الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حول قاعدة اصالة الصحة

تحدثنا في الايام الماضية حول المراد من اصالة الصحة التي يستند اليها في تصحيح قراءة الامام للماموم الذي لا يدري مواطن مخالفة الامام معه اجتهادا او تقليدا من الجانبين.

واليوم كلامنا في ادلة التي اقاموها لهذا الاصل او يمكن ان تقام:

استندوا لاثبات هذه القاعدة بالكتاب و السنة والاجماع:

اما الكتاب فهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لاَ تَجَسَّسُوا وَ لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [1] .

وجه الاستدلال بالآية إن الله أمرنا بالاجتناب عن كثير من الظن، و أفادت أن بعض الظن إثم، و لازم ذلك: الاجتناب عن جميع الظنون، لان الاشتغال اليقيني يستدعي براءة يقينية، فهذه المسألة مصداق للعلم الاجمالي في الشبهة المحصورة فلا بد ان نجتنب عن كل ظن سوء الا اذا حصل عندنا اليقين على صدور سوء من المؤمن.

ويرد عليه: اولاً: انّ عدم إسائة الظن في عمل الآخرين لا يلازم مع حمل عملهم على الصحيح. ثانياً: لم يرد اطلاق في الآية حتى نستفيد منها قاعدة كلية بل بالعكس قال اجتنبوا كثيرا من الظن والكثير ليس بمعنى اكثر الظنون بل يكفي عدد يعتنى به، مثلا عند ما نقول كثير من اهل نجف مبتلى بالمرض الخبيث يكفي هذا التعبير اذا كان عدد المصابين بالسرطان الف شخص.

ثم قال ان بعض الظن اثم فنفى الاطلاق والموارد التي يكون الظن فيها اثما مقول بالتشكيك وفيها قدر المتيقن فالقاعدة ان نجتنب من المتيقن من الظنون و نجرى البراءة عما سواها ففي كل الموارد التي ثبت الاثم فيها بدليل نجتنب عنه وفي غيرها اصالة البراءة هي المحكمة. لا قاعدة الاشتغال.

و كذلك قوله تعالى: ﴿وَ إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَ ذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَ آتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾[2]

وجه الاستدلال: قد امر الله بني اسرائيل بقول الحسن للناس والمراد من القول هو الاعتقادالحسن اي اعتقدوا فيهم حسناً ومنها حمل اعمالهم واقوالهم على الحسن و هو الصحيح من القول والعمل، و ما ورد في الامم السابقة جاري في الاسلام مادام لم يرد دليل على نسخه.

ويرد عليه اولاً: ما الوجه للعدول من القول الى الاعتقاد؟ ما دام نجد معنى معقولاً للقول الحسن فلعل الله امر بحسن القول مع الناس في مقابل كلام القبيح والنابي والفحش، وهذا اصل اخلاقي من محاسن الاخلاق. ثانياً: على فرض حمل القول على الاعتقاد فمعناه ان نحسن الظن بهم وهو اعم من حمل عملهم على الصحيح، بل يكفي ان نحمل عملهم او قولهم بما لا اثم فيه من حسن نيتهم في فعلهم ومقالهم.

أما الإجماع: فقد قالوا: بأنا نرى العلماء كانوا متفقين في كل الأعصار و الأمصار على العمل بهذه القاعدة وهي مسلّمة و مشهورة بينهم، يبنون عليها كثيراً من الأحكام.

نقول: اما الإجماع: في موارد خاصة فثابت وهي اخص من الاصالة الصحة في عمل الغير او في عمل المسلمين مطلقا، بل اجمعوا في حجية اليد في كون ما في يد الغير ملك لصاحبها، اذا ادعى ولم يكن لادّعائه معارض، او حجية سوق المسلمين في حلية لحومها، او قبول قول المعتدة في انتهاء عدتها وغير ذلك من الامور التي وردت فيها نصوص خاصة ولكن هذه الادلة لاتدل على اصالة الصحة في عمل الغير مطلقاً كقاعدة كلية سارية في جميع الموارد.

نعم انما ادعى بعض الفقهاء بانه الاصل حمل جميع أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة و الصدق، و لكن قدماء الاصحاب لم يتعرضوا لهذه القاعدة و انما طائفة من المتأخرين طرحوا اصالة الصحة و حملوا في بعض المواضع على هذه القاعدة، بينما تلك الموارد ورد لها دليل خاص به، ما لم يثبت الأصل الكلي منه.

