الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /العدول من الفريضةالى النافلة لدرك الجماعة

 

قد فرغنا الامس عن البحث في الفرع الاول من هذه المسألة اما الفرع الثاني فهو قوله رضوان الله عليه: (و لو كان مشتغلًا بالفريضة منفرداً و خاف من إتمامها فوت الجماعة استحبّ له العدول بها إلى النافلة و إتمامها ركعتين إذا لم يتجاوز محلّ العدول، بأن دخل في ركوع الثالثة، بل الأحوط عدم العدول إذا قام للثالثة، و إن لم يدخل في ركوعها).

ان صاحب الجواهر نسب هذا الحكم الى: (المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، كالمدارك و الذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل لا خلاف فيه صريحا كما اعترف به في الرياض)،[1]

مما يستدل به لذلك ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ‌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ- فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي- إِذْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَ أَقَامَ الصَّلَاةَ- قَالَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ- وَ لْتَكُنِ الرَّكْعَتَانِ تَطَوُّعاً. وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنِ النَّضْرِ عَنْ هِشَامٍ مِثْلَهُ.[2]

سندها صحيح وقد رواها الكليني والشيخ باسناد صحيحة، ودلالتها صريحة في العدول الى النافلة والدخول في الجماعة مستانفاً.

كذلك روى الكليني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي فَخَرَجَ الْإِمَامُ- وَ قَدْ صَلَّى الرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ- قَالَ: إِنْ كَانَ إِمَاماً عَدْلًا فَلْيُصَلِّ أُخْرَى وَ يَنْصَرِفُ- وَ يَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعاً- وَ لْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ- وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامَ عَدْلٍ- فَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ- وَ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص- ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلَى مَا اسْتَطَاعَ- فَإِنَّ التَّقِيَّةَ وَاسِعَةٌ- وَ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ مِنَ التَّقِيَّةِ- إِلَّا وَ صَاحِبُهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.[3]

سندها موثق اذ فيه عثمان بن عيسى الذي قال فيه الكشي: (ذكر نصر ابن الصباح ان عثمان بن عيسى كان واقفيا وكان وكيل موسى ابي الحسن عليه السلام و في يده مال فسخط عليه الرضا عليه السلام ثم تاب عثمان وبعث اليه بالمال) و قال فيه الشيخ في الفهرست: (عثمان بن عيسى العامري واقفي المذهب) وقال النجاشي فيه: (عثمان بن عيسى أبو عمرو العاري الكلابي ثم من ولد عبيد بن روّاس فتارة يقال كلابي وتارة عامري وتارة الروّاسي والصحيح انه مولى بني روّاس و كان شيخ الواقفة و وجهها واحد وكلاء المستمدين –المستبدين- بمال موسى بن جعفر) ثم ذكر عن نصر بن صباح توبته و بعث المال الى الرضا عليه السلام،

وفي السند سماعة وهو بن مهران وثقه النجاشي مرتين وكان من اصحاب ابي عبد الله وابي الحسن عليهما السلام. فسندها موثق.

ودلالتها على المطلوب واضح. فان الامام امره باكمال صلانه تطوعا ثم اللحوق بالجماعة.

ورواية فقه الرضوي مؤيد لهذا المعنى قد نقلناه قبل يومين حيث ورد فيه «و إن كنت في فريضتك و أقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة و سلم في الركعتين ثم صل مع الامام، الحديث»[4] .

نعم ظاهر هذه الروايات حصر الاذن في قطع الفريضة من طريق عدولها الى النافلة واكمالها ركعتين، ثم اللحوق الى الجماعة، فليس له حينئذ قطعها بغيره و إن خاف الفوت، لإطلاق دليل‌ حرمة قطع الفريضة أو استصحاب الحرمة التي كانت قبل قيام الجماعة، استثني منها العدول الى النافلة واتمامها ركعتين.

هناك مناقشة طرحها في الجواهر و مر عليها مرور الكرام بقوله: (لا يصغى إليها، كما هو واضح)[5] مفادها: أنّ الأمر الوارد في هاتين الروايتين من أجل وقوعه موقع توهّم الحظر لا يدلّ إلّا على الجواز و المشروعية، دون الاستحباب. و بعبارة اخرى: ولو ان الامر ظاهر في الوجوب، لكنّه غير محتمل في المقام، فإنّ الجماعة سنّة، فكيف يحتمل وجوب العدول إلى التطوع مقدمة لدرك الجماعة المستحبّة. فيدور الأمر بين الحمل على الاستحباب، و بين إرادة الجواز و الإباحة، و بما ان العدول من الفريضة إلى النافلة لا يجوز الا في موارد استثناها دليل خاص فهاتين الروايتين قد رخصتا العدول الى النافلة فلا تفيدان الا رفع الحظر لا الاستحباب لانهما وردتا في موضع توهم الحظر.

وقد اجاب عن هذه الشبهة سيد الخوئي رضوان الله عليه واليك نص كلامه:

(فيه: أنّ المقام ليس من موارد توهّم الحظر المانع من الأخذ بظاهر الأمر إذ لم يرد دليل لفظي يدلّ على المنع عن العدول المزبور، و إنّما نقول به من أجل عدم قيام الدليل على الجواز، لا من أجل قيام الدليل على عدم الجواز كي يكون مورداً لتوهّم الحظر.فانّ العدول على خلاف الأصل، و العبادة توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى الدليل، و حيث لا دليل يحكم بعدم المشروعية، حذراً عن التشريع المحرّم لا لقيام الدليل على العدم. و حيث ورد الدليل في المقام بلسان الأمر فلا مانع من الأخذ بظاهره و هو الاستحباب، بعد امتناع الحمل على الوجوب كما عرفت).[6]

اقول: ما الفرق بين ان يكون دليل الحظر ورود نص خاص في المورد او دلالة المطلقات على الحظر والميزان هو كون المورد محظورا فيه وفيما نحن فيه العدول من الفريضة الى النافلة لا يجوز الا بدليل خاص ومجرد عدم توفر دليل خاص على المنع لا يخرجه عن الممنوعية فمقالكم فرق بلا فارق.

فالاصح في الجواب ان نقول الصحيحة والموثقة وردتا لفتح الباب على المصلي ليدرك فضيلة الجماعة ولا يكفيه مجرد الاباحة والجواز بمعنى الاخص، فهما في مقام الارشاد الى حصول اجر الجماعة فمناسبة الحكم والموضوع تدلنا على استحباب عملية العدول الى النافلة للدخول في الجماعة.

 


[1] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج14، ص36.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص404، أبواب صلاة الجماعة، باب56، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص455، أبواب صلاة الجماعة، باب56، ح2، ط آل البيت.
[4] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج6، ص496.
[5] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج14، ص37.
[6] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص291.