الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /مسألة 22

كان بحثنا في (مسألة 22): حيث قال السيد المصنف رضوان الله عليه:

(يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام و إن كان الصلاة جهريّة، سواء كان في القراءة الاستحبابيّة كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام، أو الوجوبيّة كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين، و لو جهر جاهلًا أو ناسياً لم تبطل صلاته، نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة كما في سائر موارد وجوب الإخفات).

قد فرغنا في اليوم الماضي عن البحث في وجوب الإخفات على المأموم المسبوق في قراءته في الصلوات الجهرية وذكرنا من الادلة على وجوب الاخفات صحيحة القتيبة بما فيها من قوله عليه السلام:

"إِذَا كُنْتَ خَلْفَ إِمَامٍ- تَرْتَضِي بِهِ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ- فَلَمْ تَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ فَاقْرَأْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ"[1]

 

مبنيا على ان "اقرء انت لنفسك" كناية عن الإخفات فان كل مصلي يقرء ما يقرء لنفسه فالمراد هو القراءة التي تسمعها انت دون غيرك وهذا الرأي كان للسيد الخوئي رضوان الله علي وقد ذكرنا في اليوم الماضي نص كلامه و تركنا المناقشة في قوله لهذا اليوم

فاقول كما ناقش أحد أعلام بحثنا في الامس لعلّ قول الإمام سلام الله عليه: "لنفسك" اللام يكون للاختصاص كما هو ظاهر و يكون في مقابل قراءة الامام التي هي له وعمن ياتم به، فاراد عليه السلام ان يبين انه يجز لك ايضا ان تقرء لنفسك و هذا المحمل قوي جداً ولا اقلّ هو من اطراف الإحتمال في مراد الامام عليه السلام فلا يدلّ أكثر من جواز القراءة من دون نظر الى جهرها او إخفاتها ولعل السر في عدم استناد فقهائنا للقول بوجوب الاخفات على هذه الصحيحة الا القليل منهم هذه الملاحظة. لانه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ولكن يبقى لنا الاستدلال بقياس الأولويّة على ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه السلام: "قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا أَدْرَكَ خَلْفَ الْإِمَامِ- فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَ سُورَةٍ" في الماموم المسبوق ببعض الصلاة، القراءة واجبة عليه مع ذلك يجب عليه الاخفات فقراءة المستحبة اولى برعاية الاخفات فيها.

مضافا الى ذلك يمكن التمسك باطلاق ما ورد في لزوم رعاية الاخفات من جانب الماموم في جميع أذكاره و أقواله ايضا واليك بعض نصوصها:

منها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ التَّشَهُّدَ- وَ لَا يُسْمِعُونَهُ شَيْئاً. رواه الكليني والصدوق ايضا بسند صحيح [2] .

سنده صحيح و حفص بن البختري وثقه النجاشي وقد يشتبه بابي البختري وهو وهب بن وهب الذي قالوا في شأنه اكذب البرية. فالسند صحيح وقوله: "لا يسمعونه شيئاً" فيه اطلاق يشمل القراءة.

ومنها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ كُلَّ مَا يَقُولُ- وَ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُسْمِعُوهُ شَيْئاً مِمَّا يَقُولُ.[3]

في سنده حجال وهو احمد بن سليمان لم يرد له توثيق ولكن حماد بن عثمان وثقه الشيخ بقوله: ثقة جليل القدر ووثقه النجاشي ايضاً. اما من حيث الدلالة فاطلاقه ظاهر لا نقاش فيه. وغيرهما من الروايات.

وثالثاً: سيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين عليهم السلام فلم يعهد ان يرفع المأموم صوته بالقراءة. فبذلك نقضي على القول القائل بالتخيير بحجة عدم دليل على التعيين والتمسك بالاطلاقين في الجانبين وكذلك القول القائل بتعيين الجهر مستنداً على ما ورد في الجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية و نؤيد قول السيد وهو المشهور عند فقهاءنا بلزوم الاخفات في القراءة على المأموم في الجماعة مطلقاً هذا في حكم المتعمد الملتفت الى الحكم.

ثم ذكر المصنف الجهر جهلا او نسيانا و أفتى بعدم بطلان صلاتهما: بالنسبة الى الناسي فهو من اوضح مصاديق حديث لا تعاد[4] فالحكم بصحة صلاته و جماعته مما لا تعتريه شبهة.

و أمّا في صورة الجهل فعلى رأي من خصص موضوع حديث لا تعاد بصورة النسيان كالمحقق النائيني، فلا يمكن له ان يستند اليه لحل المشكلة هنا ولكن من يعمم موضوع حديت لا تعاد بكل معذور في اخلاله باجزاء الصلاة، الا في الخمسة فيشمل الجاهل بالحكم اذا كان جهلا قصورياً، فيحكم بصحة صلاته اما من كان ملتفتا الى جهله حين العمل فجهر بالقراءة فصلاته باطلة،

مضافا الى ذلك كله في مسألة الجهر والاخفات وردت نصوص انهما من الشرائط الذكرية، و انما يضر الاخلابهما اذا صدر عمن يعلم الحكم و متذكرله منها:

صحيحة زرارة واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي رَجُلٍ جَهَرَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْإِجْهَارُ فِيهِ- وَ أَخْفَى فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْإِخْفَاءُ فِيهِ- فَقَالَ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ نَقَضَ صَلَاتَهُ- وَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أَوْ سَاهِياً- أَوْ لَا يَدْرِي فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ."[5]

وقد روى الشيخ هذا الحديث بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْجَهْرُ فِيهِ- وَ أَخْفَى فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْإِخْفَاءُ فِيهِ- وَ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَنْبَغِي الْقِرَاءَةُ فِيهِ- أَوْ قَرَأَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْقِرَاءَةُ فِيهِ- فَقَالَ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ نَاسِياً أَوْ سَاهِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ.[6] بما انّ الراوي والمروي عنه، في هاتين الروايتين مشتركان والعبارة فيهما متشابهان يخطر بالبال انهما رواية واحدة و الثانية لم تتعرض لحكم الجاهل، ولكن قاعدة اصالة عدم الزيادة تحكم بالأخذ با فيه الزائد لان احتمال النسيان وترك بعض عبارة الحديث محتمل عقلائي ولكن احتمال الخطا في ازدياد شيء ونسبته الى الإمام عليه السلام منفي عن الثقة الممتنع من الكذب

ومورد الجهل مذكور في نسخة الصدوق و مفقود في نسخة الشيخ فيقدم نسخة الصدوق باصالة عدم الزيادة. فاصالة عدم الزيادة بمعنى اصالة عدم الازدياد، تفيد انّ قوله او لا يدري صادر عن الامام عليه السلام وهو الحجة في الفتوى. فيثبت ان الجاهل بوجوب الاخفات اذا قرء جهرا لجهله بالحكم لا يضر بصلاته اذا كان جهله مركباً وفاقا للسيد ومن مال ميله رضوان الله عليهم.

نعم اذا كان جاهلا ملتفتا الى جهله وتعد بالجهر من دون تحقيق فصلاته باطلة

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص357، أبواب صلاة الجماعة، باب31، ح7، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص400، أبواب ابواب التشهد، باب6، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص396، أبواب صلاة الجماعة، باب52، ح3، ط آل البيت.
[4] راجع: وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص371، أبواب ابواب الوضوء، باب3، ح8، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص86، أبواب ابواب القراءة، باب26، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص86، أبواب ابواب القراءة، باب6، ح2، ط آل البيت.