الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حول جريان اصالة الصحة في صلاة الامام

تحدثنا في الايام الماضية حول الأدلة التي يستند اليها في اثبات اصالة الصحة لتصحيح قراءة الامام للماموم الذي لا يدري مواطن مخالفة الامام معه اجتهادا او تقليدا من الجانبين.

و قد ذكرنا من الكتاب ما استدلوا بها وناقشنا دلالتها عل المقصود ثم تطرقنا الى الاجماع وثبت عدم قيامه على اصالة الصحة وذكرنا عدة روايات التي ذكروها لقاعدة اصالة الصحة فلم تكن مثبتا للقاعدة باطلاقها بل كان المتحصل منها اما مسائل اخلاقية ما يطيب نفوس المؤمنين لبعضهم البعض كما في قوله عليه السلام: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك"، او وجوب قبول قسم المسلم. او وجوب الاجنناب عن تّهمة المسلم و المؤمن. او حجية قول المؤمن، او النهي عن إضمار السوء على الأخ المؤمن وعدم ظن السوء بكلمة تكلم بها أخوك. او النهي عدم تكذيب المؤمن. وعلى كل حال كلها تصب على حسن التعاشر فيما بين المسلمين و عدم اضمار السوء عليهم ولكنها ليست بصدد تصحيح عمل الآخرين حتى نؤسس عليها اصالة الصحة في عمل المسلمين. والروايات الواردة لم تكن فيها صحيحة او موثقة ولكن بالاجمال داعية الى حسن الظن و حسن التعاشر مع المسلمين و لكثرة الروايا حجة في مجمل ما يستفاد منها.

واليوم نريد ان نطل اطلالة على روايات تدل على عدم جواز الاعتماد على مؤمن الا اذا كان متصف بصفات خاصة تجعلها انسانا صالحا عادلا فيها صحاح وموثقات واليك بعضها:

. منها: موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال، قال: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت‌غيبته، و كملت مروته، و ظهر عدله، و وجبت اخوته» [1] مفهومه كون فاقد الكمالات المذكورة نفي تلك الحقوق المترتبة عليها.

و منها صحيحة ابن أبي يعفور، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ إلى أن قال: «و الدال على ذلك كله: أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين تفتيش وراء ذلك من عثراته و عيوبه، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علة»[2] .

مفهوم هذه الصحيحة المباركة عدم قبول قول الذي فاقد لهذه الصفات فليس الاصل صحة قوله او فعله.

ومنها رواية الثمالي عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، و الحديث طويل يذكر فيه تفاصيل الحقوق و فيها: «و حق الناصح: أن تليّن له جناحك، و تصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت اللّه تعالى، و إن لم يوافق رحمته‌ و لم تتهمه و علمت أنه أخطأ و لم تؤاخذه بذلك إلّا أن يكون مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشي‌ء من أمره على حال»[3] .

و الظاهر ان المراد من المستحق للتهمة هو من يكون المظنون في حقه ذلك، وقال ملا احمد النراقي رضوان الله عليه بعد ما ذكر هذا الحديث: (بل المستفاد من الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى: أنّ كل فاسق مستحق للتهمة)،[4]

ومنها مرسلة، عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه، قال: «قال لي أبي علي بن الحسين عليهما السلام: يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم، و لا تحادثهم، و لا ترافقهم في طريق» ثم إنه عليه السّلام عدّ الخمسة: الكذّاب، و الفاسق، و البخيل، و الأحمق، و قاطع الرحم. و لا شك أن النهي عن مصاحبة هؤلاء و محادثتهم و مرافقتهم ليس إلّا لكونهم مستحقين للتهمة. [5]

و منها مرسلة الكندي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن الفاجر، و الأحمق، و الكذّاب، فاما الماجن الفاجر، فيزين لك فعله، و يحب أنك مثله، و لا يعينك على أمر دينك و معادك، و مقاربته جفاء و قسوة، و مدخله و مخرجه عار عليك[6] .

ومنها: موثقة ميسر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينبغي للمسلم أن يؤاخي الفاجر، و لا الأحمق، و لا الكذّاب»[7] .

و منها: رواية عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينبغي للمرء المسلم أن يؤاخي الفاجر»[8] .

ومنها: رواية عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تثقنّ بأخيك كل الثقة، فإن سرعة الاسترسال لا تستقال»[9] .

ومنها: رواية محمد بن هارون الجلاب، قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: «إذا كان الجور أغلب من الحق لا يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى‌ يعرف ذلك منه»[10] .

وأظنّ ان الذي يفيدنا في الجمع بين الطائفتين من الروايات ما ورد عن امير المؤمنين واليك نصها: كليني روى عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَامَ رَجُلٌ بِالْبَصْرَةِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَنِ الْإِخْوَانِ فَقَالَ الْإِخْوَانُ صِنْفَانِ إِخْوَانُ الثِّقَةِ وَ إِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ فَأَمَّا إِخْوَانُ الثِّقَةِ فَهُمُ الْكَفُّ وَ الْجَنَاحُ وَ الْأَهْلُ وَ الْمَالُ فَإِذَا كُنْتَ مِنْ أَخِيكَ عَلَى حَدِّ الثِّقَةِ فَابْذُلْ لَهُ مَالَكَ وَ بَدَنَكَ- وَ صَافِ مَنْ صَافَاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ اكْتُمْ سِرَّهُ وَ عَيْبَهُ وَ أَظْهِرْ مِنْهُ الْحَسَنَ وَ اعْلَمْ أَيُّهَا السَّائِلُ أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَ أَمَّا إِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ فَإِنَّكَ تُصِيبُ لَذَّتَكَ مِنْهُمْ فَلَا تَقْطَعَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَ لَا تَطْلُبَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ ضَمِيرِهِمْ وَ ابْذُلْ لَهُمْ مَا بَذَلُوا لَكَ مِنْ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَ حَلَاوَةِ اللِّسَانِ.[11] .

هذا الحديث صحيحة فان ابا مريم الانصاري هو عبد الغفار بن القاسم وقد وثقه النجاشي وهذه الصحيحة داعية الى حسن التعاشر مع الجميع ولكن القبول والاقبال خاص بالخواص.

نكمل بحثنا غدا ان شاء الله.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج12، ص279، أبواب احكام العشرة في السفر والحضر، باب152، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج11، ص137، أبواب جهاد النفس، باب3، ح1\1، ط آل البيت.
[3] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج2، ص625.
[4] عوائد الايام، النراقي، المولى احمد، ص227.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج12، ص32، أبواب احكام العشرة، باب17، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج12، ص33، أبواب احكام العشرة، باب17، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص417، أبواب احكام العشرة، باب15، ح3، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص417، أبواب احكام العشرة، باب15، ح5، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص501، أبواب احكام العشرة، باب102، ح1، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج13، ص233، أبواب احكام الوديعة، باب9، ح2، ط آل البيت.
[11] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص248.