الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /اصالةالصحة

قد تحدثنا في الأيام الماضي في تحديد الموضوع من اصالة الصحة بان:

(أصالة الصحة في عمل الغير هي الحكم بصحة العمل الصادر عن الغير وترتيب آثارها عليه عند الشك في صحته وفساده)

المطلب الآخر: ما هي النسبة بين اصالة الصحة وقاعدة الفراغ هل هما تعبيران عن قاعدة واحدة او قاعدة الفراغ مصداق لأصالة الصحة او هما قاعدتان مستقلتان؟

قد يقال: بأنه لا يوجد فرق بين أصالة الصحة و قاعدة الفراغ؛ إذ في كلٍّ منهما نحمل فعل الصادر عن المكلّف على الصحة، فلا حاجة للبحث عن أصالة الصحة بعد أن بحثنا عن قاعدة الفراغ في مبحث الصلاة؟ . وهذا ما ذهب إليه المحقّق الهمداني حيث قال:

(إنّ عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ من الوضوء إنما هو لكونه من جزئيات هذه القاعدة، وهذه القاعدة بنفسها من القواعد الكليّة المسلّمة المعمول بها في جميع أبواب الفقه، وهذه هي القاعدة التي يعبر عنها بأصالة الصحة)،[1] .

فقد جعل قاعدة الفراغ مساوقاً لاصالة الصحة، اذ لا فرق بينهما.

إلا أنه بعض الأخرين ذكروا عدّة فروقات بينهما:

منها: أنّ قاعدة أصالة الصحة تجري عند الشك في صحة عمل الغير، بينما قاعدة الفراغ تجري عند الشك في صحة عمل المكلّف نفسه على ما هو المستفاد من أدلتها.

مثلاً: لو شك المكلف في صحة صلاته بعد الفراغ منها، فهنا تجري قاعدة الفراغ دون أصالة الصحة، ولكن لو شك المكلّف في صحة صلاة الميت التي صلاها فلان من الناس، فهنا تجري أصالة الصحة دون قاعدة الفراغ.

ملاحظة: انما هذا الفرق فارقٌ لمن يخصص قاعدة الفراغ بمن شك في عمل نفسه ولكن هناك من الفقهاء من يقول بشمول قاعدة الفراغ لعمل الغير ايضاً. فهو لا يعترف بهذا الفرق.

ومن الفوارق: أنّ قاعدة الفراغ إنما تجري في حال الشك في صحة العمل بعد الفراغ عنه، ولا تجري عند الشك في الأثناء، بينما أصالة الصحة في عمل الغير تجري حتى لو كان الشك في الصحة في أثناء العمل، بل تجري حتى إذا لم يأت بالعمل بعدُ، كما إذا كان يهيّئ نفسه للصلاة على الميّت أو كان في أثناء صلاة الميّت. فباصالة الصحة يسقط واجب صلاة الميت عن الآخرين. بينما لو شك المكلّف أثناء صلاته في صحة شرط من الشروط، كما لو شك في أنه توضأ أو لا؟ فهنا لا يمكنه أنه يجري قاعدة الفراغ؛ لأنه ما زال في أثناء العمل ولم يفرغ منه.

وهذا ما ذهب إليه أكثر الأعلام، حيث ذهبوا إلى جريان أصالة الصحة أثناء العمل؛ لما سيأتي من دليل السيرة الشامل لهذه الصورة، بل ذهب بعض الأعلام كالسيد محمد سعيد الحكيم رضوان الله عليه إلى جريانها حتى قبل العمل، حيث قال: (بل لا يبعد جواز البناء على صحة عمل العامل قبل تحقّقه، فيجوز استنابته ونحوها، ولا يعتنى باحتمال بطلان عمله؛ لمناسبته للسيرة الارتكازية، بل لسيرة المتشرعة، حيث يرون أنّ الاهتمام بالفحص عن معرفة النائب لشروط العمل احتياط محض لا ملزم به) [2]

اقول:هذا الكلام انما يصح اذا كان واجبا كفائياً فقام به احد المؤمنين فيسقط عن الآخرين مبنياً على اصالة الصحة ولكن اذا كان الواجب متوجها الى شخص معين بوضع الشارع عليه كالولد الاكبر بالنسبة الى صلوات الفائتة عن ابيه او وجب عليه بالاستيجار مباشرة او استنابة فلا يجوز ان يستنيب احدا الا اذا احرز صحة قراءته وامانته في الأداء، واصالة الصحة لا تغنيه عن الفحص عن حال النائب.

