الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : کتاب الجهاد/ مهادنة / ادلة المهادنة / المناقشة فی ادلتها

كان بحثنا في الادلة التي قام بها صاحب الجواهر على صحة قول المحقق وقد ذكرنا ستة منها في اليوم الماضي.

واما الدليل السابع: وهو(معلومية اعتبار المعلومية في كل أجل اشترط في عقدٍ[1]

انّ الامام الخامنئي بعد ذكر هذا الدليل من صاحب الجواهر قال:

(هو كلام متين لا بد من الخوض في مغزاه، فما أفاده (رحمه اللّه) من أن كل عقد اشتمل على أجل فإن الأجل فيه لا بد أن يكون معلوما، فقد سبقه في التفطن لذلك الشهيد الثاني في هذا المورد، حيث قال مستدلا لبطلان العقد في مجهول المدة: «أما في المجهولة المدة فلأنه عقد يشتمل على أجل فيشترط فيه العلم كغيره». و هو كلام يصدقه التتبع في الأبواب المختلفة في الفقه مثل: المزارعة، و المساقاة، و الإجارة و المتعة و غيرها، فراجع كلمات الفقهاء في ذلك[2] ).

فانّ جهالة المدة في نفس الامر يساوق عدم جعل المدة، وقد عبردام ظله عن هذه الحقيقة بقوله: (أن الجهالة بهذا المعنى تنافي معنى الأجل و حقيقته إذ الأجل عبارة عن نهاية المدة، فكل شي‌ء لم يعين له نهاية فليس يصدق عليه أن له الأجل[3] ).

وزاد السيد الخامنئي على ما ذكرناه بدليل آخر فقال: (ربما يستدل له بأن العقود غير صحيحة مع الجهالة، كما هو المعروف في‌ البيع و الإجارة و غيرهما،)

ثم اشكل على هذا الدليل بقوله: (فقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن جهالة العوضين في نفسها لاتضر حتى في مثل البيع و الإجارة، و ناقشوا في دلالة ما يدعى دلالته على ذلك من الروايات. و العجب أن المحقق الأردبيلي نفسه من جملة هؤلاء الذين لا يرون اعتبار العلم بالعوضين في البيع، و يجوّز البيع الجزافي كبيع الصبرة و يضعِّف الدليل المدعى على اعتبار معلومية العوضين. ‌و حينئذ فالمناقشة في صحة الهدنة من جهة مجهولية المدة فيها، غير وجيهة لا سيما من مثله.

نعم مانعية الغرر عن صحة العقد، أمر متفق عليه، إلا أن القدر المتيقن في ذلك هو الغرر في عقد البيع الذي ورد فيه الحديث المشهور المتلقى بالقبول بين علماء الإسلام، عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه نهى عن بيع الغرر، و هو معقد الإجماعات المنقولة في باب مانعية الغرر، و لو تعدينا عن البيع إلى غيره من جهة تنقيح المناط القطعي، فإنما نتعدى إلى عقود من قبيل الإجارة و أمثالها التي تشابه البيع في كثير من أركانه و إنما‌ ‌تختلف عنه ببعض الخصوصيات، و أما الهدنة فهي بمعزل تماما عن جريان الحكم المنصوص عليه في البيع إليها، لأن حقيقتها ليست مبادلة شي‌ء بشي‌ء، بل اتفاق من الطرفين على أمر واحد فيما بينهما، و هو ترك نائرة الحرب. و الحاصل: أن جهالة المدة في الهدنة لا تكون مضرة بصحة العقد من هذه الجهة، و لا يقاس عقد الهدنة بعقد البيع في أحكامه مع ذاك الفرق الشاسع بينهما[4] ).

اقول: ان مناقشته على المستدل بمانعية الجهالة عن صحة الهدنة قياسا بالبيع متين ودقيق لا نقاش فيها. و انما لنا ان ندافع عن الاردبيلي بانه جعل الجهالة في مدة الهدنة ليس قياسا بجهالة العوضين في البيع، بل جهلها مانعة عن صحة الهدنة لانه مساوق للهدنة المؤبدة فذهب الى بطلانها على مبنى القوم من ان صحة عقد الهدنة مشروطة بتعيين الاجل لها وتحديدها الى مدة معينة.

