الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم المنفرد اذا اقيمت الجماعة

 

قد فرغنا الامس عن البحث في الفرع الاول من هذه المسألة اما الفرع الثاني فهو قوله رضوان الله عليه: (و لو كان مشتغلًا بالفريضة منفرداً و خاف من إتمامها فوت الجماعة استحبّ له العدول بها إلى النافلة و إتمامها ركعتين إذا لم يتجاوز محلّ العدول، في ركوع الثالثة، بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة، و إن لم يدخل في ركوعها).

قد بحثنا في هذا الفرع وانما بقي علينا الكلام في ان محل العدول ينتهي الى قبل القيام للثالثة او الى قبل الركوع في الثالثة؟ افتى المصنف بالثاني واحتاط في الاول باحتياط استحبابي.

الدليل الذي دلنا على العدول الى النافلة واكمالها ركعتين ثم الدخول في الجماعة هو صحيحة سليمان بن خالد و فيها: رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ- فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي- إِذْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَ أَقَامَ الصَّلَاةَ- قَالَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ-

فهي ساكتة عن ركعة الثالثة وانما تؤكد على اكمال ركعتين، و اما موثقة سماعة ففيها: "عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي فَخَرَجَ الْإِمَامُ- وَ قَدْ صَلَّى الرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ- قَالَ: إِنْ كَانَ إِمَاماً عَدْلًا فَلْيُصَلِّ أُخْرَى وَ يَنْصَرِفُ- وَ يَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعاً- وَ لْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ" كذلك يامر الامام عليه السلام فيها بضم الركعة الثانية الى الاولى و اكمالها ركعتين وآخر الركعتين هو التشهد والتسليم ولم يتعرض للركعة الثالثة.

والذي يستوحى من هذين الحديثين انما هو جعل الفريضة نافلة ما امكن كما هو مقبول عند جميع الفقهاء. والذي قام الى الركعة الثالثة في فريضته فقيامه وقع صحيحا للفريضة وعند ما عدل بنيته الى النافلة وجلس وسلم اصبح زائدة في النافلة ولكنها زيادة عن عذر فيشمله حديث لا تعاد في عقده المستثنى منه، فلا يورد اشكالا في نافلته. اما اذا دخل في ركوع ركعة الثالثة واراد ان يجعلها نافلة فهو ركن زائد في نافلته وهو مبطل لها ولا يصح عدول الفريضة الى نافلة باطلة، بينما الدليلان امرا بالعدول الى صلاة صحيحة فلا تشملان هذا الفرض، فعلى المصلي في هذا الفرض ان يداوم على فريضته مفردة و الاصل ان قطع الفريضة لا يجوز الا بالعدول الى النافلة.

فما قاله السيد من امكان العدول قبل الركوع الى النافلة في غاية المتانة، ولكن الاحتياط حسن على كل حال.

اما الفرع الثالث فهو قول المصنف: (و لو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة و لو الركعة الأُولى منها جاز له القطع بعد العدول إلى النافلة على الأقوى، و إن كان الأحوط عدم قطعها بل إتمامها ركعتين، و إن استلزم ذلك‌ عدم إدراك الجماعة في ركعة أو ركعتين)

ان السيد رضوان الله عليه افتى بجواز قطع النافلة المعدول اليها من الفريضة عند خوف عدم ادراك الجماعة واحتاط بعدم قطعها.

يتصور لهذه المسألة صورتين: فقد يكون المصلي قبل العدول غير مطمئن بامهال الامام لاكمال النافلة ركعتين فاراد ان يدخل الى النافلة ليقطعها فهذا لا يجوز لان العدول الى نافلة مع العزم على تركها قبل اتمام ركعتين ليس عدولا الى النافلة لان النافلة هي الصلاة التي فيها ركعتين كاملتين فنية اتيان ركعة واحدة او حتى ركعتين بلا تسليم ليس صلاتًا.

اما اذا كان عازماً على اكمال ركعتين كاملتين فعدل اليها من الفريضة، ثم بدا له قطع النافلة فهو امر معقول.

وقد شكك السيد الخوئي في استحباب هذا العدول فقال: (أمّا الاستحباب: فغير ثابت، لاختصاص الروايتين أعني الصحيحة و الموثّقة بما إذا أتمّ النافلة المعدول إليها كما لا يخفى، فلا تعمّان صورة قطعها. و من الواضح أنّ صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة التي تضمّنت استحباب قطع النافلة لإدراك الجماعة قاصرة الشمول للمقام، لانصرافها إلى ما إذا كان متشاغلًا بالنافلة ابتداءً، فلا تعمّ النافلة المعدول إليها المتّصفة بالنفل بقاءً).

ثم في جواز قطع النافلة المعدولة عن الفريضة خلاف فمن الفقهاء من يرى عدم جوازه:

استناداً إلى استصحاب حرمة القطع الثابتة قبل العدول. بمعنى ان هذه الصلاة التي مشتغل بها كانت لا يجوز قطعها فلا ندري هل بعد ما نواها نافلة جازت قطعها او لا؟ فنستصحب عدم الجواز.

ويرد عليه على رأي من لا يجيز الاستصحاب في الشبهات الحكمية بحجة تعارض استصحاب عدم الجعل مع استصحاب المجعول كما عليه السيد الخوئي فلا يصح استصحاب عدم جواز القطع.

اما من يرى جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية فكذلك لا يجري هنا لتبدل الموضوع فإنّ الحرمة الثابتة قبل العدول كان موضوعها الفريضة، و بعد العدول انقلبت نافلة و العناوين التي تتقوم بالنية، فتنوعها موضوعا متقوم بالنية فاذا انقلبت النية ينقلب الموضوع ايضا حتّى بنظر العرف، كالظهريّة و العصريّة، و الأداء و القضاء، و غسل الحيض و الجنابة، و نحو ذلك ممّا يتقوّم بالعناوين القصديّة، الموجبة لتغايرها في الحقيقة و الماهية و إن اتّحدت صورة، و الفرضيّة و النفليّة من تلك العناوين فالنية فيهما مقوّمة لموضوعاتهما و ليست من الحالات المتبادلة الطارئة على موضوع واحد حتّى يجري فيه الاستصحاب ففي الاستصحاب لابد من وحدة موضوع اليقين السابق والشك اللاحق وهنا تعلق اليقين بالفيضة والشك بالنافلة وهما متغايران.

نعم، من لا يرى مانع من قطع الفريضة فيجوّز قطعها لإدراك الجماعة من دون أن يعدل بها إلى النافلة، واذ نحن بيّننا ان حرمة قطع الفريضة من دون عذر انما هي لرعاية شانها وحريمها فاذا كان القطع للدخول الى ما هو افضل لابأس به لانه ليس من باب الاستهانة بالصلاة كما ذهب إليه جمع من الأعلام كالشيخ و القاضي و الشهيد في كتبه الثلاثة الدروس والذكر والبيان وجماعة من المتأخّرين فاجازوا قطعها في هذا المورد. ومن الواضح أنّ النصّ المتضمّن للعدول إلى النافلة انما هو ناظر إلى المنع عن القطع فيما له طريق الى الدخول في الجماعة من دون نقض الفريضة. ومع ذلك الاحتياط حسن. هناك تفاصيل من المناقشات في هذا الفرع ذكرها في الجواهر نغمض العين عنها حرصا للاختصار و تقدم البحث فالراغب في خوضها راجعة الجواهر[1]

 


[1] راجع: جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج14، ص36.