الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم من نسي بعض اجزاء الصلاة و تذكرها بعد القيام بالركعة التي تليها

 

كان بحثنا في الفرع الثالث مما ورد في مسألة 27من احكام الجماعة وهو قوله: (....و لو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة ولو الركعة الأُولى منها جاز له القطع بعد العدول إلى النافلة على الأقوى وإن كان الأحوط عدم قطعها بل إتمامها ركعتين، و إن استلزم ذلك‌ عدم إدراك الجماعة في ركعة أو ركعتين) فانتهينا من البحث عنها في اليوم الماضي واليوم معكم في المقطع الاخيرة من هذه المسألة وهو الفرع الرابع المذكور فيها، قال:

(بل لو علم عدم إدراكها أصلًا إذا عدل إلى النافلة و أتمّها فالأولى و الأحوط عدم العدول و إتمام الفريضة ثمّ إعادتها جماعة إن أراد و أمكن). ان المصنف في فرض علم المأموم الذي كان مشتغلا بالفريضة منفردا فقامت الجماعة، بعدم ادراك الجماعة ان اكمل النافلة، احتاط احتياطا وجوبيا بعدم العدول الى النافلة والاستمرار على فريضته فرادى وغمض العين عن صلاة الجماعة.

في هذه المسألة ما رأيت مخالفا لرأي السيد من محشين الا المرحوم الشيخ علي الجواهري فقال: (جواز قطعها حينئذٍ لا يخلو عن قوّة).

والوجه في ما اختاره المصنف و مشهور الفقهاء واضح لان تجويز العدول عن الفريضة الى النافلة انما كان لدرك الجماعة فما دام الماموم متيقن بعدم درك الجماعة فلا مبرر للعدول وهو خلاف الاصل. ومن هنا ندرك ان المصنف عن ما قال في الفرع السابق: (و لو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة ولو الركعة الأُولى منها جاز له القطع بعد العدول إلى النافلة على الأقوى) اراد بذلك من كان عازما على اكمال النافلة عند العدول اليها ثم عزم على قطعها لانه لو اراد من كان عند العدول ناويا لقطع النافلة لكان في كلامه تهافت بين الصدر والذيل فتأمل.

ثم قال المصنف: (مسألة 28): الظاهر عدم الفرق في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائيّة أو غيرها، و لكن قيل بالاختصاص (2) بغير الثنائيّة).

تعليقات: (2) قال السيد البروجردي: (هذا غير بعيد.). وقال السيد محسن الحكيم: )و هو وجيه.).

قال مولى احمد النراقي في مستنده : (لو كانت الفريضة الّتي يصلّيها ثنائية فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة ‌إذا شرع الإمام في الصلاة؟ الظاهر: لا، لخروجه عن مورد الأخبار. و لا يقطعها أيضا، للأصل المتقدّم. بل يستمرّ على صلاته).[1]

فهو رضوان الله عليه يستدل على عدم جواز عدول الفريضة الثنائية الى النافلة لدرك الجماعة بدليل مركب من امرين: احدهما: عدم شمول النصوص التي وردت حول جواز عدول الفريضة الى النافلة، لدرك الجماعة للثنائيات وهي صلاة الفجر والرباعيات في السفر. وثانيهما اصالة عدم جواز العدول من الفريضة الى غيرها الا ماخرج بالدليل وفي الثنائيات لم نجد دليلا للجواز. فلا يقطع الثنائية لا الى النافلة ولا الى الخروج منها بل يجب الاستمرار فيها حتى التسليم.

ولكن هذا القول شاذ والمشهور ذهبوا الى عدم الفرق بين ثنائية وغيرها وادعاء خروج الثنائية عن مورد الاخبار ممنوع اما صحيحة سليمان بن خالد الآنفة الذكر ففيها: "عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ- فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي- إِذْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَ أَقَامَ الصَّلَاةَ- قَالَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ" الحديث. ففتح الصلاة اعم من الثنائية و كذلك قوله ثم يستانف الصلاة مع الامام لا تخصيص فيه لغير الثنائية. و في موثقة سماعة قال: "إِنْ كَانَ إِمَاماً عَدْلًا فَلْيُصَلِّ أُخْرَى وَ يَنْصَرِفُ- وَ يَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعاً- وَ لْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ" في هذه الفقرة من الحديث ليس شيئاً يخصص الامر بغير الثنائية و في امام غيرالعادل قال: فَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ- وَ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص- ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلَى مَا اسْتَطَاعَ- هنا كذلك لا تخصيص بغير الثنائية بل مفروض المسألة كان في الرباعية و هذا لا تقييد فيها حتى يكون لها مفهوم و اثبات الشيء لا ينفي ماعداه.

بل يمكن ان يقال ان ظاهر هذه الروايات الارشاد الى الالتحاق بالجماعة من دون الاستهانة بالفريضة التي اشتغل بها، والموارد ليست حاصرة، لان الحكم مطلق لكل فريضة.

مضافا الى انه لو لم يكن العدول الى النافلة لدرك الجماعة في الثنائية مرغوبة فكان عليهم عليهم السلام الايعاز بذلك والاستفصال لانه من الامور المبتلى بها كثيرا فعموم الفقهاء استفادوا من تلك الروايات الواردة انها تفيد العلاج لادراك الجماعة من دون تفصيل بين الثنائية وغيرها.

قال السيد رضوان الله عليه:

(مسألة 29): لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة مثلًا فذكر أنّه ترك من الركعة السابقة سجدة أو سجدتين أو تشهّداً أو نحو ذلك وجب عليه العود للتدارك و حينئذٍ فإن لم يخرج عن صدق الاقتداء و هيئة الجماعة عرفاً (1) فيبقى على نيّة الاقتداء (2) و إلّا فينوي الانفراد (3)

تعليقات:

(1) قال السيد الحكيم: (يعني عرف المتشرّعة).

(2) قال الشيخ الحائري: (الأحوط قصد الانفراد في التخلّف عن السجدة أو السجدتين و كذا في التشهّد إذا استلزم تداركه التخلّف في ركن).

وقال السيد الخوئي: (مرَّ أنّ الأحوط قصد الانفراد فيما إذا كان التخلّف موجباً لفوات المتابعة).

(3) قال الشيخ آل يس: (بل مطلقاً على الأحوط).

الوجه في هذه المسألة يتضح بما مر علينا من المباحث السابقة. اما وجوب العود الى ما فات لانه مادام لم يدخل في الركن البعدى يجب عليه الاتيان بما فات عنه، ثم من كان رأيه في المتابعة عدم كونها واجبا شرطياً، فترك المتابعة لا يوجب بطلان الجماعة عندهم ما دام لم يخرج عن عنوان الإقتداء، ومن يرى ان المتابعة في كل مفردة شرط لصحة الجماعة يرى انفصاله عن الجماعة بمجرد ما يجلس ليجبر ما فات عنه.

ومن يرى ان الميزان عدم التخلف عن ركن او ركنين فهو فاذا ترك احد الامرين ثم قام و تذكر عدم اتيانه فيجب عليه الغود لاتيان ما فات و يستلزم اتيان ما فات التاخر عن ركن او ركنين فتنقلب صلاته فرادى. وهكذا يظهر رأي كل فقيه بموقفه من ترك المتابعة.

 


[1] مستند الشّيعة، النراقي، المولى احمد، ج8، ص142.