الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ادله المجوزین/تملک ما حواه العسکر/قتال اهل البغی/رکن الرابع/المهادنه/ احکام اهل الذمه/کتاب الجهاد

في الايام الماضية فرغنا عن ادلة المانعين من اخذ اموال البغاة مما حواه عسكرهم من آلات الحرب و الخيول وغيرها وقد ناقشناها بما لا مزيد عليه وتلخص الامر في ان تلك الادلة انما تدل على عدم جواز اغتنام ما في معسكر البغاة باطلاقها وعمومها، فلا مانع من اقامة دليل على الاستثناء لما حواه العسكر الذي هو محل الخلاف.

واليوم نريد ان نتناول ادلة المجوزين كي نرى مدى دلالتها حتى نستخلص ماهو نتيجة النقاش حسب الصناعة في الفقه فنقول:

اما المجوزون فاستندوا ايضاً بأدلة اليك سردها مما استخرجناه من كلمات فقهائنا العظام:

اولاً: باجماع الفرقة.

ثانياً: استدلوا بما رواه ابن أبي عقيل أنه روي انّ رجلاً من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين ما عدلت حين تُقسِّم بيننا أموالهم و لا تقسّم بيننا نساءهم و لا أبناءهم، فقال له: إن كنت كاذباً فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف، و ذلك انّ دار الهجرة حرمت ما فيها و دار الشرك أحلّت ما فيها، فأيّكم يأخذ امّه من سهمه[1] الحديث.

ثم قال العلامة و الأقرب ما ذهب إليه الشيخ في النهاية. و صحح سنده بقوله: (ما رواه ابن أبي عقيل و هو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته و معرفته)[2]

ثالثاً: لأنّ البغاة عند بعض علمائنا كفّار، لما تقدّم، فجاز قسمة أموالهم.

رابعاً: لأنّ بعض الشيعة جوّز سبي ذراريهم فأموالهم أولى.

خامساً: لأنّه قول الأكثر فيتعيّن المصير إليه، إذ تطرق الغلط إلى الأكثر أندر من تطرّقه إلى الأقل، فيغلب على الظنّ صواب حكم الأكثر و خطأ الأقل

سادساً: ما رواه أبو حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين- عليهما السلام-: إنّ عليا- عليه السلام- سار في أهل القبلة، بخلاف سيرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في أهل الشرك، قال: فغضب ثمَّ جلس، ثمَّ قال: سار فيهم و اللّه بسيرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم الفتح، انّ عليا- عليه السلام- كتب الى مالك و هو على مقدمته يوم البصرة: لا تطعن في غير مقبل و لا تقتل مدبرا و لا‌ تجهز على جريح، و من أغلق بابه فهو آمن. فأخذ الكتاب فوضعه بين يديه على القربوس ثمَّ قال قبل أن يقرأه: اقتلوا فقتلهم حتى أدخلهم سكك البصرة، ثمَّ فتح الكتاب فقرأه ثمَّ أمر منادي ينادي بما في الكتاب.[3]

الظاهر وجه الاستدلال بهذه القصة لجواز اخذ اموالهم هو مشاركة اهل البغي مع مشركي مكة في الحكم، وحكم الاولي في المشركين جواز اغتنام اموالهم فكذلك اهل البغي الّا انّ المجمع عليه ومفاد كثير من الروايات عدم جواز اغتنام اموال اهل البغي وقدر المسلم ما في بيوتهم وعقاراتهم من غير ما حواه العسكر فيبقى الباقي وهو ما حواه العسكر في اطلاق المشابهة و هذ الدليل تمسك به العلامة ثم قال: (لا يقال: إنّ المراد تنافي هذه الأحكام. لأنّا نقول: تفصيل هذه الأحكام لا ينافي إرادة العموم[4] ). وما شرحنا لكم، يمكن جعله مراد العلامة في المختلف.

سابعاً: ما عن حفص بن غياث، عن الصادق- عليه السلام- الى أن قال: و كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين- عليه السلام- ما كان من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الى أهل مكة يوم فتح مكة، فإنّه لم يسب لهم ذرية، و قال: من أغلق بابه و ألقى سلاحه و أدخل دار أبي سفيان فهو آمن، و كذلك قال أمير المؤمنين- عليه السلام- فيهم: لا تسبوا لهم ذرية و لا تتمّوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن[5] "

والاستدلال على هذه الرواية انما تتم على التوجيه الذي بيناه في رواية ابي حمزة.

ثامناً: بقوله تعالى: «فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي[6] » أمر بقتالهم، و لم يفرّق بين أن يقاتلوا بسلاحهم و على دوابهم أو بغير ذلك.

تاسعاً: و لأنّ عصمة النفس أولى من عصمة المال، فاباحة المال أولى من اباحة النفس.

