الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /توجيه الماموم للامام في اخطائه

 

(مسألة 35): إذا نسي الإمام شيئاً من واجبات الصلاة و لم يعلم به‌ حتّى لو كان المنسيّ ركناً إذا لم يشاركه في نسيان، ما تبطل به الصلاة، و أمّا إذا علم به المأموم نبّهه عليه ليتدارك إن بقي محلّه، و إن لم يمكن أو لم يتنبّه أو ترك تنبيهه حيث إنّه غير واجب عليه وجب عليه نيّة الانفراد إن كان المنسيّ ركناً أو قراءة في مورد تحمّل الإمام مع بقاء محلّها بأن كان قبل الركوع، وإن لم يكن ركناً ولا قراءة، أو كانت قراءة و كان التفات المأموم بعد فوت محلّ تداركها كما بعد الدخول في الركوع فالأقوى جواز بقائه على الائتمام، و إن كان الأحوط الانفراد أو الإعادة ‌بعد الإتمام)

كان كلامنا فيما اذا نسي الامام شيئا من واجبات الصلاة وعلم به الماموم هل يجب عيه تنبيه الامام بخطأه اولا؟ قال المصنف بعدم الوجوب و تابعه السيد الخوئي في هذا الرأي واستدل على عدم الوجوب بقوله: (لا موجب لإعلامه ليستلزم انقلاب الموضوع و صيرورته معرضاً لتكليف جديد. و كذا الحال لو كان المنسي ركناً و إن كان المحلّ باقياً، إذ غايته بطلان الجماعة التي هي ليست بواجبة، فيتمّ المأموم صلاته فرادى و يدع الإمام و شأنه، فان التفت و تدارك فهو، و إلّا فصلاة الإمام ليست في عهدة المأموم ليجب عليه التنبيه) [1]

اقول: ان دلالة المؤمنين فيما بينهم الى ما فيه مصلحتهم امر يراه العقلاء حقا لكل على الآخر ودرجة لزوم هذا الحق تعود الى درجة اهمية هذه المصلحة ويمكن ان نقول درجة اهمية مسؤولية المؤمن تجاه اخيه تنشئ من المعادلة بين اهمية الموضوع و مقدار كلفته على الناصح للايعاذ والتذكير، مثلاً اذا يمشي شخص اعمى او الغافل باتجاه بئر و رأه شخص آخر ولم ينبّهه حتى وقع في البئر فالعقلاء يرونه آثما ويعاتبونه على عدم تنبيهه عتاباً شديداً، اما اذا هو غافل و يمشي باتجاه وَحَل كثير مما يؤذيه، فلم ينبهه الآخر فيلام على عدم التنبيهه لاخيه، ولكن امره اسهل من البئر، واذا ترى اخيك يريد ان يجلس على مكان وفيه بول او عذرة ولم تنبهه حتى تنجس ثيابه و توسخ فهو يراك جافيا في حقه، كما اذا هناك مال يوذّع و انت تدري ان اخيك محتاج ومشتاق الى ذاك المال فلم تخبره حتى ذهبت فرصة الإستلام فله حق عليك ان يعاتبك بما بخلت عنه من اعلام بسيط، وعند ما نراجع لسان الروايات الكثيرة في حق المؤمن على المؤمن نرى امورا دقيقة ومؤكدة فيها حتى ورد في شأن لزوم الإهتمام بامور المسلمين: "من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس منهم" و ما ورد في حق المؤمن على المؤمن من حقوق كثير مؤكدة عليها:

ما عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ لَهُ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ مَا مِنْهُنَّ حَقٌّ إِلَّا وَ هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ إِنْ ضَيَّعَ مِنْهَا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ وَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ نَصِيبٍ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا هِيَ قَالَ يَا مُعَلَّى إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ أَخَافُ أَنْ تُضَيِّعَ وَ لَا تَحْفَظَ وَ تَعْلَمَ وَ لَا تَعْمَلَ قَالَ قُلْتُ لَهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ. قَالَ: أَيْسَرُ حَقٍّ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ تَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَ الْحَقُّ الثَّانِي أَنْ تَجْتَنِبَ سَخَطَهُ وَ تَتَّبِعَ مَرْضَاتَهُ وَ تُطِيعَ أَمْرَهُ وَ الْحَقُّ الثَّالِثُ أَنْ تُعِينَهُ بِنَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ لِسَانِكَ وَ يَدِكَ وَ رِجْلِكَ وَ الْحَقُّ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ عَيْنَهُ وَ دَلِيلَهُ وَ مِرْآتَهُ" الى آخر الحديث) [2]

