الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /موضع تكبيرة الاحرام من التكبيرات الافتتاحية

 

كان بحثنا في: (مسألة 30): يجوز للمأموم الإتيان بالتكبيرات الستّ الافتتاحيّة قبل تحريم الإمام (1) ثمّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه، و إن كان الإمام تاركاً لها).

وقد ذكرنا في يوم الماضي ثمانية روايات لمستند القول بالتخيير في تعيين تكبيرة الاحرام جُلّها كانت صحاح ولكن كما قلنا دلالتها على تعيين الأخيرة اقوى من دلالتها على التخيير

ففي صحيحة الحلبي الامام امر باتيان دعاء التوجه بعد آخر تكبيرة فان كان هذا الدعاء قرينة على تكبيرة الاحرام فتدل على تعيين الأخيرة.

وفي موثقة حفص ان رسول الله صلى الله عليه واله اتخذ التكبيرة السابعة التي احارها الحسين عليه السلام تكبيرة الاحرام فلعلها كانت معينة لا من اطراف التخيير.

وفي صحيحة فضل عن الرضا عليه السلام انه لم يكن بصدد بيان موقع تكبيرة الاحرام وانما كان بصدد بيان حكمة تشريع التكبيرات السبع. فلا دلالة فيها على احد الامرين من التخيير والتعيين.

وفي صحيحة الحلبي الثانية في قوله عليه السلام: إِنْ كُنْتَ إِمَاماً فَإِنَّهُ يُجْزِيكَ أَنْ تُكَبِّرَ وَاحِدَةً- تَجْهَرُ فِيهَا وَ تُسِرُّ سِتّاً" ايعاز بان تكبيرة الاحرام واحدة يجهر بها و لكن اين تضع من سائر التكبيرات ساكتة عنه. فلا تدل على اثبات او نفي في ترتيب التكبيرات.

و رواية حسن بن راشد حيث ورد فيها: إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً- يَجْهَرُ بِهَا وَ يُسِرُّ سِتّاً"

مفيدة لنفس المعنى لا ازيد ولم يتعرض لترتيب التكبيرات.

وصحيحة الحلبي المروية في الخصال انها ذيل صحيحة الحلبي التي رواها الشيخ لاتحاد الراوي والمروي عن ومتن الرواية الا انها غير مشتملة بصدر الرواية.

و في صحيحة ابي بصير خير المكلف بين تكبيرة واحدة او الثلاثة او الخمسة او السبعة ثم قوله في الاخيير: غَيْرَ أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ إِمَاماً لَمْ تَجْهَرْ إِلَّا بِتَكْبِيرَةٍ. فيه ايعاز على ان تكبيرة الاحرام هي واحدة تجهر بها فلا دلالة فيها على الخيار في جعل ايا منها تكبيرة الاحرام، فان لسان الحديث غير ناظر الى هذه الجهة.

واما خبر فقه الرضوي حيث ورد فيه: «و اعلم أن السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة‌ الافتتاح، و بها تحريم الصلاة»فهي صريحة بان الاخيرة هي تكبيرة الاحرام من دون تخيير للمصلي في جعلها.

ثم انه لو وصل الدور الى الترديد بين التخيير والتعيين فالتعيين هو المتعين لبراءة الذمة عن الاشتغال بالتكليف.

القول الثاني: ان التكبيرة الاولى هي تكبيرة الاحرام: وممن ذهب الى هذا القول صاحب الحدائق قال: (الظاهر عندي من التأمل في أخبار المسألة انها الاولى خاصة، و ممن تفطن إلى ذلك من محققي متأخري المتأخرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشرية و المحدث الكاشاني في الوافي و السيد الفاضل المحدث السيد نعمة اللّٰه الجزائري بل صرح بتعيين الاولى لذلك).[1]

ثم استدل على رأيه بروايات:

منها‌: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) التي ذكرناها بكاملها في اليوم الماضي قال: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات. الحديث». (و التقريب فيه ان الافتتاح انما يصدق بتكبيرة الإحرام و الواقع قبلها من التكبيرات بناء على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء، و تسمية ما عدا تكبيرة الإحرام بتكبيرات الافتتاح انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة و الدخول في الصلاة و إلا كان من قبيل الإقامة و نحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة).[2]