عاشراً: ما عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي في الحسن، عن الصادق- عليه السلام- قال: (إنّ أبي حدثني- و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: من ضرب الناس بسيفه و دعاهم الى نفسه و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف[7] و إذا كان ضالا جاز قسمة ماله.

اما الاجماع فيرده شيوع قول المخالف.

اما رواية ابن ابي عقيل فضعيف بالارسال ونَقلُ فقيه من فقهائنا ولو كان عادلاً خبيراً لا يعطيها الحجية.

ثانيا: انما تدل على الجواز اذا كان عتب الامام له لكذبه في نفي العدالة عنه عليه السلام بينما ظاهر الكلام ان عتب الامام لانه نسب اليه تقسيم اموالهم ويشهد بذلك قول الامام عليه السلام: (ذلك انّ دار الهجرة حرمت ما فيها و دار الشرك أحلّت ما فيها)

وثالثاً: كونهم كفار فقهياً ليس بصحيح كما بيناه سابقاً وانما هم كفار في الواقع وذلك لا يترتب عليه احكام الكفار والمشركين.

ورابعاً: لم يفت لأحدٌ من فقهاء الشيعة بجواز سبي نسائهم ولو افتى كان مردوداً فلا يمكن الحكم بجواز اخذ اموالهم بمدلول الاولوية.

وخامساً: لا دليل على لزوم اتباع الاكثر لانهم ابعد من الخطاء من الاقل؟ وعلى فرض قبول هذه الكبرى وايجابه الظن بالحكم لا يجوز الفتوى على ملاك الظن فانه لا يغني من الحق شيئاً.

وسادساً: روایة ابي حمزة انما تدل على عفو امير المؤمنين من بغاة اهل القبلة كما عفا رسول الله عن مشركي مكة ولا تدل على ايّ مشابهة اخرى، فلا يمكن الاستدلال على استحقاق اهل البغي لنهب و اغتنام اموالهم.

وسابعاً: نقول في حديث حفص ما قلناه في حديث ابي حمزة.

وثامناً: ان قوله تعالى : "فقاتلوا التي تبغي"بصدد الايجاب والتحريض الى قتال الطائفة الباغية ولا اطلاق فيها لنوعية السلاح وغيرها من الامور التي ليست بصدد بيانها.

وتاسعاً: اولوية المال بالاباحة من النفس مجرد استحسان، وقياسٌ مع الفارق، لأنّ حلية دمائهم انما تكون لدفع شرهم عن المظلومين ولكن مالهم لهم على شرط الحياة ولورثتهم على فرض الممات.

وعاشراً: ان فحديث عبدالكريم بن عتبة قوله: (من ضرب الناس بسيفه و دعاهم الى نفسه و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف) كلام الامام عليه السلام ولكن الفقرة الاخيرة وهي: (و إذا كان ضالا جاز قسمة ماله) ليس من الحديث وانما هي من استنباط العلامة من الحديث وهذا الكبرى غير صحيحة باطلاقها.

وبما بيناه علمنا ان هناك ادلّة كافية شافية على حرمة اغتنام اموال اهل البغي، كما عليه الفريقين ولم يثبت من الشيعة قائل بخلافها ولم نجد دليلا يناحض لتلك العمومات والمطلقات، فنقول:

الأظهر عدم جواز اغتنام ما حواه العسكر من اموال البغاة. ومما يقوي ما قلناه ما ذكره صاحب الجواهر (ره) في عدم جواز اخذ ما حواه العسكر انه: (لم يحك من فعل أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو الأصل في حكم البغاة كما اعترف به المؤالف و المخالف مراعاة شي‌ء من ذلك، بل لعل المتحقق خلافه، نعم قد أخذ الناس ما أخذوا و فيهم الأعراب و غيرهم ممن لا معرفة و لا مبالاة له في هذه الأمور، و لذا نادى مناديه بما سمعت، و غرم للمدعي بيمينه).[8]

نعم لو كان السلاح والعتاد التي يملكونها فوق المتعارف لآحاد الشعب المسالمين وبقائها بايديهم يجعل خطر الكرة على المسلمين مرة اخرى، فللامام ان يخلعهم عن تلك الاسلحة و ياخذها لجيش المسلمين المسالمين تحت رعايته درءاً للفتنة و خطر اشعال الحرب.

 


[1] حياة إبن عقيل وفقهه، إبن عقيل حذاء عماني، ص434.
[2] المختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج4، ص451.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص33.
[4] المختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج4، ص452.
[5] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص12، ط اسلامیة.
[6] الحجرات/السورة49، الآية9.
[7] المختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج4، ص452.
[8] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، ج21، ص342.