الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

39/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: شرط الثانی/شروط النهی عن المنکر/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

قال المصنف: (الثاني في شروط النهي عن المنكر. ‌و لا يجب النهي عن المنكر ما لم تكمل شروط أربعة‌: الأول: أن يعلمه منكرا ‌ليأمن الغلط في الإنكار. الثاني: و أن يجوز تأثير إنكاره ‌فلو غلب على ظنه أو علم أنه لا يؤثر لم يجب. الثالث: و أن يكون الفاعل له مصرا على الاستمرار‌فلو لاح منه أمارة الامتناع أو أقلع عنه سقط الإنكار. الرابع: و أن لا يكون في الإنكار مفسدة ‌فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب)‌.

الظاهر ان هذه الشروط شرط للامر بالمعروف ايضاً فلا وجه لتخصيصها بالنهي عن المنكر ولعله اراد كلاهما وذكر احدهما لوضوح مشاركة الآخر معه او كما قيل لان الامر بالمعروف مساوق للنهي عن ترك المعروف وهو محرم، و قد ناقشنا هذا التعبير الا مسامحة و على كل حال مشاركتهما في هذه الشروط من المسلمات وصرح بها فقهائنا الذين تطرقوا لمسألة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر رضوان الله عليهم.

الشرط الاول الذي ذكره المصنف هو: (أن يعلمه منكرا ‌ليأمن الغلط في الإنكار). هذا الشرط لابد من تحققها في الآمر والناهي و ظاهر كلام المصنف انه جعلها من شروط الوجوب حيث قال في بدء كلامه : في شروط النهي عن المنكر. ‌(و لا يجب النهي عن المنكر ما لم تكمل شروط أربعة‌) لان الفرق بين شرط الوجوب وشرط الواجب ان في الاول لا وجوب كي يستوجب تحصيل مقدمته بخلاف الواجب فالشرط فيه يعود الى تحقق الامتثال، فالأول كالاستطاعة بالنسبة الى الحج والثاني كالاحرام بالنسبة الى اداء واجب الحج.

قال في المسالك: ( و قد يناقش في اعتبار الشرط الأوّل، نظرا إلى أنّ عدم العلم بالمعروف و المنكر لا ينافي تعلّق الوجوب بمن لم يعلم، و إنّما ينافيه نفس الأمر و النهي، حذرا من الوقوع في الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف. و حينئذ فيجب على من علم بوقوع المنكر أو ترك المعروف، من شخص معيّن في الجملة، بنحو شهادة عدلين، أن يتعلّم ما يصح معه الأمر و النهي، ثمَّ يأمر أو ينهى، كما يتعلّق بالمحدث وجوب الصلاة، و يجب عليه تحصيل شروطها. و حينئذ فلا منافاة بين عدم جواز أمر الجاهل و نهيه حالة جهله).

وقد ردّ على هذا الكلام في الجواهر بقوله: (و فيه- مع أنه مناف لما سمعته من الأصحاب من دون خلاف فيه بينهم كما اعترف به في المنتهى- أنه مناف أيضا لما في خبر مسعدة السابق الذي حصر الوجوب فيه على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، بل يمكن دعوى أن المنساق من إطلاق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو ما علمه المكلف من الأحكام من حيث كونه مكلفا بها، لا أنه يجب أن يتعلم المعروف من المنكر زائداً على ذلك، مقدمة لأمر الغير و نهيه اللذين يمكن عدم وقوعهما ممن يعلمه من الأشخاص، و أما ما ذكراه من المثال فهو خارج عما نحن فيه، ضرورة العلم حينئذ بتحقق موضوع الخطاب بخلاف مَن فَعل أمرا أو ترك شيئا و لم نعلم حرمة ما فعله و لا وجوب ما تركه، فإنه لا يجب تعرف ذلك مقدمة للأمر و النهي لو فرضنا كونهما منه، بل أصل البراءة محكم، و هو مراد الأصحاب بكونه شرطا للوجوب، و اللّٰه العالم).

انه رضوان الله عليه تمسك في الرد على جعل العلم بالمعروف والمنكر شرط الواجب دون الوجوب اولاً: ظاهر فتاوى الفقهاء من جعله شرطا للوجوب، ثانياً: بمافي خبر مسعدة من انه: "انما يجب على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر" ثالثاً: سياق ادلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يفيد الامر والنهي بما علمه معروفا او منكرا لعمل نفسه لا لأمر الآخرين ونهيهم. رابعاً: ما جائوا به كمثال للواجب من انه اذا تيقن بترك واجب او فعل منكر من خلال قيام البينة، فانه خارج عن محل الكلام او فقل اَخَصّ منه لانّه خاص بظرف العلم بتحقق ترك الواجب وفعل المنكر الذان هما موضوع الخطاب في ادلتهما، بخلاف من فعل أمراً أو ترك شيئاً و لم نعلم حرمة ما فعله و لا وجوب ما تركه، فإنه لا يجب تعرف ذلك مقدمة للأمر و النهي. خامساً: ان اصل البرائة من وجوب معرفة المعروف والمنكر للامر والنهي بهما تفيد نا عدم الوجوب لانه من الشك في التكليف. وبهذا اثبت في الجواهر عدم وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على الجاهل بهما فالعلم عنده شرط للوجوب لا للواجب.