الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: طلب الزوجه المهر/فرع الثانی/المهادنه علی ما لایجوز/ المهادنه/ احکام اهل الذمه/کتاب الجهاد

كما تعلمون ان المصنف ذكر فرعان في خاتمة بحثه عن شروط الهدنة وقد فرغنا في بحثنا قبل السفر عن الفرع الاول منهما وهو قوله:(إذا قدمت مسلمة فارتدت لم تردّ ‌لأنها بحكم المسلمة)[1]

اما الفرع الثاني وهو قوله: (لو قدم زوجها و طالب المهر فماتت بعد المطالبة‌، دفع إليه مهرها و لو ماتت قبل المطالبة لم يدفع إليه و فيه تردد، و لو قدمت فطلّقها بائناً لم يكن له المطالبة، و لو أسلم في العدّة الرجعية كان أحق بها، أما إعادة الرجال ف‌ من أمن عليه الفتنة بكثرة العشيرة و ما ماثل ذلك من أسباب القوة جاز إعادته، و إلا منعوا منه. و لو شرط في الهدنة إعادة الرجال مطلقاً قيل: يبطل الصلح‌ ‌لأنه كما يتناول من يؤمن افتتانه يتناول من لا يؤمن، و كل من وجب رده لا يجب حمله و إنما يخلى بينه و بينهم. و لا يتولى الهدنة على العموم و لا لأهل البلد و الصقع إلا الإمام أو من يقوم مقامه).[2]

قلنا ان هذا الفرع ينحل الى فروع: منها: قوله:( لو قدم زوجها و طالب المهر فماتت بعد المطالبة‌، دفع إليه مهرها)[3] لقول الله تعالى: "وآتوهم ما انفقوا" بالبيان الذي فرغنا عنه فلا نعود اليه.

ومن تلك الفروع قوله: (و لو ماتت قبل المطالبة لم يدفع إليه و فيه تردد) ،[4] وقد بحثنا عنه قبل التعطيل ولكن اهمية المطلب تتطلّب اعادة النظر بالاختصار مضافاً الى ما وصلنا اليه من الرأي الجديد فيه.

محصل الكلام فيما اذا ماتت الزوجة قبل مطالبة الزوج للمهر احتمالان: احدهما: عدم استحقاق الزوج شيئاً وهو اشهر القولين، و دليل هذا القول انّ سبب استحقاق الزوج لاستعادة المهرهو حيلولة الاسلام بينهما، وفي الفرض ان الموت صار حائلا بينهما، لا الاسلام فلا يستحق الزوج شيئاً.

والاحتمال الثاني: استحقاق الزوج للمهر، لانّها اولاً: حال الاسلام بينهما شرعا بمجرد اسلامها فيستحق الزوج للمهر، ثانياً: من قوله تعالى: "وَ آتُوهُمْ مٰا أَنْفَقُوا [5] مطلق يشمل وجوب دفع المهر اليهم ولو لم يطالبوا به، ثالثاً: ان شككنا في ذلك فاستصحاب استحقاق المطالبة قبل موتها يفيد بقاءه بعد موتها.

و اُشكِل على الاستصحاب : بان الأصل عدم استحقاق المطالبة، لان الزوج بعد دخوله على زوجته لا يستحق استعادة المهر، وقد استثني من ذلك ما اذا اسلمت الزوجة والقدر المتيقن منه هو اذا استعاد الزوج المهر قبل موت زوجته، و في المشكوك المرجع هو القاعدة التي تفيد ثبوت ملكية الزوجة للمهر بالدخول، فيفيد عدم استحقاق الزوج لاستعادة المهر بعد موتها.

والتحليل العلمي للمسئلة: ان اللذي يسوِّغ للزوج استعادة المهر هو عدم تمكينها له، لحرمتها عليه بالاسلام فهو من قبيل السالبة بسلب المحمول، ولكن في ظرف موت الزوجة لا وجود لها حتى تكون ممنوعة عنه بالاسلام، فيكون من السالبة بسلب الموضوع فلا وجه لاستحقاقه للمهر.

كما اذا منع الزوج عن مضاجعة زوجته مانعٌ من جنون او مرض او سجن اوغيرها من الموانع فلا يستحق الزوج استعادة المهر لحرمانه عن المضاجعة.

فنقول: ان الميزان في ترجيح احد القولين اتخاذ موقفنا في انه هل حق الزوج في استعادة المهر ناشئ من مجرد اسلام الزوجة الذي هو موجب لانفصام الزوجية بينهما شرعاً في قوله "وَ آتُوهُمْ مٰا أَنْفَقُوا" ؟ فموتها او عدم تمكن الزوج عن مطالبة المهر لقصور فيه، لا يستلزم سقوط حقه في المهر، حتى اذا مات الزوج بعد اسلام زوجته فحق المهر يرثه ورثة الزوج.

او ان الحيلولية الفعلية عن المضاجعة هي اللتي تأتي للزوج بحق استعادة المهر، فاذا استعاد فعلا يجب عليهم اعادته إليه. اما اذا لم يطالب المهر بأي سبب سواء كان لسلب الموضوع كما اذا ادرك زوجته بعد وفاتها، او كان لقصورٍ فيه من جنون او مرض او مانع آخر فيه فلم تتم المطالبة من قبله، فلا يستحق المهر وليس له المطالبة بعد اوانها، ففي ما نحن فيه حيث لم يدرك زوجته الا بعد موتها فليس له المطالبة و لا يستحق شيئاً. وقلنا في الاسبوع الماضي والاول اقرب واظهر، اي ان حق المطالبة ناشئ عن اسلامها الذي كان سبباً لانفصالهما عن الزوجية من حينه.

ولكن اخيراً عند ما تأمّلنا في الآية بادر الى ذهننا نقطة صرفتنا عن الرأي السابق فرجحنا عدم استحقاقه للمهر في المفروض.

واليك بيانها: عند ما نتأمل في الآية انّها توجِّه الخطاب الى المسلمين لا الى الزوجة ومن ينفذ مثل هذه الاحكام هو الامام والحاكم الشرعي من بيت المال، فبما انّ الحكومة هي اللتي تمنعه عن ضم زوجته اليه تعوّضه بالمهر، اما اذا ماتت الزوجة او كان العذر من الزوج من مطالبة زوجته فليس له حق على الحكومة والامام، فتأمل جيداً. فما اختاره صاحب الجواهر والشهيد الثاني حيث قال في منشأ التردد: (منشؤه من أنّ الحيلولة حصلت بالموت، فلا يستحقّ مهرا، و من سبق الإسلام‌ عليه الموجب للحيلولة، فيجب. و يشكل بأنّ الاستحقاق مشروط بالمطالبة، لا بمجرد الحيلولة، و لم يتحقّق إلّا بعد الموت، فلم يؤثر، إذ لم يمنع حينئذ منها، و إنّما منعه الموت. و الأقوى أنّه لا شي‌ء له). [6]

 


[1] شرائع الاسلام، العلامة الحلی، ج1ص304.
[2] شرائع الاسلام، العلامة الحلی، ج1ص304.
[3] شرائع الاسلام، العلامة الحلی، ج1ص304.
[4] شرائع الاسلام، العلامة الحلی، ج1ص304.
[5] الممتحنة/السورة60، الآية10.
[6] مسالک الافهام، الشهید الثانی، ج3، ص85.