الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /موقع تكبيرة الاحرام من التكبيرات الافتتاحية

 

كان بحثنا في: (مسألة 30): يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الستّ الافتتاحيّة قبل تحريم الإمام ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه، و إن كان الإمام تاركاً لها).

قد ذکرنا فی الايام الماضية اربع روايات استند اليها صاحب الحدائق لاثبات ان تكبيرة الاحرام هي اول تكبيرة من التكبيرات الافتتاحية وقد ناقشنا في ثلاثة منها وبقيت الرابعة وهي:

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) كان فيها: «قال: قلت له: الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع‌" الحديث،[1] فانّ تقييد المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أنّه هو تكبيرة الإحرام، إذ لو كانت الأخيرة مثلًا لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة، فلا حاجة لتداركها في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة.

و فيه: انّ مفردة –مِن- في قوله: "من الافتتاح" لا يخلو من كونه للتبعيض أو للبيان. فإن كان للتبعيض فقد اطلقت الرواية الافتتاح على مجموع التكبيرات السبع وهي المحققة للافتتاح و المنسي بعض من هذا المركب، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي (قدس سره) من كون ثلاثة او خمسة او سبعة مجموها تكبيرة الاحرام لا على اول تكبيرة كما يدعي صاحب الحدائق. وهذا الاحتمال لا يستقيم، لان النقص عن مجموعة متشابة الاجزاء، يحسب على الأخير، مثلا من اكل طعاماً متشابه الاجزاء و ترك لقمة منها، لا معنى لقوله انا تركت اللقمة الاولى من طعامي بل ما تركها يصدق عليه الاخيرة لعدم تعنون الاجزاء بالأوليّة والثانوية والثالثية، او اذا الراد ان يقرء سورة التوحيد خمسين مرة فاتى ب تسة واربعين مرة فلا معنى لقوله انا نسين الاولى منها فان الناقص هو لمرة الاخيرة من قراءة التوحيد فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا يخفى. فلا يمكن ان يكون المراد من المنسي الاول من مجموعة متساوية الاجزاء.

اما ان أخذنا –من- للبيان كي يكون المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الإحرام التي يتحقق بها الافتتاح، فلا دلالة فيها على أنّها الأُولى أو الوسطى أو الأخيرة، و يكون إطلاق الأوّل عليها باعتبار أنّها اولى التكبيرات من تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع و القيام والسجود و غيرها. فلا يثبت مدعى صاحب الحدائق ايضاً من كون تكبيرة الاحرام اول تكبيرة من تكبيرات الافتتاحية.

فبذلك فندنا الادلة التي اقامه صاحب الحدائق لمراده.

اللهم الا صحيحة زرارة حيث استسلمنا لظهور قوله عليه السلام: "فجرت السنة بذلك" على كون اول تكبيرة من رسول الله تكبيرة الاحرام في قوله: "فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص الصَّلَاةَ فَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ ع- فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَكْبِيرَهُ‌ عاد فكبر و كبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) سبع تكبيرات و كبر الحسين (عليه السلام) فجرت السنة بذلك" [2] فقلنا ان وجدنا دليلا على خلافه نرفع اليد من هذا الظهور.

وأمّا القول بتعيّن الأخيرة، فقد ذكر صاحب الجواهر له وجوهاً:

أحدها: الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام: «و اعلم أن السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة‌ الافتتاح، و بها تحريم الصلاة»[3]

فهذه الرواية صريحة في الاخيرة الا ان كون فقه الرضوي لامام الرضا عليه السلام مشكوك بل موهوم فلا تصلح للاستناد اليها.

الثاني: مما ذكره صاحب الجواهر من الاستدلال هو ما ورد في صحيحة الحلبي التي ذكرناها بالتفصيل عند الاستدلال على التخيير من قوله عليه السلام في التكبيرتين الاخيرتين: ثُمَّ تُكَبِّرُ تَكْبِيرَتَيْنِ ثُمَّ تَقُولُ- وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ- عَالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ- حَنِيفاً مُسْلِماً وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ- لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ- ثُمَّ تَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ اقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ" [4] مشعرا باشتمالها لدعاء التوجه فالاخيرة هي تكبيرة الاحرام. والامر فيها ظاهر في الوجوب.

ولكن دعاء التوجه وردت بعد اكمال التكبيرات و قبل البدء بالقراءة و لا منافات بينها وبين القول بان التكبيرة الاولى هي كانت تكبيرة الاحرام و و جعل بقية التكبيرات داخل الصلاة و قبل القراءة كما لا ينافي قول مجلسي الاول بان تكبيرة الاحرام مجموعة التكبيرات ولا ينافي القول بان المكلف بالخيار في جعل ايا من التكبيرات تكبيرة الاحرام فلا دلالة لها على اختيار الاخيرة بعنوان تكبيرة الاحرام.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص14، أبواب تكبيرة الاحرام، باب2، ح8، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص21، أبواب تكبيرة الاحرام، باب7، ح4، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص24، أبواب تكبيرة الاحرام، باب8، ح1، ط آل البيت.
[4] فقه الرضا، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ج1، ص7.