الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /كلام المصنف

كان بحثنا في (مسألة 22): حيث قال السيد المصنف رضوان الله عليه:

(يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام و إن كان الصلاة جهريّة، سواء كان في القراءة الاستحبابيّة كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام، أو الوجوبيّة كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين، و لو جهر جاهلًا أو ناسياً لم تبطل صلاته، نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة كما في سائر موارد وجوب الإخفات).[1]

وقد انهينا البحث فيها الاعن الفقرة الاخيرة منها وهي قوله: (نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة كما في سائر موارد وجوب الإخفات). انه رضوان الله عليه حكم باستحباب الجهر بالبسملة في قراءة المسبوق ومن لم يسمع صوت الامام في الصلوات الجهرية، وقد خالفه في هذا الحكم كثير من الاعلام

قال السيد الخوئي: (ما وجب فيه الإخفات لعارض الائتمام كما في المقام، سواء أ كانت القراءة استحبابية أم وجوبية على ما مرّ فلم يرد فيه نصّ يدلّ على استحباب الجهر بالبسملة في قراءتها، اللّهمّ إلّا أن يتمسّك بإطلاق الرواية المشتملة على أنّ علائم المؤمن خمس، وعدّ منهنّ الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم)[2] لكنّها ضعيفة السند، غير صالحة للاستدلال).[3] (موسوعة الخوئي ج17ص280)[4]

اقول: لعل الوجه في رأي السيد اولاً: كما يظهر من قوله "كما في سائر موارد وجوب الاخفات" اما ادعاء الاطلاق في ادلة التي تفيد استحباب الجهر ببسملة في مكان الاخفات بالقراءة،

ثانياً: او من باب تنقيح المناط منها اي نفي الإخفات في القراءة عن البسملة لان في البسملة خصوصية اوجبت استحباب الجهر بها.

ثالثاً: رواياتٌ منها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ ع أَنَّهُ قَالَ: "عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ: الْخَمْسِينَ- وَ زِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ- وَ تَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَ الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".[5] فقوله والجهر ببسم الله... جعل مطلق الجهر من علامة المؤمن.

ومنها: مارواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ "عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَيَّاماً- فَكَانَ إِذَا كَانَتْ صَلَاةٌ لَا يُجْهَرُ فِيهَا- جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- وَ كَانَ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعاً".[6] سنده صحيح واما الدلالة فقوله اذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله. فيشمل قراءة المأموم في الصلوات الجهرية.

ومنها: ما رواه كليني : عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ لِي كَتَمُوا بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ- فَنِعْمَ وَ اللَّهِ الْأَسْمَاءُ كَتَمُوهَا- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ- وَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ- يَجْهَرُبِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ- فَتُوَلِّي قُرَيْشٌ فِرَاراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ذَلِكَ وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ- وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً"[7]

احمد بن محمد الكوفي هو البزنطي الكوفي قال الشيخ في شأنه: (وكان عظيم المنزلة عنده) (اي الرضا عليه السلام) والنجاشي قال: (لقى الرضا وابي جعفر وكان عظيم المنزلة عندهما)‌ اما علي بن حسن بن علي هو ابن فضال قال الكشي في شأنه: (اما علي بن حسن بن فضال فلا لقيت فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان افقه ولا افضل من علي بن الحسن بالكوفة ...وكان افقه الناس الاانه كان فتحيا يقول بعبد الله بن جعفر ثم بأبي الحسن وسى عليه السلم وكان من الثقات) و عبد الرحمن بن ابي نجران وثقه النجاشي مرتين و هارون إمّا هو هارون بن مسلم وامّا هو بن موسى وكلاهما وثقهما النجاشي فالسند موثق لا ضير فيه والدلالة قوله: في عتابهم حيث كتموا البسملة وذكر بسملة النبي عند دخول البيت فيدل على حسن رفع الصوت في كل بسملة.

ومنها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فِي حَدِيثِ شَرَائِعِ الدِّينِ‌ قَالَ: وَالْإِجْهَارُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ.[8] سنده ضعيف لان الصدوق لم يذكر طريقه الى الاعمش وهو ايضا لم يرد له توثيق واما الدلالة فان الالف واللام في الصلاة للجنس فيشمل كل الصلوات ومنها صلاة المأموم.

