الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم اقتداء عند اختلاف الامام والماموم

 

كان بحثنا في يوم الماضي في مسألة 31 حيث قال المصنف: (يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنّيّة المتعلّقة بالصلاة، إذا لم يستعملا محلّ الخلاف و اتّحدا في العمل، مثلًا إذا كان رأي أحدهما اجتهاداً أو تقليداً وجوب السورة، و رأي الآخر عدم وجوبها يجوز اقتداء الأوّل بالثاني إذا قرأها، و إن لم يوجبها و كذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرّات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها، لكن يأتي بها بعنوان الندب.

بل و كذا يجوز مع المخالفة في العمل، أيضاً في ما عدا ما يتعلّق بالقراءة في الركعتين الأُوليين التي يتحمّلها الإمام عن المأموم، فيعمل كلّ على وفق رأيه.

نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شي‌ء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً‌ له لأنّ المأموم حينئذٍ عالم ببطلان صلاة الإمام، فلا يجوز له الاقتداء به، بخلاف المسائل الظنّيّة حيث إنّ معتقد كلّ منهما حكم شرعي ظاهريّ في حقّه ، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعيّاً.

و أمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له‌ فمشكل لأنّ الضامن حينئذٍ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه، مثلًا إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة و المفروض أنّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به، و كذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك.

نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه، كأن قرأ السورة في الفرض الأوّل، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً، بل يحتمل أن يقال إنّ القراءة في عهدة الإمام، و يكفي خروجه عنها باعتقاده لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء). [1]

في اليوم الماضي عرضنا تعليقاتاً لفقهائنا العظام في عشرة نقطة من كلامه التي بالتأمل فيها يعرف وجهة مواقفهم واليوم نريد أن نقف عند مقاطع من نصوص المصنف بالنقد والتنقيب كي نستخلص القول الراجح في كل مقطع:

المقطع الاول قوله: (يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلّدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنّيّة المتعلّقة. الى قوله: يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها، لكن يأتي بها بعنوان الندب) في هذا الفرض لا وجه للتشكيك في صحة صلاة المأموم لان الامام يأتي بما هو صحيح عند المأموم ايضاً اجتهادا او تقليداً ولو كان له آراء في بعض تفاصيل الصلاة تخالف رأي المأموم ولكن المفروض انه لم يأت بها في هذه الصلاة.

في المقطع الثاني قال: (بل و كذا يجوز مع المخالفة في العمل، أيضاً. الى قوله: فيعمل كلّ على وفق رأيه). فاجاز الاقتداء ولو خالف رأي الامام مع المأموم في غير القراءة لان كل منهما يعمل بما يراه صحيحاً.

هنا ينبغي ان نفصّل بين ما يوجب تركه او فعله بطلان الصلاة سواء علم المكلف او لم يعلم و هو عبارة عن الإخلال بالخمسة المذكورة في حديث لاتعاد، وهي التي تسمى الأركان، مثلا اذا اخلّ بالطهارة على رأي المأموم كما اذا توضأ بماء اصابه الكحول والامام يرى عدم نجاستها اجتهادا او تقليدا والمأموم يرى نجاستها او الامام يري دخول وقت المغرب بمجرد غروب الشمس والمأموم يرى دخول الوقت بذهاب الحمرة المشرقية فالامام دخل في الصلاة بمجرد غيبوبة الشمس فلا يجوز للمأموم ان يقتدي به او في مواطن التي هناك خلاف في جهة القبلة باكثر من اليمين او الشمال فالامام يعتقد بقبلة يراها المأموم انها منحرف عن القبلة باكثر من تسعين درجة. فلا يجوز للماموم ان يأتم به لان الامام حسب راي المأموم اخلّ بالقبلة التي هي ركن في الصلاة فصلاته باطلة واقعاً ولو هو معذور وغير آثم لجهله.

اما في المقطع الثالث: فصّل المصنف بين العلم الوجداني والعلم التعبدي فقال: (نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شي‌ء بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركاً‌ له لأنّ المأموم حينئذٍ عالم ببطلان صلاة الإمام، فلا يجوز له الاقتداء به، بخلاف المسائل الظنّيّة حيث إنّ معتقد كلّ منهما حكم شرعي ظاهريّ في حقّه ، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعيّاً)

لنا هنا مناقشة مع المصنف في الكبرى والصغرى: اما الكبرى فتفصيله بين العلم الوجداني والتعبدي في غير محله لان الشارع المقدس تعبدنا بما جعله حجة بيننا وبينه فقوله عليه السلام لا عذر لاحد للتشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا، جعل مفاد خبر الثقة بمنزلة العلم والمراد من النهي عن التشكيك انما هو في مقام العمل، فان في مقام النفس لا ارادة للانسان ان يشك او لا يشك فاذا قامت البينة في الموضوعات او ورد خبر الثقة في الاخبار، لابد ان نتعامل معه كما اذا حصل العلم، ولو بقينا في نفسنا شاكاً. ولا ينبغي التفارق في مقام العمل بين ما قامت عليه الحجة وما قام له العلم الوجداني هذا في الكبرى.

اما الصغرى فقوله رضوان الله عليه في مقام التعليل لعدم جواز الاقتداء: "لأنّ المأموم حينئذٍ عالم ببطلان صلاة الإمام" ليس صحيحاً الا في الموارد التي يكون فيها اخلال بركن من اركان الصلاة الخمسة، اما في غيرها لا يعلم الماموم ببطلان صلاة الامام بل بالعكس يعلم بصحة صلاة الامام حيث انه معذور وحديث لا تعاد يفيد صحة عمله واقعاً، الا على مبنى النائيني ومن مال ميله من تخصيص لا تعاد بالناسي. ولكن على المبنى الأصح في مفاد حديث لا تعاد، من انه يفيد صحة العمل لكل معذور اذا اخل بغير الخمسة للجهل بالحكم او للجهل بالموضوع. ففي ما نحن فيه كل واحد من الامام والمأموم يرى صحة عمل صاحبه لجهله الا اذا كان في احد الاركان الخمسة فلا يجوز الاقتداء فيها لعلمه وجدانا او تعبدا ببطلان صلاة امام الجماعة.

اما المقطع الرابع: فقوله: (وأمّا فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له‌ فمشكل لأنّ الضامن حينئذٍ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه، مثلًا إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة و المفروض أنّه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به، و كذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مدّ لازم أو نحو ذلك).

في هذا المقطع تطرق الى حكم قراءة الامام اذا كان فيها نقص على حسب رأي ماموم اجتهادا او تقليدا فالامام مثلا لا يقرء السورة لأنّها غير واجبة عنده او لا يراعي الادغام الواجب في القراءة لانه يراه غير لازم، فحكم بالاشكال في الاقتداء بمثل هذا الامام لانه لم يخرج عن عهدة ضمان قراءة المأموم ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب وهذا الوجه وجيه متين. وللكلام تتمة نتعرض لها يوم السبت ان شاء الله وغدا معكم في بحث التفسير.


[1] العروة الوثقى - جماعة المدرسین، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج3، ص173.