الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: اعاده الرجال/فرع الثانی/المهادنه علی ما لایجوز/ المهادنه/ احکام اهل الذمه/کتاب الجهادان المصنف بعد ما اكمل الحديث عن عدم جواز اعادة النساء المسلمات الى الكفار قال:

(أما إعادة الرجال ف‌ من أمن عليه الفتنة بكثرة العشيرة و ما ماثل ذلك من أسباب القوة جاز إعادته، و إلا منعوا منه. و لو شرط في الهدنة إعادة الرجال مطلقاً قيل: يبطل الصلح‌ ‌لأنه كما يتناول من يؤمن افتتانه يتناول من لا يؤمن، و كل من وجب رده لا يجب حمله و إنما يخلى بينه و بينهم).[1] [2]

بما ان في مسألة رد الرجال لم يرد نص من طرقنا فلابد من الرجوع الى مقتضى القواعد الفقهية، فنقول: ان تم عقد الهدنة مطلقاً من دون اشتراط اعادة الرجال فيه، فلا يجب على الامام اعادة الرجال قطعاً، بل لا يجوز ايضاً كما قال صاحب الجواهر: (لا خلاف بل و لا إشكال في عدم وجوب إعادة أحد منهم جاء إلينا مسلما مع إطلاق الهدنة الذي لا يقتضي أزيد من الأمان على أنفسهم و أموالهم، بل لا‌يجوز إعادته أو التمكين من قهره على ذلك) و قد اقام الامام الخامنئي دام ظله على عدم جواز ردهم الى الكفار ثلاثة ادلة خلاصتها: (الأول: حرمة الظلم و هذا ظلم،... الثاني: عموم لا ضرر و لا ضرار في الإسلام، سواء كان بمعنى عدم تشريع الحكم الضرري في الإسلام، أو كان بمعنى حرمة الإضرار و النهي عنه....و الثالث: عدم جواز التصرف في نفس المؤمن، و عدم الولاية عليها لأحد...)[3] ثم ان انطباق هذه العناوين على ردهم بمعنى تسليمهم للكفار امر واضح.

اما ان قلنا ان المراد من الردّ هو تخلية المانع عن جلبهم و اخذهم معهم كما اختار المصنف هذا المعنى بقوله: (و كل من وجب رده لا يجب حمله و إنما يخلى بينه و بينهم) [4] فان انطباق هذه الادلة عليه مشكل. لانّ الظلم هو الإعتداء ‌ على الغير بايراد الضرر عليه او سلب حقه او منعه عن حقه، وفي المفروض ان الامام والمسلمون لم يسلبوا عنه حقاً و لا منعوا عنه حقاً ولم يوردوا عليه مكروهاً، وما أضرّوه بشيئ، و لم يتصرفوا في نفسه او ماله، و انما لم يدافعوا عنه، فلم ينطبق شيئ من هذه الامور الثلاثة على عدم الدفاع عنه.

ولكن يمكن المناقشة في هذا الكلام بان من الواجب شرعا الدفاع عن المظلوم و ردّ الظلم عنه وهذا حق جعل الله على عاتق المسلمين حتى اوجب القتال في طريق الدفاع عن المظلومين فقال: "وَ مَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً"[5] وقد نطق بهذا الحق نصوص كثيرة اليك نماذج:

منها: ما عن الكليني عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْمَأْمُونِ الْحَارِثِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع : "مَا حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ قَالَ إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمَوَدَّةَ لَهُ فِي صَدْرِهِ وَ الْمُوَاسَاةَ لَهُ فِي مَالِهِ وَ الْخَلَفَ لَهُ فِي أَهْلِهِ وَ النُّصْرَةَ لَهُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَ إِنْ كَانَ نَافِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَ كَانَ غَائِباً أَخَذَ لَهُ بِنَصِيبِهِ وَ إِذَا مَاتَ الزِّيَارَةَ إِلَى قَبْرِهِ وَ أَنْ لَا يَظْلِمَهُ وَ أَنْ لَا يَغُشَّهُ وَ أَنْ لَا يَخُونَهُ وَ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ" [6]

في سنده منصوربن يوسف وهوبزرج ابو يحيى وقيل ابو سعيد، واقفي كوفي وثّقه النجاشي لكن ابو المامون الحارثي مجهول.

