الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : کتاب الجهاد/ مهادنة / مسائل حول المهادنة

كان بحثنا حول كلام المصنف حيث قال:(و لو وقعت الهدنة على ما لا يجوز فعله لم يجب الوفاء مثل التظاهر بالمناكير و إعادة من يهاجر من النساء فلو هاجرت و تحقق إسلامها لم تُعد لكن يعاد على زوجها ما سلّم إليها من مهر خاصة إذا كان مباحا و لو كان محرما لم يعد و لا قيمته[1] ).

وقد استدلوا في هذه المسألة بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَ لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَ اسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [2] ،

وما ورد من الروايات في ذيلها وهي روايات عامة جمعها الطبرسي في مجمع البيان واليك نصه: (قال ابن عباس: صالح رسول الله ص بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة ردّه عليهم و من أتى أهل مكّة من أصحاب رسول الله ص فهو لهم و لم يردّوه عليه، و كتبوا بذلك كتاباً و ختموا عليه، فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب و النبي ص بالحديبية، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم \وقال مقاتل هو صيفي ابن الراهب\ في طلبها و كان كافرا فقال يا محمد اُردد عليّ إمرأتي فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا منّا و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فنزلت الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ» من دار الكفر إلى دار الإسلام‌ «فَامْتَحِنُوهُنَّ» قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن ما خرجتُ من بغض زوج و لا رغبة عن أرض إلى أرض و لا التماس دنيا و ما خرجتُ إلا حبّاً لله و لرسوله، فاستحلفها رسول الله ص، ما خرجَت بغضاً لزوجها و لا عشقاً لرجل منّا و ما خرجت إلا رغبة في الإسلام، فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله ص زوجها مهرها و ما أنفق عليها و لم يردّها عليه، فتزوجها عمر بن الخطاب، فكان رسول الله ص يردّ من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء إذا امتحن و يعطي أزواجهن مهورهن[3] )

ثم ذكر في المجمع امثلة كثيرة ممن فرّق رسول الله بين من آمن من الرجال وبقي زوجته كافرة.

ثم بالنسبة الى عدم اعادة االنساء المسلمات الى ازواجهم الكفار قال: (و قال الجبائي لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا ردّ الرجال دون النساء و لم يجرِ للنساء ذكرٌ و أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله ص ردّها عليهما، فقال رسول الله ص إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردّها عليهما، قال الجبائي و إنما لم يجر هذا الشرط في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحلّ لزوجها الكافر فكيف تردّ عليه و قد وقعت الفرقة بينهما)[4]

و هذا القول اوقع في النفس مما قاله العلامة في المنتهى حيث قال: (و يجب على من عقد معهم الصلح إبطاله و نقضه؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عقد الصلح يوم الحديبيّة على أن يردّ إليهم كلّ من جاء منهم مسلما مهاجرا، فمنعه اللّه تعالى من ذلك و نهاه عنه؛ لقوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ الْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ[5] ) فلم يكن خطاءٌ من رسول الله ونقضٌ لما تعهّد به.

اما بالنسبة الى عدم اشتراط التظاهر بالمنكرات فانكره في الجواهر لعدم الدليل عليه ثم قال: (اللّٰهمّ إلا أن يستفاد من منعه في عقد الذمة منعه هنا، و هو كما ترى[6]

والظاهر انه اراد ان يرد هذا القياس فان من تحت الذمة هو العدو المنكوب الذي استسلم لحكم المسلمين واصبح يعيش تحت لواء الاسلام فلابد ان يلتزم بقوانين الظاهرة ولا يتجاهر بخلافها. اما عقد الهدنة فهو مع عدو له استقلاله ويعيش في ارضه وقد يكون اقوى من المسلمين ولا وجه لارغامهم باحكام الاسلام.

ومن ذلك نعرف ان ما عدّه العلّامة من شرط الباطل في الهدنة لا يمكن تسليمه حيث قال: (مثل أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم، أو دفع المال إليهم، مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك، أو أنّ لهم نقض الهدنة متى شاءوا، أو يشترط ردّ الصبيان أو الرجال، فهذه الشروط كلّها فاسدة تفسد عقد الهدنة، كما يفسد عقد الذمّة باقتران الشروط الباطلة به، كما قلنا:إنّه لو شرط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمّة، أو إظهار الخمور و الخنازير، أو يأخذ من الجزية أقلّ ممّا يجب عليهم) فهذه الشروط لا باس بها في عقد الهدنة الا رد النساء حيث ورد فيه النصو نقض الهدنة متى شاءوا لانه ينافي الامان، اما غيرها فاذا كان فيها مصلحة للمسلمين فلا مانع منه و قياسها بعقد الذمة قياس مع الفارق[7] .

كما قال في الجواهر: (أما إظهار المناكير في شرعنا دون شرعهم من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و نحو ذلك فلا دليل على فسادها به، ضرورة كون ذلك من أفعالهم لا أفعالنا، و الفرض عدم تمام التمكن منهم، بل عن الإسكافي «لو كان بالمسلمين ضرورة أباحت لهم شرطا في الهدنة فحدث للمسلمين ما لم يكن يجوز معه ذلك الشرط ابتداء لم‌ يجز عندي فسخ ذلك الشرط، و لا الهدنة لأجل الحادث، لقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و لأنه أمر بالوفاء بالعهد، و قد رد النبي صلى اللّٰه عليه و آله أبا بصير إلى المشركين بعد أن رجع إليه، « سيرة ابن هشام- القسم الثاني ص 323» و أمر النبي صلى اللّٰه عليه و آله حذيفة بن اليمان أن يفي للمشركين بما أخذوه عليه من أن لا يقاتل مع النبي صلى اللّٰه عليه و آله يوم بدر« المنتقى من أخبار المصطفى ج 2 ص 818[8] »،

وللكلام تتمة نذكرها غداً انشاء الله.

 


[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص304.
[2] الممتحنة/السورة60، الآية10.
[3] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، الشیخ الطبرسی، ج9، ص410.
[4] مجمع البيان فی تفسیر القرآن، الشیخ الطبرسی، ج‌9، ص411.
[5] منتهی المطلب، العلامة الحلی، ج15، ص128.
[6] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص301.6
[7] منتهى المطلب، العلامة الحلی ج15 ص128.
[8] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص301.