الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /موقع تكبيرة الاحرام من التكبيرات الافتتاحية

 

كان بحثنا في: (مسألة 30): يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الستّ الافتتاحيّة قبل تحريم الإمام (1) ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه، و إن كان الإمام تاركاً لها).

قد ذكرنا في اليوم الماضي ادلة صاحب الحدائق لقوله قي تكبيرة الاحرام بانها هي اول تكبيرة من التكبيرات الافتتاحية خلافا للمشهور حيث افتوا بانها هي الاخيرة واليوم نريد مناقشتها:

اول دليل استدل بها كانت صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: "إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر" الحديث (بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الإحرام التي بها يقع الافتتاح حقيقة، ويتحقق الدخول في الصلاة، فما يقع قبلها من التكبيرات بناءً على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء. وتسمية ما عدا تكبيرة الإحرام بتكبيرات الافتتاح انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة والدخول في الصلاة وإلا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة).[1]

ويرد عليه: أنّ الامام عليه السلام كان بصدد تعليمه الدخول في الصلاة فقوله: "إذا افتتحت فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث تكبيرات" إلخ، يعلمه الدخول في الصلاة بآدابها، وعليه فما يقع به الافتتاح هو مجموع ما قاله الامام من الادعية والتكبيرات السبع المذكورة فيها، ولعل القول بأن افتتاح الصلاة بمجموعة السبعة أولى، كما عليه المجلسي الأول، لا وجه لتخصيصها بتكبيرة الاحرام، والحق ان الصحيحة لا يستفاد منها خصوص تكبيرة الإحرام. فما قال بأنّ: (ما يقع قبل تكبيرة الإحرام ليس من الافتتاح في شي‌ء، بل هو من قبيل الإقامة)، مناقض بما يأتي بعد تكبيرة الاحرام فاذا تسلمنا بان ما وقع قبل تكبيرة الاحرام يكون بمنزلة الإقامة فيلزم علينا القول بان ما وقع بعد تكبيرة الاحرام أيضا بمنزلة الإستعاذة والقراءة. فلابد من القول بان الإطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء والكل متحقق فيما يتقدم او يتأخر من تكبيرة الاحرام كما في العرف عندما يدشّنون مؤسسةً او معملاً، يكون مراسيم الافتتاح مشتمل على ما هو خارج عن موضوع المؤسسة او المعمل. نعم شمول مفردة الافتتاح لابد ان يكون مما يقرب الى تكبيرة الاحرام التي هي الافتتاح الحقيقي للصلاة.

اما الاستدلال بصحيحة زرارة في "الَّذِي يَخَافُ اللُّصُوصَ والسبع" حيث ورد فيها: "وَلَا يَدُورُ إِلَى الْقِبْلَةِ- وَلَكِنْ أَيْنَمَا دَارَتْ بِهِ دَابَّتُهُ- غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِأَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ حِينَ يَتَوَجَّهُ" مستدلا على الامر باستقبال القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه فهي تكبيرة الاحرام

ويرد عليه: بان المبتلى باللص والسبع لا يفكر في المستحبات بل يأتي بالصلاة بأقلِّ واجب للظروف الاضطرارية ولا يسعه المجال لتكبيرات الافتتاح. فالمراد بقوله عليه السلام "بأوّل تكبيرة" أوّل تكبيرات الصلاة، أعني تكبيرة الإحرام في مقابل تكبيرة الركوع والسجود ونحوهما، فلا نظر فيها إلى تكبيرات الافتتاحية. أراد الامام عليه السلام ان يقول له لا يجب في تلك الحالة رعاية القبلة ولكن انما يتوجه الى القبلة في لحظة تكبيرة الاحرام كما ورد فيمن يريد ان يتنفّل في حال المشي ورد في بعض الروايات يتوجّه الى القبلة ويكبّر ثم يتابع مشيه الى حيث يريد.

اما استدلاله بصحيحة زرارة التي تقص صلاة رسول الله مع الحسين عليهما صلوات الله بانه: "قَدْ كَانَ الْحُسَيْنُ ع أَبْطَأَ عَنِ الْكَلَامِ- حَتَّى تَخَوَّفُوا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَ أَنْ يَكُونَ بِهِ خَرَسٌ- فَخَرَجَ بِهِ ع حَامِلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ- وَ صَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ فَأَقَامَهُ عَلَى يَمِينِهِ- فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص الصَّلَاةَ فَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ ع- فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَكْبِيرَهُ‌ عاد فكبر و كبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) سبع تكبيرات و كبر الحسين (عليه السلام) فجرت السنة بذلك"[2]

مستدلا على ان (التكبير الذي كبّره صلّى اللّٰه عليه وآله أوّلًا هو تكبيرة الإحرام لإطلاق الافتتاح عليها، والعود إليها ثانياً وثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (عليه السلام)، فليس الافتتاح إلّا بالأوّل، والزائد هو المستحب وقد جرت السنّة على هذه الكيفية)، [3]

قال السيد الخوئي ردا على هذا الدليل بقوله: (أنّه لاريب في وقوع الافتتاح منه (صلّى اللّٰه عليه وآله) بالتكبيرة الاولى في تلك القضية الشخصية، لعدم تشريع السبع بعد، كما كان كذلك قبل تلك القضية، ومجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاولى فيما بعد التشريع وليس في فعله (صلّى اللّٰه عليه وآله) بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى. نعم، ربما يوهمه قوله (عليه السلام) في ذيل الخبر «فجرت السنّة بذلك»، لكنّه مبني على أن يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلم) من وقوع الافتتاح بالأُولى، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى الذهن كما لا يخفى، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال).[4]

ولكن الانصاف ان قوله عليه السلام: "فجرت السنة بذلك" ظاهر في مثل ما جرى بجميع خصوصياته. نعم اذا دل دليل على ان الالتزام بأول تكبيرة للإحرام ليس من السنة فنرفع اليد عن ظاهر هذا الكلام ونقول ان السنة اعم من ذلك. ونتابع البحث في الجلسة القادمة ان شاء الله.

 


[1] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج8، ص22.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص21، أبواب تكبيرة الاحرام، باب7، ح4، ط آل البيت.
[3] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج8، ص22.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج14، ص136.