الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/04/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اذا کان الحد جرحا/اقامة الحدود لمن ولاه السلطان الجائر /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

كان بحثنا في عدم جواز اقامة الحد اذا كان قتلاً ولكن الجرح الدامي تجوّزه التقية فقال في الجواهر: (بل ينبغي القطع به فيما إذا كان المجروح من غير الشيعة، بل قد قد يقال بجواز القتل فيه إذا كان الإكراه بالقتل، بل و إذا كان يخافه، خصوصا بعد ما ورد من عدم مساوات الألف منهم لواحد من الشيعة، و أنهم مستحقون للقتل عند ظهور الصاحب‌ روحي له الفداء، و أن إجراء حكم الإسلام عليهم للتقية الزمانية و للهدنة ما دامت دولة الحق مستورة، بل قد يقال أيضا إن من كان عليه الحد مخالفا و كان حده القتل في مذهبهم، يجوز قتله و إن لم يصل إلى حد الإكراه، لقاعدة إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم و غيرها.).[1]

قلنا اولاً: الحديث الذي اشار اليه صاحب الجواهر ضعيف السند، وثانياً: ان الحديث ورد في النواصب لا عامة اهل السنة. وكذلك التمسك بقاعدة الالزام اذا كان الحد في مذهب المرتكب للجرم هو القتل لجاز قتل الشيعة اياه. فقلنا ان قاعدة الالزام وردت في حقوق المتقابلة في تعاملهم معنا والقتل حق الله وهو محصور على الامام ومن ينوبه، فلا يجوز قتله لمجرد رأيهم الباطل وطلب مني بعض الاخوة ان نقف عند قاعدة الالزام شيئاً ما، فاقول:

ان ما يستفاد من ادلة قاعدة الالزام انها في الحقوق المتبادلة والتعامل معهم في الاحكام الوضعية والتكليفية على حسب آرائهم. ولكن لا خيار لهم في حق الله ولذا ليس لأحد ان يأمر بقتله وحتى قطع اعضائه ومن قتله بأمره فلورثة المقتول حق القود على القاتل او الدية ولا يتعذر انه قتله بطلبه.

و ما يظهر عند من ادلة قاعدة الالزام انها جاریة في كلّ مورد يلتزم المخالف بمقتضى مذهبه بورود ضرر عليه، سواء كان‌ ذلك الضرر ماليّا، أو ذهاب حقّ منه، کعتق عبده، أو فراق زوجته و وقوع طلاقه، أو ضمانه لمال تالف، أو كون حقّ الأخذ بالشفعة لشريك أو شركة غيره في ميراثه، ففي جميع تلك الموارد للموافق إلزام المخالف و إن لم يكن ورد ذلك الضرر حقّا عند الموافق، بل ينكره و لا يعترف به حسب مذهبه و ما يدين به.

فلو كان المخالف حسب مذهبه يرى نفسه ضامنا لمال تالف بأحد أسباب الضمان عنده، و ليس ذلك السبب سببا للضمان عند الموافق، كموارد ضمان ما لم يجب أو ضمان العارية غير المضمونة،اذا کانت شیئاٌ يمكن اخفائه فلو تلف عند المستعير المخالف ما استعاره، و هو ممّا يمكن إخفاؤه كالثياب مثلا ففي بعض المذاهب- و هو مذهب المالكيّة- القول بضمان التالف، فإذا كان المستعير منهم يرى نفسه ملزماٌ بضمان ذلك التالف، و الموافق المعير لا يرى لماله التالف ضمانا، لأنّ العارية التي غير الذهب و الفضة ما لم يشترط ليس فيه ضمان و إن كان ممّا يمكن إخفائه، و لكن مع ذلك له أن يلزم المستعير المخالف و يأخذ منه ضمان ماله التالف بهذه القاعدة، أي قاعدة الإلزام، لقوله عليه السّلام: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» و لقوله عليه السّلام: «خذوا منهم كما يأخذون منكم». و كذلك لو حلف المخالف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، بأن قال مثلا: زوجتي طالق، أو عبدي حرّ، أو جميع ما أملك أو بعضه المعيّن صدقة إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا، فهذا الحلف من أسباب الطلاق و العتاق و الصدقة عند المخالف، و لكن لا اثر له عندنا أصلا، فيرون صحّة مثل هذا الطلاق و باقي المذكورات، فيجوز إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، و تزويج تلك المرأة المطلقة بمثل ذلك الطلاق و أخذ ذلك المال من باب الصدقة و إن كان نادما من حلفه، و أيضا ترتيب آثار الحرّية على مثل ذلك العبد، كلّ ذلك لأجل هذه القاعدة، أي قاعدة الإلزام.