وَمنها: ما فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِأَسَانِيدَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا ع فِي كِتَابِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ قَالَ: وَ الْإِجْهَارُ- بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سُنَّةٌ.[9] سنده صحيح عموم جميع الصلوات يشمل صلاة المأموم ايضاً

ومنها ما فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ » عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- فِي جَمِيعِ صَلَوَاتِهِ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ".[10] سنده ضعيف لان الغضائري ضعف تيم بن عبد الله ولم يوثقه سائر الرجاليين اما الدلالة فعموم جميع صلواته يشمل صلاة المأموم ايضاً.

هذا غاية ما يمكن الدفاع عن رأي السيد المصنف في استحباب رفع الصوت بالبسملة في قراءة المأموم ولكن لنا في جميع هذه الوجوه نظر.

اولاً: لا وجه للاطلاق في ادلّة الاخفات لانها وردت في خصوص الصلوات الاخفاتية.

ثانياً: تنقيح المناط ليس حجة الا اذا كان موجب للجزم به وفيما نحن فيه يحتمل ان يكون المناط في الجماعة رعاية سكوت المأموم في الجماعة فيختلف عن صلاة المنفرد وصلاة الامام.

ثالثاً: حديث الامام العسكري سلام الله عليه مضافا الى ضعف السند يمكن ان يكون فيه ايعاز بالفرق الموجود بين الشيعة والعامة حيث ان بعضهم يحذفون البسملة من الحمد والسورة وبعضهم ياتون بها خافتاً، فليس كلام الامام ناظراً الى تعميم الحكم الى المأموم بل المراد الرفع بالصوت عند البسملة سواء في الجهرية او الاخفاتية.

رابعاً: ما في صحيحة صفوان كان الامام عليه السلام هو اماما في جميع تلك الصلوات وهو كان يرفع صوته بالبسملة فلا يفيد الاستحباب رفع الصوت بالبسملة او جوازه للماموم المسبوق او من لم يسمع قراءة الامام.

خامساً: في موثقة هرون ان الامام عليه السلام يعاتب هؤلاء العامة الذين كتموا البسملة في صلاتهم ثم يذكر فعل رسول الله صلوات الله عليه عند دخول البيت فلا دلالة فيها على جواز الجهر بالبسملة للماموم اثناء الجماعة.

سادساً: مضافا الى ضعف السند ان قوله عليه السلام "وَالْإِجْهَارُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ" بصدد بيان طبيعة الصلاة فلا ينافي حالة الجماعة للمأموم خصوصا عند ما نلاحظ الادلة التي دلت على عدم الاجهار للمأموم في جميع اقواله.

سابعاً: في صحيحة فضل بن شاذان الكلام نفس الكلام فالمراد من "جميع الصلوات" شمولها للفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء والنوافل وليس بصدد بيان حكم الجماعة فيها، فلا اطلاق فيها بالنسبة الى وظيفة المأموم.

ثامناّ: في رواية احمد بن علي الانصاري مضافا الى ضعف السند قوله عليه السلام: الْإِجْهَارُ- بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سُنَّةٌ. حكمها حكم صحيحة فضل فهو ناظر الى انواع الصلاة ولاتعرض فيها لوظيفة المأموم. فخلاصة القول انه لا ينبغي للماموم ان يرفع صوته بالبسملة عند القراءة في اثناء الجماعة ولا اقل من لزوم الاحتياط في الترك فانه عند دوران الامر بين استحباب شيء وحرمته يجب الاجتناب عنه لانه لا محظور في الترك قطعاً.

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص277.
[2] راجع: وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص478، أبواب ابواب المزار، باب56، ح1، ط آل البيت.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص280.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص280.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص478، أبواب ابواب المزار، باب56، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص74، أبواب ابواب القراءة، باب21، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص74، أبواب ابواب القراءة، باب21، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص75، أبواب ابواب القراءة، باب21، ح5، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص76، أبواب ابواب القراءة، باب21، ح6، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص76، أبواب ابواب القراءة، باب21، ح7، ط آل البيت.