الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /اجراء اصالة الصحة من الماموم لتصحيح صلاة الامام

كان بحثنا في ما اذا كان الماموم لا يعرف حال الامام في افعاله من انها هل توافق رأي الماموم اجتهادا او تقليدا او لا؟ هل يجوز له ان يقتدي به؟ قد تمسكوا باصالة الصحة لتصحيح عمل الامام للماموم وقد اردنا ان ننقح الموضوع في اصالة الصحة بتحديد المراد من اصالة الصحة فذكرنا موردين من موارد استعمال اصالة الصحة و هي:

اولاً: حمل عمل الغير على الفعل الحسن المباح، بمعنى حسن الظن بعمل الآخرين، في مقابل الحمل على القبيح المحرّم ولكن من دون لحاظ الأثر الجوارحي المترتّب عليه، بل المراد ترتيب الأثر الجوانحي القلبي فقط. كما رأينا شخص ياكل في نهار رمضان فنحمل عمله على عذر لا على الافطار المحرم، وهذا المعنى لاصالة الصححة ليس موضوع بحثناً بل هو اصل اخلاقي تجاه الآخرين.

والمورد الآخر: حمل قول الغير على الصدق و على ما هو صحيحٌ وهو قول موسى بن جعفر عليهما السلام لمحمد بن فضيل: يا محمد كذِّبْ سمعَكَ وبصرَكَ عن أخيك وإن شهد عندك خمسون قَسامَةً وقال لك قولاً فصدّقْهُ وكذّبهم ولا تُذيعَنَّ عليه شيئاً تشينُه به وتهدم به مروءتَه الحديث [1]

وهذا المعنى ايضا اخلاقي ليس موضوع بحثنا ولا يترتب عليه ثمرة عملية .

والمورد الثالث: اطلاق أصالة الصحة، ويراد منها أصالة السلامة في الأشياء والأعيان التي تقع مورداً للمعاوضة كالبيع والإجارة. ويُبحث هذا البحث في مبحث خيار العيب. مثلاً: لو وقع البيع على سلعة معيّنة، فالاصل فيه انه وقع البيع على السلعة سليمة فان ظهر فيها عيب فللمشتري ان يفسخ المعاملة و لا يقبل كلام البائع بان البيع وقع على هذا الشيء الموجود؟.

وقد استدلوا على اصالة السلامة بوجوه:

منها: أنه أصل تكويني، فالأصل في الخلقة والتكوين أن يقع الشيء ذا خلقة صحيحة وسليمة.

وثانيها: أنه عبارة عن أمارة عقلائية ناشئة من أنّ الغالب في الأشياء المخلوقة والمصنوعة أن تكون سليمة من العيب والفساد، فهذه الغلبة هي منشأ بناء العقلاء على أصالة السلامة. وهذا الوجه عبارة اخرى عن الوجه الاول.

قال في كشف الغطاء: (وتفصيل الحال: أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات أو نباتات أو حيوانات، أو عبادات أو عقود وإيقاعات، أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن تكون على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التمام في الذات، وعدم النقص في الصفات، وعلى طور ما وضعت له مبانيها، وعلى وجه يترتّب عليه آثارها فيها على معانيها من صدق الأقوال وترتّب الآثار على الأفعال) [2] .

وثالثها: أن اصالة السلامة عبارة عن الاستصحاب الأزلي، فالأصل هو عدم طروء العيب على الأشياء، وبالاستصحاب يتنقّح موضوع الصحة.

ورابعها: أنه عبارة عن الشرط الارتكازي، فهناك شرط ارتكازي عند العقلاء وهو اشتراط وصف الصحة في أيّة معاملة، ومرجعه إلى التزام البائع مثلاً بأن يبيع السلعة صحيحة، فهو بمثابة ما لو قال البائع: (أبيعك سلعةً صحيحة)، فإنّ إخبار البائع بالصحة دافعٌ للغرر؛ باعتبار أنّ إخبار البائع عن وصف الصحة أمارة عقلائية. ولعل هذا الوجه امتن وجه لاصالة السلامة

كذلك هذا المعنى ليس من أصالة الصحة المراد في محلّ الكلام.

المورد الرابع: قد تطلق أصالة الصحة ويراد منها ما يقابل الفاسد، فهي بمعنى ترتيب الآثار الخارجية العملية للعمل الصحيح على عمل الغير، بمعنى أن يكون الفعل الصادر من الغير موضوعاً لأثر عملي جوارحي بالنسبة للآخرين، سواء كان هذا الأثرأثراً شرعياً، كحمل طلاق الغير على الصحيح فيترتب عليه جواز نكاح المطلقة بعد انهاء عدتها، فهو اثر شرعي لاجراء هذا الاصل، او كان أثراً عقلياً، كقيام الغير بصلاة الجنازة الذي هو موضوع لأثر عقلي لنا وهو سقوط التكليف عنا بالصلاة على الميت. وسواء كان هذا العمل عملاً اعتبارياً، كالعقد والإيقاع، او خارجياً، كما لو قام الغير بتطهير متننجس وشككنا في صحة تطهيره وعدمها. ففي كلّ هذه الموارد يكون فعل الغير موضوعاً لأثر عملي بالنسبة للآخرين.

وهذا هو محلّ الكلام والبحث عن قاعدة أصالة الصحة في عمل الغير والتي سوف نبحث عن أدلّتها.

وقد عرّف الشيخ المرحوم آية الله المشكيني اصالة الصحة بقوله: (أصالة الصحة في عمل الغير هي الحكم بصحة العمل الصادر عن الغير وترتيب آثارها عليه عند الشك في صحته وفساده، فللقاعدة موضوع ومحمول، موضوعها العمل الصادر عن الغير المشكوك في صحته وفساده، ومحمولها الحكم بصحته وترتيب آثارها عليه، عبادة كان المشكوك أو معاملة، عقدا كان أو ايقاعا، وهذه نظير قاعدة الفراغ الا ان مجريها عمل الغير ومجرى تلك القاعدة عمل نفس الشاك. فإذا رأينا أحدا غسل ميتا أو صلى عليه فشككنا في صحة عمله جاز ترتيب آثار الصحة والحكم بسقوط الواجب عن ذمتنا، وإذا رأينا عادلا يصلى الفريضة جاز اجراء أصالة الصحة في صلاته والاقتداء به. وإذا وقع من أحد بيع أو شراء أو ذبح حيوان أو غسل ثوب أو نكاح امرأة أو طلاقها أو اتيان عمل استيجاري، حكمنا بالصحة في الكل ورتبنا عليها آثارها). [3]

الى هنا شخصنا اصالة الصحة المرادة في بحثنا الذي يتعلق بعمل الغير اي تصحيح الماموم لصلاة الامام

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج12، ص295، أبواب احكام العشرة، باب157، ح4، ط آل البيت.
[2] كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء - ط الحديثة، كاشف الغطاء، الشيخ جعفر، ج1، ص202.
[3] اصطلاحات الأصول، المشكيني، الشيخ علي، ص53.