الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

كان بحثنا حول مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلنا ان تثليث المراتب بالقلب واللسان و اليد غير صحيح لان ما في القلب لا يمكن ان يكون امراً او نهياً نعم اظهار الكره والاستياء او الاعراض او المهاجرة قد تكون تفيد معنى الامر والنهي بمعناهما الواسع ولكن لا وجه لإيجاب المطلق في المرتبة القلبي بهذا المعنى بل يشترط فيه ايضاً احتمال التأثير و الامن من المفسدة. كما توضح ان هذا الترتيب المذكور ليس دائمياً بل في الغالب يكون هكذا فالملاك في الترتيب هو الأيسر فالأيسر.

وقد نرى بعض فقهانا القدامى ذكروا المراتب عكس هذا الترتيب. قال العلامة في المختلف: (مسألة: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان باليد و اللسان و القلب‌، و اختلف في التقديم فقال الشيخ: يجب أوّلا باللسان ثمَّ باليد ثمَّ بالقلب [1] و ربّما قيل: بتقديم القلب[2] و بالأوّل قال ابن حمزة[3] .و قال سلّار: و هو مرتّب باليد أوّلاً، فان لم يكن فباللسان، فان لم يكن‌ فبالقلب[4] [5] .

وقال ابن ابي المجد علي بن حسن الحلبي: (يجب باليد و اللسان و القلب فإن فقدت القدرة و تعذر الجمع فيه بين ذلك فباللسان و القلب خاصة، و إن لم يمكن الجمع فيه بينهما لأحد الأسباب المانعة فلا بد منه باللسان الذي لا يسقط الإنكار به شي‌ء) [6]

وقال ابن حمزة: (و يجبان باليد و اللسان و القلب و يقدم باللسان و يعظه يخوفه و يوبخه و ربما يقوم الفعل في ذلك مقام القول من الإعراض عنه و ترك التعظيم له و الإزراء به و الهجر عنه فإن بخع و إلا زجره فإن لم ينجع، ردَعه و ضربه إن أمكنه، فإن لم ينجع و شدد عليه ارتفع إلى التأديب) [7] مما يلفت النظر انه لم يجعل الاعراض وامثاله من الانكار القلبي بل عبر عنها بالفعل في مقابل القول ونعم ما فعل.

ولعل السر في اختلاف الاقوال هو اختلاف الروايات: فعن الباقر عليه السلام «فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم و صكوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّٰه لومة لائم- إلى أن قال- فجاهدوهم بأبدانكم و أبغضوهم بقلوبكم»[8] ‌(الوسائل ج16باب3من ابواب الأمر والنهي ح1)

عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا «من ترك إنكار المنكر بقلبه و يده و لسانه فهو ميت في الأحياء»[9] ‌(المصدرح4)

و عن علي عليه السلام: «إن أول ما تقبلون عليه من الجهاد الجهاد بأبدانكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف معروفا و لم ينكر منكرا قلب فجعل أعلاه أسفله»[10] ‌(المصدرح10)

عن العسكري (ع) عن النبي صلى اللّٰه عليه وآله: "من رأى منكرا فلينكر بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم اللّٰه من قلبه أنه لذلك كاره"[11] (المصدرح12)

والعلامة عند ما ذكر الأقوال يجمع بينها بقوله: ( و لا أرى في ذلك كثير بحث. و التحقيق: انّ النزاع لفظي، فإنّ القائل بوجوبه باللسان أوّلا ثمَّ باليد أشار بذلك الى الأمر بالمعروف بأن يعد فاعله الخير و يعظه بالقول و يزجره عن الترك، فإن أفاد و إلّا ضربه و أدّبه، فإن خاف و عجز عن ذلك كلّه اعتقد وجوب المعروف و تحريم المنكر و ذلك مرتبة القلب. و القائل بتقديم القلب يريد أنّه يعتقد الوجوب ثمَّ يأمر به باللسان، أو بأنّ فاعل المنكر ينزجر بإظهار الكراهة أو بالإعراض و الهجر. و القائل بتقديم اليد يريد انّه يفعل المعروف و يجتنب المنكر بحيث يتأسّى به الناس، فإن أفاد ذلك الانقياد الى المتأسّي و إلّا وعظ و زجر و خوف باللسان، فان عجز عن الجميع اعتقد الوجوب)[12]

و في الجواهر بعد ما اشار الى هذه الأقوال التي عكست الترتيب قال: (و ربما يكون المراد من الاختلاف بيان مراتب سقوط الإنكار بالنسبة إلى التمكن و عدمه على معنى سقوطه باليد عند الحاجة إليه مع عدم التمكن، و لكن لا يسقط باللسان مع التمكن و لو بالنسبة إلى غير الفرد الذي يتوقف إنكاره على الضرب باليد، فإن لم يتمكن منه أيضا باللسان بالنسبة إلى بعض الأشخاص اقتصر على القلب بالطريق الذي ذكرناه، و هكذا، و على ذلك فلا يكون خلافا في المسألة، و حينئذ فالسقوط مترتب أيضا كالثبوت)

ونعم ما قال: فالروايات التي قدمت اليد على اللسان والقلب فهي ناظر الى مراحل السقوط عن غير القادر وما قدمت منها الانكار القلبي فهي بصدد بيان مراحل الوجوب ووجوب الايسر فالأيسر مما قياساتها معها كما ان العذر عادة يبدئ بالأشد ثم الأشدّ وهي ناظرة بان من عجز عن الاقدم العملي فلا لقل لن لا يترك الإرشاد باللسان وان عجز عن ذلك ايضاً فالإنكار القلبي لا مانع عنه ولا عذر بالنسبة اليه، وكلام الفقهاء ايضا محمول على هذه الجهة وكثير منها ظاهر في ذلك بعد التأمل في كلماتهم رضوان الله عليهم فلا يحتمل ان يكون مرادهم جواز ردع من يرتدع بالكلام بالقوة والقهر مما قالبا يفيد عكس المطلوب.

 


[1] نهاية الإحكام في معرفة الأحكام‌، العلامة الحلي، ج2، ص15.
[2] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص435.
[3] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص207.
[4] المراسم في الفقه الامامي، الفقيه سلار، ج1، ص206.
[5] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج1، ص460.
[6] اشارة السبق، الحلبي، أبو الحسن علي بن الحسن، ج1، ص146.
[7] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص207.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج16، ص131، أبواب الأمر بالمعروف، باب3، ح1، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج16، ص131، أبواب الأمر بالمعروف، باب3، ح4، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج16، ص134، أبواب الأمر بالمعروف، باب3، ح10، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج16، ص134، أبواب الأمر بالمعروف، باب3، ح12، ط آل البيت.
[12] مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج1، ص460.