واما الدلالة فجعل من حق المؤمن النصرة له وان لايخذله.

و منها ما رواه عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لِي تُحِبُّهُ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لِي وَ لِمَ لَا تُحِبُّهُ وَ هُوَ أَخُوكَ وَ شَرِيكُكَ فِي دِينِكَ وَ عَوْنُكَ عَلَى عَدُوِّكَ وَ رِزْقُهُ عَلَى غَيْرِكَ".

في سنده حفص بن البختري وهو مولى بغدادي اصله كوفي وثقه النجاشي فالسند صحيح

واما الدلالة فجعل الامام عليه السلام الاخ الايماني عون اخيه على عدوه. وهذا اخبار عن التكليف.

ومنها ما رواه عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَ لَا يَخْذُلُهُ وَ لَا يَغْتَابُهُ وَ لَا يَخُونُهُ وَ لَا يَحْرِمُهُ قَالَ رِبْعِيٌّ فَسَأَلَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ فُضَيْلًا يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ- الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَ لَا يَغُشُّهُ وَ لَا يَخْذُلُهُ وَ لَا يَغْتَابُهُ وَ لَا يَخُونُهُ وَ لَا يَحْرِمُهُ". [7]

في سنده ربعي وهو بن عبد الله بن الجارود و كان من خواص فضيل بن يسار وثقه النجاشي فالسند صحيح جيد وقوله لا يخذله و لايحرمه دال على المقصود.

ومنها ما رواه عن محمد بن يحيى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْهَجَرِيِّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ لَهُ سَبْعُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ... حتى قال: وَ الْحَقُّ الثَّالِثُ أَنْ تُعِينَهُ بِنَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ لِسَانِكَ وَ يَدِكَ وَ رِجْلِكَ" [8]

في سنده علي بن حكم هو بن زبير النخعي الكوفي وثقه الشيخ بقوله: (علي بن الحكم الكوفي ثقة جليل القدر) وفيه عبد الله بن بكير وهو ان كان الارجاني بن العين فعده الكشي من جماعة الفطحية التي هم من اجلة الفقهاء العلماء ووثقه الشيخ في الفهرست، ولكن في السند لقبه بالهجري الذي ذكره النجاشي من دون تعليق من الجرح والوثاقة وعن احواله فهو مردد بين الوثاقة والجهالة فلا يعتمد عليه. والدلالة واضحة في قوله عليه السيلام: "تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك".

هذه نماذج من تلك النصوص وهي بتعابير مختلفة مما يورث العلم بان الشارع لا يرضى باهمال امر المسلم خصوصا في امر دينه و دمه. مضافا على ما استدل به صاحب الجواهر وذكر مضمونه الامام الخامنئي في بحث الهدنة.

واليك محصل الدليل بالاختصار: مادام الهجرة واجبة على المسلمين الذين هم في بلاد الشرك صيانة لدينهم و تمهيداً للاجواء المناسبة ليعيشوا طقوسهم الدينية و واجباتهم الشرعية فعودهم الى تلك البلاد حرام بنفس المناط، و النهي عن المنكر واجب قولاً وفعلاً فمساعدتهم لترك العود واجب لعدم وقوعهم في المنكر فلا يجوز تركهم بمتناول يد المشركين ليرغموهم على العودة.

 


[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص304.
[2] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص307.
[3] المهادنة السید علی الحسینی الخامنئه ای، ص43.
[4] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص305.
[5] النساء/السورة4، الآية75.
[6] الکافی، الشیخ الکینی، ط الاسلامیة، ج2، ص166، ح6.
[7] الکافی الشیخ الکلینی، ط الاسلامیة، ج2، ص167.
[8] الکافی الشیخ الکلینی، ط الاسلامیة، ج2، ص169.