الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : کتاب الجهاد/ مهادنة / ادلة المهادنة / المناقشة فی ادلتها

كان بحثنا حول جواز اشتراط الامام لنفسه خيار النقض في اثناء مدة الهدنة فرأى صاحب الجواهر : جوازه وفاقا للاسكافي و الشيخ مستدلاً بالعمومات و خصوص‌النبوي «سنن بيهقي ج9ص224» المروي من طرق العامة «أنه لما فتح خيبر عنوة بقي حصن فصالحوه على أن يقرّهم ما أقرّهم اللّٰه، فقال لهم نقرّكم ما شئنا»‌ و في آخر «المصدر» أنه فعل الأول، و قياسا بجواز اشتراط الخيار في سائرالعقود اللازمة.

ثم قال: (نعم في المنتهى لا يجوز اشتراط نقضها لمن شاء منهما، لأنه يفضي إلى ضد المقصود، و فيه منع واضح ضرورة اقتضاء العمومات الجواز، فيفي لهم ما داموا على العهد[1]

و انّ الامام الخامنئي (دام ظله) بعد ما ذكر جواز اشتراط النقض للامام قال: (ثم إن القدر المتيقن من جواز ذلك، هو فيما جعل خيار النقض للإمام أي للطرف المسلم) ثم ذكر ادلته قريباً مما ورد في الجواهر ثم قال: (أما بالنسبة إلى اشتراط النقض لمن شاء من الطرفين فقد منع ذلك العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى بدعوى أن ذلك يفضي إلى ضد المقصود. و لكن في الجواهر استنكر ذلك مدعيا أن فيه منعاً واضحاً ضرورة اقتضاء العمومات الجواز، فيفي لهم ما داموا على العهد).

ثم قال سماحته (دام ظله) : (أقول: وضوح منع كلام العلامة (رحمه اللّه) في محله إن كان مراده من الإفضاء إلى ضد المقصود أنّ مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد و ذلك لأن هذا المقدار من المخالفة لمقتضى العقد لا يُدخل الشرط في عداد الشروط الممنوعة، كما في اشتراط الخيار من الطرفين في البيع. و أما إن كان مراد العلامة (رحمه اللّه) أن مثل هذا الاشتراط يخرج عقد الهدنة من عنوان كونه ذا مصلحة، فيوجب فساده من هذه الجهة، فله وجه. بيان ذلك: إن الإقدام بقبول الهدنة من قبل إمام المسلمين لا بد و أن يكون في مورد يحتاج المسلمون إلى اختتام الحرب و الحصول على الصلح و الهدوء، إما من جهة ضعفهم عن المقاومة، أو استلزام الحرب خسائر كبيرة تنافي مصلحة المسلمين، أو غير ذلك من المصالح التي أشرنا إليها في أول البحث. فلو فرض أن عقد الهدنة يقترن بما يهدد حالة الصلح و يجعله عرضة للانتقاض في كل زمان، فأي مصلحة فيه يعتمد عليها في المبادرة إليه؟ ‌ فنفس اشتراط مثل هذا الشرط ينافي وجود المصلحة في عقد الهدنة، الذي هو شرط في صحته. و ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه اللّه) في مقام التخلص عن هذا الإشكال من أن ولي أمر المسلمين يفي للكفار ما داموا على العهد، لا ينهض لذلك إذ المفروض أن نفس العود إلى حالة الحرب مخالف لمصلحة المسلمين، فمقابلة المسلمين للكفار في حال عدم الوفاء و عودهم إلى الحرب لا تكفي في حفظ المصلحة التي روعيت في الإقدام بعقد الهدنة. هذا مضافا إلى أن مثل هذا الشرط يجعل المسلمين في حالة الانفعال و ترصد الخطر، و يجعل الكفار في حالة المبادرة و التسلط، و عليه فلا يبعد التمسك لعدم جواز هذا الشرط بأمثال قوله تعالى (وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا).

هذا كله فيما لو كانت المصلحة التي لوحظت في عقد الهدنة، من قبيل ضعف المسلمين و أمثاله، مما يرجع إلى كون الحرب خلاف المصلحة لهم، و أما في غير ذلك من المصالح المفروضة مثل حسن السمعة في الأوساط العالمية، أو إتمام الحجة على الكفار الأعداء، أو فسح المجال للكفار رجاء ميلهم إلى الإسلام و ما إلى ذلك من المصالح، فجعل هذا الشرط، غير مفض إلى ضد المقصود، فلا يتأتى ما ذكرناه في توجيه كلام العلامة (رحمه اللّه).فحاصل الكلام: أن اشتراط نقض الهدنة لمن شاء من الطرفين لا يجوز فيما ينجرُّ إلى ضد المقصود و خلاف مصلحة المسلمين كما ذكرنا، و لا يشمله حينئذ عموم أدلة الشروط في المعاملات، و أولى منه في عدم الجواز ما لو اشترط نقض الهدنة للكافر دون ولي أمر المسلمين. و أما إذا لم ينجرّ الشرط إلى ذلك كالأمثلة التي ذكرناها أخيراً فيجوز في الموردين، و إن كان إشكال تسلط الكافرين على المؤمنين باق بحاله، في بعض الفروض فلا يجوز فيها، و اللّه العالم).[2]

بعد ما لاحظنا كلمات الجواهر (رحمه الله)و السيد الخامنئي (دام ظله) نقول: ان كان المراد من اشتراط النقض لكل طرف متى شاء اي له أن يُغير على جانب الآخر، فهذا ينافي مضمون الهدنة لان الهدنة بمعنى السكون،

جاء في الصحاح: (هَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سكَن. و هَدَنَهُ، أى سَكَّنَهُ، يتعدَّى و لا يتعدى. وَ هَادَنَهُ: صالحه، و الاسم منهما الهُدْنَةٌ.و منه قولهم: «هُدْنَةٌ على دَخَنٍ» أى سكونٌ على غِلٍّ.و تَهَادَنَتِ الأمور: استقامت).[3]

ولا تقاس الهدنة بالبيع وامثاله لان الاشتراط بهذا المعنى يعني عدم تحقق المهادنة، نعم يمكن ان نلتزم بجواز اشتراط نقض الهدنة لكل من الجانبين بعد الاشعار الى الجهة الاخرى وامهالها للخروج او تهيئة للحرب وعلى كل تقدير كما لا يجوز للامام أن يهادن الكفار المحاربين الا اذا كانت هناك مصلحة اقوى من الحرب. لا يجوز له ان يشترط شيئا فيها الا بعد توقع مصلحة فيه اقوي منها.

 


[1] الجواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص299.
[2] المهادنة السید علی الحسینی الخامنئه ای، ص32-33-34.
[3] الصحاح اللغة، الجوهری، ج6، ص2217.