ومنها: ‌صحيحة زرارة واليك نصها : باسناد الصدوق عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَخَافُ اللُّصُوصَ وَ السَّبُعَ- يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُوَاقَفَةِ إِيمَاءً عَلَى دَابَّتِهِ- قَالَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُوَاقِفُ عَلَى وُضُوءٍ- كَيْفَ يَصْنَعُ وَ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ- قَالَ يَتَيَمَّمُ مِنْ لِبْدِ سَرْجِهِ أَوْ مَعْرَفَةِ دَابَّتِهِ فَإِنَّ فِيهَا غُبَاراً- وَ يُصَلِّي وَ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ- وَ لَا يَدُورُ إِلَى الْقِبْلَةِ- وَ لَكِنْ أَيْنَمَا دَارَتْ بِهِ دَابَّتُهُ- غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِأَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ حِينَ يَتَوَجَّهُ".[3]

وجه الاستدلال قوله عليه السلام : "يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِأَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ حِينَ يَتَوَجَّهُ" فاول تكبيرة هي تكبيرة الاحرام.

و مما استدل به صحيحة زرارة واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الصَّلَاةِ «6»- وَ قَدْ كَانَ الْحُسَيْنُ ع أَبْطَأَ عَنِ الْكَلَامِ- حَتَّى تَخَوَّفُوا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَ أَنْ يَكُونَ بِهِ خَرَسٌ- فَخَرَجَ بِهِ ع حَامِلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ- وَ صَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ فَأَقَامَهُ عَلَى يَمِينِهِ- فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص الصَّلَاةَ فَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ ع- فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَكْبِيرَهُ‌التي الوارد في علة استحباب السبع بإبطاء الحسين (عليه السلام) عن الكلام «3» حيث قال فيه «فافتتح رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) الصلاة فكبر الحسين (عليه السلام) فلما سمع رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) تكبيره عاد فكبر و كبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) سبع تكبيرات و كبر الحسين (عليه السلام) فجرت السنة بذلك».[4]

سند الصدوق الى زرارة صحيح وقال محقق البحراني: (والتقريب فيه ان التكبير الذي كبره (صلى اللّٰه عليه و آله) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة لإطلاق الافتتاح عليها و العود الى التكبير ثانيا و ثالثا انما وقع لتمرين الحسين (عليه السلام) على النطق كما هو ظاهر السياق. و روى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (عطر اللّٰه مرقده) في كتاب فلاح السائل هذه القصة عن الحسن (عليه السلام) «1» قال في الحديث الذي نقله: «فخرج رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) حامله على عاتقه وصف الناس خلفه و اقامه عن يمينه فكبر رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و افتتح الصلاة فكبر الحسن (عليه السلام) فلما سمع رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله) و أهل بيته تكبير الحسن (عليه السلام) عاد فكبر و كبر الحسن حتى كبر سبعا فجرت بذلك سنة بافتتاح الصلاة بسبع تكبيرات». و هو أوضح من ان يحتاج إلى بيان).[5]

و مما يستدل على ذلك أيضا‌ صحيحة زرارة وَاليك نصها: بِإِسْنَادِهِ –الشيخ- عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَنْسَى أَوَّلَ تَكْبِيرَةٍ مِنَ الِافْتِتَاحِ- فَقَالَ إِنْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ- وَ إِنْ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَهَا فِي قِيَامِهِ- فِي مَوْضِعِ التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ- قُلْتُ فَإِنْ ذَكَرَهَا «6» بَعْدَ الصَّلَاةِ- قَالَ فَلْيَقْضِهَا وَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ.»[6]

قال المحقق البحراني: (و هو صريح في ان تكبيرة الإحرام هي الاولى).

ونكمل بحثنا في اليوم اللاحق ان شاء الله في مناقشة ما استدل به المحقق البحراني في حدائقه

 


[1] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج8، ص21.
[2] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج8، ص20.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص441، أبواب الخوف والمطاردة، باب3، ح8، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص21، أبواب تكبيرة الاحرام، باب7، ح4، ط آل البيت.
[5] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، الشيخ يوسف، ج8، ص22.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص14، أبواب تكبيرة الاحرام، باب2، ح8، ط آل البيت.