الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهادنة/ احکام اهل ذمة/کتاب الجهاد

قال المصنف: الخامس في المهادنة‌ و هي المعاقدة على ترك الحرب مدة معينة و هي جائزة إذا تضمنت مصلحة للمسلمين إما لقلتهم عن المقاومة أو لما يحصل به الاستظهار أو لرجاء الدخول في الإسلام مع التربص. ‌و متى ارتفع ذلك و كان في المسلمين قوة على الخصم لم يجز.و يجوز الهدنة أربعة أشهر و لا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور و هل يجوز أكثر من أربعة أشهر قيل لا لقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ و قيل نعم لقوله تعالى وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا و الوجه مراعاة الأصلح.و لا تصح إلى مدة مجهولة و لا مطلقا إلا أن يشترط الإمام لنفسه الخيار في النقض متى شاء-.و لو وقعت الهدنة على ما لا يجوز فعله لم يجب الوفاء مثل التظاهر بالمناكير و إعادة من يهاجر من النساء فلو هاجرت و تحقق إسلامها لم تعد لكن يعاد على زوجها ما سلم إليها من مهر خاصة إذا كان مباحا و لو كان محرما لم يعد و لا قيمته[1]

ان المصنف في هذا المقطع من كلامه ذكر اموراً:

اولاً، تعريف المهادنة: قال: (هي المعاقدة على ترك الحرب مدة معينة).

ثانياً، حكم المهادنة: (هي جائزة إذا تضمنت مصلحة للمسلمين، إما لقلتهم عن المقاومة أو لما يحصل به الاستظهار أو لرجاء الدخول في الإسلام مع التربص).. من هذا الكلام يظهر ان الاصل عدم جوازها الا اذا تعذرت الحرب وكانت المصلحة فيها و وجه هذا الحكم وجوب القتال ما دام يوجد في الارض كافر من مشرك او كتابي على ما عليه القوم و لذا يأكد المصنف على عدم جواز الهدنة عند ارتفاع العذر بقوله: (‌و متى ارتفع ذلك و كان في المسلمين قوة على الخصم لم يجز)

و الظاهر ان مراد المصنف من الجواز الجواز بالمعنى الاعم اي نفي طرف المقابل فيشمل الوجوب و الاستحباب والكراهة. ولكنّها بعنوانها الاولي حرام على مبنى القوم.

ثالثاً، مدة المهادنة: بعد ما بيّن لزوم كونها مؤقتة فقال: ( و يجوز الهدنة أربعة أشهر و لا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور و هل يجوز أكثر من أربعة أشهر؟ قيل لا، لقوله تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" و قيل نعم لقوله تعالى" "وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا" و الوجه مراعاة الأصلح. ولا تصح إلى مدة مجهولة و لا مطلقا إلا أن يشترط الإمام لنفسه الخيار في النقض متى شاء).

رابعاً، شروطها: فكما ان عقد الذمة مشروطة بشروط فكذلك عقد الهدنة ولا بد ان لا تكون مشروطة بشرط محرم لجانب الكفار فقال: (و لو وقعت الهدنة على ما لا يجوز فعله لم يجب الوفاء) وقد ذكر مثالين للمحرم بقوله: (مثل التظاهر بالمناكير و إعادة من يهاجر من النساء) ثم ذكر حكم الشرع في المهاجرات فقال: (فلو هاجرت و تحقق إسلامها لم تعد لكن يعاد على زوجها ما سلّم إليها من مهر خاصّة إذا كان مباحاً و لو كان محرماً لم يعد و لا قيمته). الى هنا مررنا مرورا عابرا على نص الشرائع.

فعلينا ان ندرس المسئلة بتفاصيلها:

اما تعريف المهادنة: قال في العين: (المَهْدَنَةُ من الهُدْنَةِ، و هو السكون. تقول، هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُوناً إذا سكنت فلم تتحرك[2] ). وقال في لسان العرب: (أَصل الهُدْنةِ السكونُ بعد الهَيْج. و يقال للصلح بعد القتال و المُوادعة بين المسلمين و الكفار و بين كل متحاربين: هُدْنَةٌ، و ربما جعلت للهُدْنة مُدّة معلومة، فإذا انقضت المدة عادوا إلى القتال[3] وفي الاصطلاح هي ما قاله المحقق واكثر الفقهاء عرفوا المهادنة بعبارات قريبة منه

وقال الامام الخامنئي في تعريفها: (هي في الأصل: السكون، و يستعمل في الصلح و الموادعة بين المتحاربين، إلا أنه في اصطلاح الفقه الإسلامي يستعمل في الصلح المؤقت بين المسلمين و طائفة من الكفار الحربيين و لذا يطلق عليها الموادعة[4] )‌ [5]

هناك يأتي سؤال: وهو هل يشترط في تحقق عقد المهادنة جعل عوض مالي كما كان في عقد الذمة او لا؟

ان المحقق عند تعريف المهادنة سكت عن العوض، وقال الشيخ رضوان الله عليه في تعريفها: الهدنة و المعاهدة واحدة، و هو وضع القتال و ترك الحرب إلى مدة من غير عوض[6] )

وقال العلامة عند تعريفها في المنتهى: (بعوض و غير عوض[7] ) ومثلها في التذكرة[8] و التحرير[9] ، والظاهر انه لا تنافي بين الكلامين فما قال الشيخ في المبسوط -من غير عوض- اراد ان يبيّن انّ صحتها لا تتوقف على عوض، فالمهادنة هي لا بشرط بالنسبة الى العوض لانه لا يحتمل اشتراطها به او بعدمه، كما صرح في المنتهى فقال: (يجوز مهادنتهم على غير مال إجماعا[10] ).

ثم لابد من التأمل في الفرق بين عقد المهادنة وعقد الذمة والظاهر ان أهمّ الفروق الذي ذكرها الفقهاء هو ان عقد الذمة دائم مستمر وعقد الهدنة مؤقت بمدة محددة.


[1] شرائع الاسلام، محقق حلی، ج1، ص303.
[2] العین، الخلیل ابن احمد الفراهیدی، ج4، ص26.
[3] لسان العرب، این منظور، ج13، ص435.
[4] مجلة فقه اهل البیت، ج8، ص7.
[5] المهادنة، السید علی الخامنه ای، ج1 ص8.
[6] مبسوط، الشیخ الطوسی، ج2، ص50.
[7] المنتهی، العلامة الحلی، ج15، ص115.
[8] تذکرة الفقهاء، العلامة الحلی، ج9، ص352.
[9] التحریر الاحکام الشرعیة، العلامة الحلی، ج1، ص152.
[10] منتهی المطلب، العلامة الحلی، ج15، ص123.