الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: لو اوصی الذمه ببناء الکنیسة/فرع الرابع/المهادنه/ احکام اهل الذمه/کتاب الجهاد

قال المصنف: (الرابعة لو أوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيعة لم يجز لأنها معصية و كذا لو أوصى بصرف شي‌ء في كتابة التوراة و الإنجيل لأنها محرّفة، و لو أوصى للراهب و القسيس جاز كما تجوز الصدقة عليهم( [1]

قال في الجواهر تعليقا على بِيعَة: (أو غير ذلك معبداً لهم و محلّاً لصلاتهم و نحوها من عباداتهم الباطلة و رجع الأمر إلينا لم يجز لنا إنفاذها لأنها معصية و الوصية فيها غير جائزة إجماعاً في المنتهى و محكي التذكرة و غيرهما، بل هو محصل)[2]

ظاهر كلام الجواهر ارجاع عدم الجواز الى التنفيذ بواسطتنا، ثم قوله: (والوصية فيها غير جائزة) ظاهر في عدم صحة وصيتهم.

ولكن يظهر من كلام المصنف نفي الجواز منهم و الثمرة تظهر في الرخصة لانفاذها بواسطتهم ايضاً

ثم يقول: و عن الشهيد «أن هذا ليس على إطلاقه، بل هو في موضع ليس لهم الإحداث فيه») و فيه أن عدم جواز انفاذنا لها اذا رجع الامر إلينا باعتبار كونها معصية في نفسها، و هو المراد من عدم صحتها، فإن لم يرجع الأمر إلينا لم يكن لنا التعرض لهم فيما يقتضيه شرعهم).[3]

ويمكن المناقشة في كلام الجواهر

اولاً: للتهافت بين صدر كلامه وذيله، حيث قال في الصدر: (والوصية فيها غير جائزة) وهذا الكلام ظاهر في بطلان وصيتهم، وفي الذيل قال: (عدم جواز إنفاذنا لها إذا رجع الأمر إلينا باعتبار كونها معصية في نفسها، و هو المراد من عدم صحتها، فإن لم يرجع الأمر إلينا لم يكن لنا التعرض لهم فيما يقتضيه شرعهم) وهذا الكلام منه ظاهر في صحة وصيتهم.

ثانياً:يدعي الاجماع المنقول بل المحصل ثم ذكر خلاف الشهيد في المسألة.

ثالثاً: يمكن المناقشة في اصل المسألة من كون الوصية ببناء الكنيسة معصية، فان اهل الكتاب يمتازون على المشركين بكتابهم وكنائسهم وعبادتهم لله وهي التي تصونهم عن كثير من المعاصي والكتابي الملتزم بدينه، افضل من الفاسق الفاجر منهم. قال تعالى: (وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ... قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْ‌ءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَ كُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[4] وقد لام الله اهل الكتاب بعدم التزامهم بما فيه: قال تعالى: (وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ مَا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ كَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَ كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ آتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ هُدًى وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [5]

وقال الجواهر في الوصية بكتابة العهدين: ( فصارت من كتب الضلال، قال اللّٰه تعالى شأنه «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ» و قال: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ»‌ و روي «أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله خرج يوما من داره فوجد في يد عمر صحيفة فقال: ما هي: فقال: من التوراة، فغضب عليه و رماها من يده، و قال: لو كان موسى و عيسى عليهما السلام حيين لما وسعهما إلا اتباعي».[6]

ويمكن المناقشة في هذه الادلة ايضاً بأن نقول:

الآية الاولى مسبوقة بقوله: "من الذين هادوا" فلا يشمل كل اليهود، والآية الثانية هي قوله تعالى: "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [7] فيتحدث عن جهلائهم واهل الافتراء والدجل منهم، فلا يشمل الجميع.

اما الرواية مضافاً الى ضعف سندها لايدل على ترجيح عدم هذه الكتب من وجودها، بل تفيد عدم جواز الاعتناق بها وترك الاسلام، ولعل رسول الله كان يخاف عليهم تأثرهم من اليهود. نعم اذا كان نشرهذه الكتب في اوساط المسلمين يؤثر في ميل المسلمين الى تلك النحل الباطلة فلا يجوز نشرها قطعا ولكن موضع البحث اوساط اهل الكتاب.

ثم ما ورد في آخر مقطع من هذه المسألة وهو قوله: (و لو أوصى للراهب و القسيس جاز كما تجوز الصدقة عليهم) [8] فالوجه فيه انهما لهم حق الحياة و نفوسهم محترمة فلا باس بالاحسان اليهم.

قال المصنف: (الخامسة يكره للمسلم أجرة رم الكنائس و البيع من بناء و نجارة و غير ذلك). [9]

وعلق عليه الجواهر بقوله: (و لا يحرم بلا خلاف أجده، بل قد مر ما عن المنتهى من الاتفاق على جواز رم ما انشعب منها، و لعل الوجه في الكراهة بعد التسامح فيها أنه نوع إعانة لهم على ما يفعلونه، من المحرمات فيها من صلاة و نحوها). [10]

هذا الوجه وجيه لا للصلاة ونحوها بل لغيرها من المحرمات من عبادة غير الله فيها او ردهم على المسلمين او سعيهم في اضلال المسلمين.

 


[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص306.
[2] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص320.
[3] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص321.
[4] مائدة/السورة12، الآية66 و 68.
[5] مائدة/السورة12، الآية43 و 47.
[6] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص320.
[7] بقرة/السورة12، الآية78 و 79.
[8] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص306.
[9] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص306.
[10] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص320.