الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهادنة/ مدة المهادنة/احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

كان كلامنا في قول المصنف: (و يجوز الهدنة أربعة أشهر و لا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور و هل يجوز أكثر من أربعة أشهر قيل لا لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ و قيل نعم لقوله تعالى وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا و الوجه مراعاة الأصلح[1] ).

و قد ناقشنا ادلة جواز الهدنة الى اربعة اشهر كتابا وسنة، وقلنا لا يجوز الهدنة في ظرف وجوب القتال الا لمصلحة تفوق مصلحة الحرب وليس محصورا الى اربعة اشهر بل تابع للمصلحة.

واليوم نريد ان نبحث حول حصر جواز الهدنة في اقل من سنة و عدم جوازها لاكثر من سنة فالوجوه التي استدلوا به كما يلي:

الأول: الإجماع كما ادعاه العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى والتذكرة ، قال في المنتهى: «إذا اقتضت المصلحة المهادنة و كان في المسلمين قوة لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة إجماعا [2] ».

الا انه لا يمكن اثبات الاجماع مع وجود الرأي المخالف فالجامع فالشيخ (رض) قال: و لا يجوز إلى سنة و زيادة عليها بلا خلاف.[3]

فهو انما قال بعدم الخلاف، وهو اعم من الاجماع.

و قال المحقق: لا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور [4]

فنسب القول إلى المشهور، و هذا ما يضعف دعوى الإجماع إذ الظاهر أن وجه عدول المحقق عن الإجماع، عدم تحققه عنده كما استظهره الشهيد الثاني في المسالك. فلايثبت الاجماع بل يثبت عدمه خصوصا والمسألة مما لم يتعرض لها كثير من الفقهاء.

الثاني: قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ. الآية)، و الاستدلال بالآية الشريفة يتم بتقريبين:

أحدهما: ما في كلام الشيخ في المبسوط من أنها اقتضت قتلهم بكل حال، خرج عنه قدر الأربعة أشهر بدليل الآية الأولى أعني قوله تعالى (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) و بقي ما عداه على عمومه.[5]

و ثانيهما: ما هو المستفاد من كلام الشهيد الثاني في المسالك من أن الآية تدل على وجوب الجهاد عند انسلاخ هذه الأشهر، و هو متحقق في كل سنة مرة، ثم اشكل على هذا الاستدلال بأن الأمر لا يقتضي التكرار.[6]

و قد استشكل المحقق العراقي في دلالة الآية الشريفة على المدعى في شرحه على التبصرة، (بأن غاية مفاد الآية هو وجوب القتال في السنة بحسب المصلحة الأولية، و ذلك لا ينافي جواز تركه لعقد الهدنة معهم لمصلحة أقوى). إلى أن قال: (و حينئذ لا مجال لتوهم المعارضة بين دليل القتال بعد انقضاء الأشهر الحرم كما هو مفاد آية (فَإِذَا انْسَلَخَ) التي هي الدليل على وجوبه في كل سنة، و بين آية الصلح و الهدنة.[7]

فان قيل: لايجوز رفع اليد عن الاحكام الشرعية لمجرد المصلحة فانما يجوز ترك الواجب لضرورة طارئة و كذلك فعل الحرام لان الضرورات تبيح المحظورات.

قلنا: الأحكام على قسمين:

الاول : التعبدي وهي ولو موقوفة على مصالحها الملزمة في نفس الامر و المحرمات موقوفة على مفاسدها الملزمة للترك في نفس الامر وعالم الثبوت، و لكن في عالم الاثبات الاحكام التعبدية تابعة لادلتها كالصلاة والصيام والحج وغيرها من الاحكام التعبدية.

الثانی : و لكن بعض الاحكام احكام عقلية عرفية انما وردت للحصول على مصالحها، فيجب قتال العدو لدفع شره عن الناس او عن الدين، فاذا علم المكلف انّ القتال فعلاً لا ينتهي الى نصرة ابداً فلا يجب القتال لانتفاء مصلحته

كذلك الهدنة مما قياساتها معها فالمصلحة هي المدار للحكم الشرعي فيها الزاماً وندباً وكراهة وحرمة، فاذا توضّح للامام ان المصلحة الغالبة في الهدنة فتجب عليه، وان عرف ان المصلحة الغالبة في الحرب فتجب عليه، فتأمل جيدا تجد ما قلناه.

كما عرفتم ان الشهيد في المسالك يرد على المتمسك بقوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" لاثبات وجوب الجهاد سنوياً بان الامر لا يدل على التكرار.[8]

ولكن لا يرد هذا الاشكال على المستدل بالآية لانه لا يستدل بدلالة الامر على تكرار، بل يستدل باطلاق الآية لانها قضية حقيقية كلما وجد له موضوع يجري عليه الحكم.

فالاشكال الذي يرد على المستدل ان ما في الآية ليست قضية حقيقية حتى يكون لها الاطلاق بل هي القضية الخارجية و قضية في واقعة فلا اطلاق لها والأشهُر الحُرُم كانت هي الاشهر التي تم فيها الامهال لمشركي المكة المكرمة بدءً من يوم الحج الاكبر وهو يوم عيد الاضحى في تلك السنة الى العاشر من الربيع الثاني في نفس السنة كما بينا كراراً ان الآيات الاولى من سورة البراءة وردت في خصوص مشركي المكة الذين نقضوا العهد و هموا باخراج الرسول وهم بدئوكم اول مرة و الي ما يصفهم في الآيات. وليس المراد من الاشهر الحرم ما ورد في القران: ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله منذ خلق آدم منها اربعة حرم، وسياق الآيات يرشدنا بهذا المعنى لمن تأمل فيها.


[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص304.
[2] منتهى المطلب في تحقيق المذهب، العلامه الحلّی، ج15، ص118.
[3] المبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص50.
[4] شرایع الاسلام، العلامة الحلی، ج1، ص304.
[5] المبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص51.
[6] مسالک الافهام، ج3، ص84.
[7] شرح تبصرة المتعلّمين، آغا ضیاءعراقی، ج4، ص388.
[8] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج3، ص84.