وهنا نريد ان نتطرق الى العقد المستثنى من كلامه حيث قال: (إلا أن يشترط الإمام لنفسه الخيار في النقض متى شاء[5] ) فانه نفى البطلان اذا شرط الامام لنفسه النقض متى شاء. واستدل الشهيد في المسالك على صحة الهدنة اذا اشترط الامام النقض لنفسه متى شاء: (بانتفاء الجهالة بعد حصول التراضي منهما، فإن ذلك واقع بمشية الجميع) و يرد عليه ان التراضي لا يوجب رفع الجهالة عن المدة على ما هو المفروض من عدم علم الطرفين بأن الإمام متى يشاء النقض؟.

ان الامام الخامنئي بعد الاشارة الى ما قلناه قال ما ملخصه: (أقول: يبدو أن الجهالة في هذا الباب لم تقصد بمعنى واحد في كلام المورد و المورد عليه، أعني المحقق و الشهيد الثانيين من جانب، و صاحب الجواهر من جانب آخر. و تبيين الحق في ذلك يتم بالتفريق بين قسمي الجهالة، فنقول: تارة يراد بجهالة الأجل، عدم علم الطرفين أو أحدهما به مع تعينه في الواقع، كما لو نسيا المدة مثلا أو كتباه في كتاب ثم ضاع الكتاب. و أخرى يراد بها الجهالة بمعنى عدم تعيّنه رأساً من أول الأمر، و هذه الجهالة هي الجهالة في مقام الثبوت و نفس الأمر. فالمدة المجهولة على هذا المعنى هي التي لم تعين من قبل المتعاملين، مع ذكر عنوان المدة و جعل المعاملة مقيدة بها، كما لو قالت في المتعة مثلا: زوجتك نفسي إلى مدة، ففي موارد الجهالة بهذا المعنى لا شك في أن جعل الخيار لأحد الطرفين أو لكليهما يوجب ارتفاع الجهالة بذاك المعنى لأن المدة تعينت في الواقع و نفس‌ الأمر و إن لم تتعين في علم المتعاملين. هذا هو الفرق الموضوعي بين النوعين من الجهالة، ثم بعد ما اتضح ذلك فلا بد من نقل الكلام إلى أن الجهالة التي أفتى العلماء في جميع أبواب الفقه بكونها لا تلائم جعل الأجل في كل ما اشترط فيه الأجل و أن الأجل لا بد و أن يكون معلوماً دائماً، أريد بها المعنى الثاني التي تضر دائما في كل عقد اشترط فيه الأجل، إذ الأجل عبارة عن نهاية المدة، فكل شي‌ء لم يعيّن له نهاية فليس يصدق عليه أن له الأجل، فلو كانت النهاية معينة بتعيين من قبل من له التعيين في المدة المأخوذة في العقد، فذلك هو الأجل، فحاصل الكلام: أن الجهالة بالمعنى الثاني تضر دائما في جميع العقود التي أخذ فيها أجل، و هي الجهالة النفس الأمرية، أعني بقاء الأمد مجهولا في الواقع و عدم تعيينه من ناحية من له حق التعيين. و أما الجهالة بالمعنى الأول أعني عدم علم أحد الطرفين أو كليهما بالأمد مع تعيينه واقعا، فتلك و إن كانت تضر في بعض العقود كالمتعة و غيرها و ذلك إنما يكون بدليل خاص في كل مورد إلا أنه لا دليل على كونها مضرة في جميع العقود إذ لا دليل على مانعية الجهالة في العقود كلها[6] .


[1] الجواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص299.
[2] المهادنة السید علی الحسینی الخامنه ای، ص32.
[3] المهادنة السید علی الحسینی الخامنه ای، ص32.
[4] المهادنة السید علی الحسینی الخامنه ای، ص32.
[5] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص304.
[6] المهادنة السید علی الحسینی الخامنه ای، ص32.