الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: ادلة المهادنة/ احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

كان بحثنا حول مبررِّات المهادنة، و لانّ الاصل هو وجوب قتال الكفار فالهدنة هي خلاف الاصل، فلابد من التماس مبرّرٍ لها فنبحث عن مسوغاتها بالمعنى الأعم.

قال الشيخ في المبسوط: ليس يخلو الإمام من أن يكون مستظهراً أو غير مستظهر فإن كان مستظهراً و كان في الهدنة مصلحة للمسلمين و نظر لهم بأن يرجو منهم الدخول في الإسلام أو بذل الجزية فعل ذلك، و إن لم يكن فيه نظر للمسلمين بل كانت المصلحة في تركه بأن يكون العدو قليلاً ضعيفاً و إذا ترك قتالهم اشتدّت شوكتهم و قرّوا فلا تجوز الهدنة لأن فيها ضرراً على المسلمين.[1]

هذه الوجوه نماذج من مبررات التي ذكرها الفقهاء لكن أن الامام الخامنئي (مد ظله العالی) بعد ما ذكر مبررات التي ذكرها الفقهاء قال:

(فهناك مصالح أخرى تناسب ظروف العالم في كل عصر، منها تحسين سمعة النظام الإسلامي كنظام يقترح الصلح على مناوئيه، و منها تخويف عدو آخر طامع في بلاد المسلمين من جهة كونهم مشغولين بالحرب، فإذا رأى ذاك العدو أن الإمام بصدد الصلح مع مقاتليه، فإنه يخاف و يقطع طمعه، و منها غير ذلك مما يعرفه الذي بيده‌ أمر تشخيص المصلحة في كل زمان و مكان. ثم لا يخفى أن المصالح تختلف أهمية، كما أن مصاديق الجهاد تختلف كذلك، و من المعلوم عدم إمكان التحديد بالنسبة إلى مراتب الأهمية، سواء في المصالح أو في عمليات الجهاد في سبيل اللّه. و إنما الأمر في ذلك أي في تشخيص أهمية المصلحة الداعية إلى الهدنة في كل مورد، أو أهمية عملية الجهاد المفروض في ذلك المورد، و كذا مراتب الأهمية كلها بيد من إليه أمر الجهاد.[2]

فخلاصة الكلام على مبنى القوم وهو وجوب قتال الكفار من المشركين واهل الكتاب، لا يجوز المهادنة الا بمبرر ومصلحة تفوق مصلحة الحرب. وعلى مبنى الذي اخترناه بوجوب مقاتلة من يريد محاربتنا او يظلم بعض الشعوب وهم يستنجدوننا لا يجوز المهادنة الا اذا كان فيها مصلحة تفوق مصلحة الحرب ولم يرد خطر على المسلمين بالمهادنة.

مدة المهادنة

و من المباحث التي ينبغي الكلام فيها مدة المهادنة، لانه كما عرفنا انّ المهادنة حالة مؤقتة بين المسلمين والكفار، وانما الكلام في المدة المحددة وقد سمعنا كلام المحقق في ذلك حيث قال: يجوز الهدنة أربعة أشهر و لا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور و هل يجوز أكثر من أربعة أشهر قيل لا لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ و قيل نعم لقوله تعالى: "وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا" و الوجه مراعاة الأصلح.[3]

فهو لم يذهب الى التخيير بين الامرين بل اوجب الاتيان بما هو اصلح حسب الظروف والمتطلبات.

وقال الشيخ في المبسوط: (فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنص القرآن العزيز و هو قوله تعالى «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» و لا يجوز إلى سنة و زيادة‌ عليها بلا خلاف لقوله تعالى «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» فاقتضى ذلك قتلهم بكل حال و خروج قدر الأربعة أشهر بدليل الآية الأولى و بقي ما عداه على عمومه [4] .

ظاهر كلام الشيخ انه استدل لوجوب القتال بعد انتهاء اربعة اشهر بعمومات القتال بينما كان له ان يستدل بنفس الآية حيث تأمر بالقتال فقال: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" هذه الفقرة من كلام الشيخ ورد لبيان الحكم في ظرف يعيش المسلمون مستظهرا على المشركين.

ثم تحدّث عن ظرف ضعف المسلمين عن القتال فقال:

(فأما إذا كانت المدة أكثر من أربعة أشهر و أقل من سنة فالظاهر المتقدم يقتضي أنه لا يجوز، و قيل: إنه يجوز مثل مدة الجزية. فأما إذا لم يكن الإمام مستظهرا على المشركين بل كانوا مستظهرين عليه لقوتهم و ضعف المسلمين أو كان العدو بالبعد منهم و في قصدهم التزام مؤن كثيرة فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين لأن النبي صلى الله عليه و آله هادن قريشاً عام الحديبية إلى عشر سنين ثم نقضوها من قبل نفوسهم فإن هادنهم إلى أكثر من عشر سنين، بطل العقد فيما زاد على العشر سنين و ثبت في العشر سنين.[5]

وقال في الجواهر: (لا خلاف في أنه تجوز الهدنة إلى أربعة أشهر فما دون مع القوة، بل في المنتهى و المسالك و محكي التذكرة و غيرها الإجماع عليه، مضافا إلى الاستدلال عليه بقوله تعالى: «بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ». [6]


[1] المبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص50.
[2] المهادنة، سید علی خامنه ای، ج1، ص11.
[3] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص304، ط - اسماعیلیان.
[4] المبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص50.
[5] المبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص51.
[6] الجواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص297.