الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم الصلاة عند اختلاف الامام والمأموم في الرأي

كان بحثنا فيما ورد في المسألة 31 التي موضوعها كان اختلاف الرأي بين الامام والمأموم وقد انتهينا من البحث في اربع مقاطع منها وفي الرابعة قال: (و أمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له‌ فمشكل لأنّ الضامن حينئذٍ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه، مثلًا إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة و المفروض أنّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به، و كذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك). وقلنا انه كلام متين

ثم حاول المصنف تصحيح المسألة بأحد الوجهين في المقطع الخامس بقوله: (نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه، كأن قرأ السورة في الفرض الأوّل، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً، بل يحتمل أن يقال إنّ القراءة في عهدة الإمام، و يكفي خروجه عنها باعتقاده لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء)

اولاً: اقترح حلّ المسألة بجبر المأموم للنقص بقراءة السورة اذا تركها الامام او قراءة موضع الغلط صحيحاً.

ثانياً: تحميل مسؤولية القراءة الى الامام و سقوطه عن المأموم والحال ان الامام قد اتى بواجبه على رأيه، ثم يظهر عدم رضاه بهذين التبريرين فامر بترك الاقتداء احتياطاً.

لابد لنا نتأمل في اشكال هذين التبريرين حيث هو عدل عنهما وقال: لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء) لقد رفض التبرير الاول: السيد الگلپايگاني في تعليقته على العروة بقوله: (لا ينفع تدارك المأموم مع بطلان صلاة الإمام عنده).

وكذلك الشيخ النائيني حيث قال: (الظاهر أنّه لا أثر لتدارك المأموم لها في صحّة الجماعة مع أنّه يرى بطلان صلاة الإمام بتركه لها).

اقول: المفروض ان صلاة الامام ليست باطلة الا على رأي النائيني في حديث لا تعاد حيث خصصه بالنسيان و لكن على الرأي المشهور من شموله لكل معذور ومنها الجهل بالحكم اذا لم يكن عن تقصير، فصلاة الامام ليس باطلاً، لانه ما أخلّ بركن. وترك السورة او الادغام كان تماشيا لفتواه او فتوى مقلَده فهو كان معذورا.

وقال السيد الخوئي في رفض هذين الوجهين:

(أقول: أمّا أوّل الاحتمالين فهو و إن كان ممكناً ثبوتاً، و لا مانع عنه في حدّ نفسه، إلّا أنّه لا دليل عليه في مرحلة الإثبات، فإنّ مشروعيّة القراءة التلفيقية التي هي على خلاف الأصل تحتاج إلى دليل مفقود. و ظاهر قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لزوم الإتيان بتمام القراءة إمّا بنفسه أو بمن يقوم مقامه، و هو الإمام بمقتضى أدلّة الضمان، و أمّا المركّب منهما فهو مخالف لظاهر الأمر، و مناف لمقتضى الأصل كما عرفت.

و أمّا ثاني الاحتمالين الذي ذكره أخيراً فهو أيضاً ساقط، إذ المستفاد من أدلّة الضمان على اختلاف ألسنتها من أنّه يكِلها إلى الإمام، أو يجزيك قراءته، أو أنّه ضامن، و نحو ذلك، أنّ الساقط إنّما هو قيد المباشرة لا أصل القراءة، فهي باقية على وجوبها ما لم يؤدّها بنفسها أو ببدلها الصحيح، و المفروض انتفاء كلا الأمرين. فهذان الاحتمالان ساقطان لضعفهما جدّاً.فيبقى الإشكال الذي ذكره أوّلًا، و هو في محلّه).[1]

اقول: ان كلامه رضوان الله عليه مبتني على كون الامام نائبا عن الماموم حتى يعتبر عمل الامام اداء عن الماموم و مايستفاد من لسان الادله ليس هذا بل لسان الادلة يفيد سقوط القراءة عن المأموم وثبوته على الامام هو المستفاد من لسان الروايات حيت نهي عن القراءة بقوله "لا تقرء" في اكثر من حديث وفيها ايضا نفي القراءة بقوله: "لا قراءة على الماموم" و في حديث "يجزيك قراءته" ويستفاد من كل ذلك ان القراءة ساقطة عن الماموم والامام يأتى بقراءة مجزية في حقه لحديث لا تعاد، ومما يشهد بذلك عدم توقف صحة الجماعة على نية الامام، حتى لو لم يعرف الامام اقتدي به ماموم فصلاته وصلاة من ائتم به صحيحة، وهذا التعبير منه رضوان الله عليه فقوله: (ما لم يؤدّها بنفسه أو ببدله الصحيح) كلام غير دقيق ففعل الامام ليس فعل الماموم وحقيقة الامر ان ادلة سقوط القراءة عن المأموم تخصص حديث: "لا صلاة الا بفاتحة الكتاب" وتخرج المأموم في ركعتي الاوليين من الفريضة و تسقط القراءة عن المأمومين و يجزئهم قراءة الامام والمفروض ان قرائته صحيحة مجزية حتى في نظر المأموم اذا كان رأيه او رأي مقلَّده شمول حديث لا تعاد للجاهل غير المقصر.

فالاقرب صحة اقتداء المأموم به، و ما ورد من ان الامام يضمن القراءة عن الماموم من صياغها يستفاد انها بصدد بيان عدم سقوط سائر الاقوال عن المأموم غير القراءة.

وقد وافق القول بصحة صلاة المأموم في مفروض المسألة السيد عبد الهادي الشيرازي حيث قال في تعليقته: (هذا الاحتمال قوي). اي احتمال سقوط القراءة عن المأموم وصحة جماعته قوي كما ان المرحوم السيد محسن الحكيم قواه و الشيخ الجواهري ايضا قال: (جواز الاقتداء في الفرض لا يخلو عن قوّة). وبعض الفقهاء الآخرين كالامام الخميني وغيره رحمة الله عليهم حيث قيدوا بطلان جماعة المأموم باتيان الامام ما يبطل صلاته على رأي المأموم وهو انما يكون في موارد أخل بركن من الاركان على رأي الماموم، كبطلان وضوء الامام او اختلاف قبلته باكثر من تسعين درجه او تقديم الصلاة قبل الوقت على راي الماموم او امر يعود الى بطلان ركوعه في راي المأموم او بطلان سجدتيه وقد ذكرنا في مباحثنا السابقة مصاديق لاختلاف الراي مما يؤدي الى الخلل بالاركان فتأمل جيداً.

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص308.