وكذلك ما رواه عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْمَأْمُونِ الْحَارِثِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ قَالَ إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمَوَدَّةَ لَهُ فِي صَدْرِهِ وَ الْمُوَاسَاةَ لَهُ فِي مَالِهِ وَ الْخَلَفَ لَهُ فِي أَهْلِهِ وَ النُّصْرَةَ لَهُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَ إِنْ كَانَ نَافِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَ كَانَ غَائِباً أَخَذَ لَهُ بِنَصِيبِهِ وَ إِذَا مَاتَ الزِّيَارَةَ إِلَى قَبْرِهِ وَ أَنْ لَا يَظْلِمَهُ وَ أَنْ لَا يَغُشَّهُ وَ أَنْ لَا يَخُونَهُ وَ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ وَ أَنْ لَا يَقُولَ لَهُ أُفٍّ وَ إِذَا قَالَ لَهُ أُفٍّ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَلَايَةٌ وَ إِذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ عَدُوِّي فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا وَ إِذَا اتَّهَمَهُ انْمَاثَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ.[3]

وفيما نحن فيه: لاشك ان الصلاة الجامعة لجميع الاجزاء، سواء كان ركنا او غير ركن، افضل من صلاة فاقدة للاجزاء، ولو لم تبطل لجهل المصلي وعدم التفاته، ولكنه محروم عن الفضائل الكثيرة للعمل او الذكرالمنسي، فايعاز الامام بما يوفقه للجبران امر مرغوب اليه و للامام حق على المأمومين وبما ان الايعاذ لا يكلف المأموم شيئاً لعله يعتبر حقاً اخلاقياً للامام على المأموم و تركه جفاء عليه، مضافا الى روايات وردت في خصوص الموضوع و منها:

ما رواية جابر واليك نصها:والیك نصها: محمد بن يعقوب َ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: لِيَكُنِ الَّذِينَ يَلُونَ الْإِمَامَ مِنْكُمْ- أُولُو الْأَحْلَامِ مِنْكُمْ وَ النُّهَى- فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ أَوْ تَعَايَا قَوَّمُوهُ الْحَدِيثَ.مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ [4]

أمّا السند فهو ضعيف بمفضّل بن صالح المكنى بأبي جميلة‌ الراوي عن جابر، فان ابن الغضائري و كذا النجاشي: قالا: في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: (إنّ جابر الجعفي ثقة في نفسه، و لكن روى عنه جماعة غمز فيهم و ضعّفوا) ثم عدّ منهم المفضل بن صالح،

اما الدلالة فامرُ الامام عليه السلام ان يقف وراء الامام اولوا الاحلام و هو جمع حِلْم وهو الأناة، كناية عن التثبت والدقة، والنُهى قال في الصحاح: (النُّهْيَةُ بالضم: واحدة النُّهَى، و هى العُقول، لأنّها تَنْهَى عن القبيح). وقال في العين: (المُعَاياة: أن تأتي بكلام، لا يهتدى له، عَيِيتُ بهذا الأمر و عنه، إذا لم أهتد لوجهه)، فالأمر بوقف اولى الاحلام والنهى ليقوِّموا الإمام اذا لم يهتدي بما هو صحيح. والسبب في ذلك هو النسيان للصحيح. فدلالته على وجوب التذكير بالصحيح ظاهر.وصحيح محمد بن مسلم: واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ فَيَغْلَطُ- قَالَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ»[5]

و موثّق سماعة: وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ إِذَا أَخْطَأَ فِي الْقُرْآنِ- فَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ- قَالَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ.[6]

ان السيد الخوئي بعد ما ذكر ضعف سند رواية جابر والظاهر انه تسلم لدلالتها على وجوب تنبيه الامام من قبل الماموم، قال: (أمّا الصحيح و الموثّق فهما أجنبيان عن محلّ الكلام، إذ موردهما غلط الإمام و خطؤه في القراءة، فهو يجهل أو يغلط و لا يدري ما يقول، دون النسيان المبحوث عنه في المقام. مضافاً إلى المناقشة الأخيرة التي ذكرناها في رواية جابر، فإنّها جارية هنا أيضاً كما لا يخفى. فالأقوى ما ذكره الماتن (قدس سره) من عدم وجوب التنبيه، بل هو المتسالم عليه بينهم).[7]

ثم قال: (ثانياً: أنّها محمولة على الاستحباب، إذ لا يحتمل الوجوب بعد أن لم تكن الجماعة واجبة و كان العدول إلى الانفراد سائغاً للمأموم حتّى اختياراً كما مرّ . فالأمر بالتقويم محمول على الاستحباب قطعاً).[8]

ويرد عليه اولاً: غلط الامام الجماعة هو ناشئ عن نسيانه والا لا معنى لتعمد الغلط هذا في صحيحة محمد بن مسلم واما في موثقة سكوني اخطأ في القرآن كذلك ناشئ عن نسيانه للصحيح فيفتح علي بعض من خلفه اي على الصحيح اي يذكره بها.

ثانياً: لزوم الحمل على الاستحباب منحصر على من يجوز ابطال الجماعة من دون عذر والعدول الى الانفراد وقد سبق منا بعدم جواز الخروج من الجماعة تهاونا فيها وبلا عذر كما ان الخروج من الفيضة لا يجوز تهاونا وعن غير عذر.

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص327.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص169.ح2.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص177.ح7.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص305، أبواب صلاة الجماعة، باب7، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص305، أبواب صلاة الجماعة، باب7، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص306، أبواب صلاة الجماعة، باب7، ح3، ط آل البيت.
[7] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص328.
[8] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص128.