و مما يستشف منها عدم ثبوت الإجماع ما ترى في أكثر الموارد الخاصة، كباب الشهادات، و الروايات، و الأخبار و الأقوال من ذوي الأيدي، و ذوي الأعمال في الطهارات و النجاسات، و الدعاوي و المنازعات، و المطاعم و المشارب و غير ذلك، أنهم يختلفون في قبول الأقوال و تصحيح الأفعال، و يطلبون في الموارد الجزئية أدلة خاصة، و يتكلمون فيها، فإن لم يجدوا، يرجعون إلى الأصل، و لا يتمسكون بهذه القاعدة إلّا أقل القليل.

وثبوت الإجماع انما يتم بأحد الامرين: إما يكون بتصريح جماعة بهذه القاعدة الكلية بما يحصل من اتّفاقهم العلم بدخول المعصوم عليه السلام فيهم، أو بعمل جميع الفقهاء في جميع الموارد الخاصة باستناد هذه القاعدة بحيث يحصل العلم بالإجماع بسببه، ولم يتحقق الى الآن شيء منهما.

نعم قد يوجد في كلام بعض المتأخرين ما يستفاد منه كون هذه القاعدة مسلّمة متلقاة بالقبول و اكتفاء البعض في الاستناد اليها ليس دليل على انها من المسلمات عند الجميع حتى نعتبره اجماعا منهم. وعلى فرض ثبوت الاجماع اولاً: هو اجماع منقول وثانياً: بما ان هناك ادلة و روايات تستند اليها لاثبات القاعدة فالاجماع تصبح مدركياً ليس بحجة وانما علينا ان نراجع الى تلك المدارك.

و أما الأخبار: فكثيرة جدا وهي ولو كانت ضعيف السند ولكن كثرتها مضمونا تكشف عن سيرة الشرع بحسن الظن بالآخرين ونحن نعبر عليها عبورا كراا من دون البحث عن السند و كيفية الدلالة لكل واحد منها واليك تلك النصوص:

.منها: المرسلة عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يأتيك ما يغلبك منه، و لا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا»[3] .

و منها: رواية معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال، قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال: «له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلّا و هو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن لله فيه من نصيب» إلى أن قال: «السابع: أن يبرّ قسمه، و يجيب دعوته، و يعود مريضه، و يشهد جنازته»[4] .

و منها: رواية اليماني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «حق المسلم على المسلم أن لا يشبع و يجوع» إلى أن قال: «فإذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»[5] .

و منها: رواية أبي المأمون الحارثي، قال، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حق المؤمن على المؤمن؟ قال: «من حق المؤمن على المؤمن المودة له» إلى أن قال: «و أن لا يكذبه» إلى أن قال: «و إذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»[6] .

و منها: رواية أخرى لليماني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء»[7] .

و منها: المرسلة عن عمر بن يزيد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما، و من عامل أخاه بمثل ما عامل به الناس فهو بري‌ء مما ينتحل»[8] .

و منها: رواية أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول، إلى أن قال: و ليقبل اللّه تعالى من مؤمن عملا و هو مضمر على أخيه المؤمن سوءا»[9] .

و منها: ما ورد من قولهم عليهم السلام: «المؤمن وحده حجة»[10]

وهناك الأخبار كثيرة تدل على هذه المعاني وما ذكرناه من الاخبار فيها كفاية فلا نطيل هنا بذكر اكثر منها.

ثم هناك روايات تخالفها لابد من الجمع بينهما نتابعها في الايام القادمة ان شاء الله

 


[1] السورة الحجرات، الأية 12.
[2] السورة البقرة، الأية 83.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص614، أبواب احكام العشرة، باب161، ح3، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص544، أبواب احكام العشرة، باب122، ح7، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص545، أبواب احكام العشرة، باب122، ح8، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص545، أبواب احكام العشرة، باب122، ح10، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص613، أبواب احكام العشرة، باب161، ح1، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص614، أبواب احكام العشرة، باب161، ح2، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص611، أبواب احكام العشرة، باب159، ح2، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص380، أبواب صلاة الجماعة، باب4، ح5، ط آل البيت.