائع بل تراجع الى سجلات البيت حتى تتأكد عدم وجود أي مشكلة فيها وهكذا في جميع الامور وليس في ذهنهم اصالة الصحة بل يتسامحون في الامر الهينة و يدقّقون في الأمور الخطيرة.

اما بالنسبة الى الأمور الدينية هناك قواعد جعلها الله لعباده ليسهل لهم الأمور كأصالة الطهارة واصالة الحل وجواز قبول قول ذي اليد في الملكية والطهارة والنجاسة ولو لم تكن تلك التراخيص من الشرع لكان واجبا علينا ان نتيقن بطهارة ثيابنا وبدننا في الصلاة ولكن لم يرد من الله الطهارة الحقيقية بل اكتفي بعدم اليقين بالنجاسة وقس على هذا جميع موضوعات الشرعية التي ترتبت عليها احكاماً. وبعبارة أخرى لا يجوز التسامح في امر الدين وانما لشريعة هي السهلة السمحة.

فخلاصة القول نحن نقول ليس عندنا أصل يشمل جميع أفعال غيرنا يفيدنا حملها على الصحة.

نعم خصوص صلاة الجماعة يظهر مما ورد في التأكيد على اقامتها ولو في السفر حتى اذا كنتم اثنان فيئم احدكما الآخر حتى يظهر من مذاق الشارع ان الأصل في صلوات اليومية الجماعة الا لعذر كل ذلك يفيد جواز الاكتفاء بمجرد حسن الظاهر، خصوصا و ان في موارد افتراق الفتاوى فيما هو شرط لصحة الصلاة او مانع عن صحتها يفتون بأمر و يختارون لأعمالهم الأحوط فاحتمال بطلان صلاة الامام للإخلال بالأركان امر مستبعد جداً.

بقی امر قد یستدلون بها لاصالة الصحة عموم التعليل الوارد في موارد قاعدة اليد، واليك نص الحديث: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً عَنِ (الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ إِذَا رَأَيْتُ شَيْئاً فِي يَدَيْ رَجُلٍ- يَجُوزُ لِي أَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ قَالَ نَعَمْ- قَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ وَ لَا أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ- فَلَعَلَّهُ لِغَيْرِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- أَ فَيَحِلُّ الشِّرَاءُ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ- فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَلَعَلَّهُ لِغَيْرِهِ- فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ وَ يَصِيرَ مِلْكاً لَكَ- ثُمَّ تَقُولَ بَعْدَ الْمِلْكِ هُوَ لِي وَ تَحْلِفَ عَلَيْهِ- وَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْسُبَهُ إِلَى مَنْ صَارَ مِلْكُهُ مِنْ قِبَلِهِ إِلَيْكَ- ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَوْ لَمْ يَجُزْهَذَا- لَمْ يَقُمْ لِلْمُسْلِمِينَ سُوقٌ.[1] . وجه الاستدلال ان قوله عليه السلام: :لَوْ لَمْ يَجُزْهَذَا- لَمْ يَقُمْ لِلْمُسْلِمِينَ سُوقٌ: بمنزلة التعليل فمعناه ان كل ما يلزم من عدمه وترك العمل به اختلال السوق فهو لازم العمل به المحكوم بترتيب الأثر عليه.

وفيه: اولا ضعف سند الحدیث باکثر من سبب، ثانیا: عدم الاعتراف باصالة الصحة ليس موجبا للاختلال بالنظام او السوق فالموارد الخاصة التي تكفل بها ادلة في مواردها بعد الاخلال بالنظام و عدم الاخلال بالسوق فهذا التعليل قاصر عن شموله لجميع موارد اصالة الصحة و للبحث تتمة نتعرض لها غدا ان شاء الله.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص292، أبواب كيفية الدعوى، باب25، ح2، ط آل البيت.