بينما السيد البجنوردي يرى أنّ قاعدة الصحة لا تجري إلا بعد وجود العمل والفراغ عنه، حيث قال: (لا يجري هذا الأصل إلّا بعد وجود الشيء، ‌فحينئذ إذا شكّ في أنّ ما أتي به هل صحيح، أي تامّ من حيث الأجزاء والشرائط وعدم الموانع ويترتّب عليه الأثر المقصود منه، أم لا؟ فبمقتضى هذا الأصل يحكم عليه بالصحّة، ويترتّب عليه الأثر المقصود منه. وأمّا قبل وجوده فلا معنى لأن يقال: إنّ ما يريد أن يأتي به صحيح وتامّ ويترتّب عليه الأثر…) إلى أن قال: (فالحقّ أنّ موطن جريان أصالة الصحّة هو بعد وجود العمل والفراغ عنه) [3] .

الفارق الثالث: الذي ذكره بعض الاعلام منهم السيد الخوئي رضوان الله عليه هو فارق من حيث الملاك، فملاك قاعدة الفراغ هو التوجّه والالتفات، فهي مأخوذ فيها الأذكرية كما ورد في الروايات، وهذا الملاك غير متوفّر في أصالة الصحة.

قال السيد الخوئي: (في أن مورد بعض النصوص الواردة في قاعدة الفراغ- و إن كان هو الطهارات و الصلاة- إلا انه نتعدى عنها، لأمرين: (الأول)- العموم الواردة في موثقة ابن بكير من قوله عليه السلام: «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو». (الثاني)- عموم التعليل في بعض الأخبار كقوله عليه السلام: «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك» و كقوله عليه السلام: «و كان حين انصرَفَ أقرب إلى الحق منه بعد ذلك» فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الطواف و غيره، بل لا مانع من جريانها في العقود و الإيقاعات، بل في المعاملات بالمعنى الأعم الشامل للعقود و الإيقاعات و غيرهما كالتطهير من الخبث. فتجري قاعدة الفراغ في الجميع بمقتضى عموم الدليل على ما ذكرنا).[4]

واليك نص موثقة بن بكير: وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللُّؤْلُؤِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ كُلُّ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ وَ طَهُورِكَ فَذَكَرْتَهُ تَذَكُّراً فَأَمْضِهِ- وَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ فِيهِ.[5]

عبد الله بن بكير بن اعين كان فطحياً وثقه الشيخ و عده الكشي من اجلة الفقهاء العلماء فالسند موثق. اما الدلالة فقوله عليه السلام فذكرته كناية عن الشك فيه بقرينة لا اعادة عليك.

وَ اما نص الحديث الثاني الذي اشار اليه السيد الخوئي:

بِإِسْنَادِهِ –الشيخ-عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ- قَالَ هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُّ. [6] في سنده ابان بن عثمان لم يرد له توثيق صريح واما الدلالة فعلى تقدير هو حين يتذكر الخ بمنزلة العلة واشارة الى عدم الاعتناء بالشك

والرواية الثالثة هي ما رواه في الفقيه: وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَكَّ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَمْ يَدْرِ أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَ كَانَ يَقِينُهُ حِينَ انْصَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ، لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَ كَانَ حِينَ انْصَرَفَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ [7]

ونتابع البحث غدا ان شاء الله

 


[1] مصباح الفقيه، الهمداني، آقا رضا، ج1، ص206.
[2] المحكم في أصول الفقه - ط مؤسسة المنار، الحكيم، السيد محمد سعيد، ج5، ص465.
[3] القواعد الفقهية، الموسوي البجنوردى، السيد حسن، ج1، ص285.
[4] مصباح الأصول( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج3، ص268.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص471، أبواب الوضوء، باب42، ح6، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص471، أبواب الوضوء، باب42، ح7، ط آل البيت.
[7] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج1، ص352.