اما روایات قاعدة الالزام:

وَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ- أَ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ أَلْزِمُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ- مَا أَلْزَمُوهُ أَنْفُسَهُمْ وَ تَزَوَّجُوهُنَّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.[2]

وَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَالِكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع إِنَّ لِيَ ابْنَ أَخٍ- زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي وَ هُوَ يَشْرَبُ الشَّرَابَ- وَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الطَّلَاقِ- فَقَالَ إِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِكَ فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ- وَ إِنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَبِنْهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ عَنَى الْفِرَاقَ- قَالَ قُلْتُ: أَ لَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ- إِيَّاكُمْ وَ الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثاً فِي مَجْلِسٍ- فَإِنَّهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ فَقَالَ- ذَلِكَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ لَا مِنْ هَؤُلَاءِ- إِنَّهُ مَنْ دَانَ بِدِينِ قَوْمٍ لَزِمَتْهُ أَحْكَامُهُمْ.[3]

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع عَنْ تَزْوِيجِ الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثاً- فَقَالَ لِي إِنَّ طَلَاقَكُمْ لَا يُحِلُّ لِغَيْرِكُمْ- وَ طَلَاقَهُمْ يُحِلُّ لَكُمْ لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ الثَّلَاثَ شَيْئاً- وَ هُمْ يُوجِبُونَهَا. [4] (المصدرح9)

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ‌ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع رَجُلٌ تَرَكَ ابْنَتَهُ وَ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ- فَقَالَ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَتِهِ- وَ لَيْسَ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَ الْأُمِّ شَيْ‌ءٌ- فَقُلْتُ فَإِنَّا قَدِ احْتَجْنَا إِلَى هَذَا- وَ الْمَيِّتُ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ- وَ أُخْتُهُ مُؤْمِنَةٌ عَارِفَةٌ- قَالَ فَخُذْ لَهَا النِّصْفَ خُذُوا مِنْهُمْ- كَمَا يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ فِي سُنَّتِهِمْ وَ قَضَايَاهُمْ- قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِزُرَارَةَ فَقَالَ إِنَّ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ لَنُوراً.[5]

2- «1» مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ مِثْلَهُ وَ زَادَ خُذْهُمْ بِحَقِّكَ فِي أَحْكَامِهِمْ وَ سُنَّتِهِمْ- كَمَا يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ فِيهِ.[6] (المصدرح2)

وَ عَنْهُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ ع أَسْأَلُهُ- هَلْ نَأْخُذُ فِي أَحْكَامِ الْمُخَالِفِينَ- مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا فِي أَحْكَامِهِمْ أَمْ لَا- فَكَتَبَ ع يَجُوزُ لَكُمْ ذَلِكَ- إِذَا كَانَ مَذْهَبُكُمْ فِيهِ التَّقِيَّةُ مِنْهُمْ وَ الْمُدَارَاةُ. [7] (المصدرح3)

وَ عَنْهُ عَنْ سِنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازِ عَنْ عَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ الْقَلَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَحْكَامِ قَالَ- تَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذَوِي دِينٍ مَا يَسْتَحِلُّونَ.[8] (المصدرح4)

فنستنتج من بحثنا انه لا یجوز قتل المسلم مطلقا للتقیة

[1] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفي، ج21، ص393.
[2] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج22، ص73، ابواب مقدمات الطلاق، باب30، ح5، ط آل البیت.
[3] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج22، ص75، ابواب مقدمات الطلاق، باب30، ح11، ط آل البیت.
[4] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج22، ص74، ابواب مقدمات الطلاق، باب30، ح9، ط آل البیت.
[5] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج26، ص158، ابواب میراث الاخوة، باب4، ح1، ط آل البیت.
[6] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج26، ص158، ابواب میراث الاخوة، باب4، ح2، ط آل البیت.
[7] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج26، ص158، ابواب میراث الاخوة، باب4، ح3، ط آل البیت.
[8] الوسائل الشیعه، الشیخ الحرالعاملي، ج26، ص158، ابواب میراث الاخوة، باب4، ح4، ط آل البیت.