الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد ما فرغ المصنف عن حكم دور عبادة اهل الذمة و مساكنهم،

قال: و أما المساجد: ‌فلا يجوز أن يدخلوا المسجد الحرام إجماعاً و لا غيره من المساجد عندنا و لو أذن لهم لم يصح الإذن لا إستيطاناً و لا إجتيازاً و لا امتياراً. ولا يجوز لهم إستيطان الحجاز على قول مشهور و قيل المراد به مكة و المدينة و في الإجتياز به و الإمتيار منه تردد و من أجازه حده بثلاثة أيام و لا جزيرة العرب و قيل المراد بها مكة و المدينة و اليمن و مخاليفها و قيل هي من عدن إلى ريف عبادان طولا و من تهامة و ما والاها إلى أطراف الشام عرضا[1] .

في هذا المقطع من كلامه تطرق الى موضوعين: حكم اهل الذمة بالنسبة الى المسجد، وحكمهم بالنسبة الى الاستيطان، فذكر فروعاً:

اولاً: عدم جواز دخولهم الى مسجد الحرام باجماع الاُمّة،

ثانياً: عدم جواز دخولهم في سائر المساجد باجماع الطائفة،

ثالثاً: عدم صحة الاذن لهم بالدخول سواء للاستيطان او اجتياز اوامتيار، هذا بالنسبة الى مسجد الحرام وسائر المساجد،

اما بالنسبة الى الاستيطان ذكر آراء الفقهاء من عدم جواز استيطان: الحجازعلى قول المشهور، او المكة والمدينة، او جزيرة العرب بمعنى المكة والمدينة واليمن ومخاليفها، او جزيرة العرب بمعنى العدن الى ريف عبادان طولا ومن تهامة وما والاها الى اطراف الشام عرضاً.

قال في لسان العرب: و المِخْلافُ الكُورةُ يَقْدَمُ عليها الإِنسان، و هو عند أَهل اليمن واحِدُ المَخالِيفُ، و هي كُوَرُها، و لكلِّ مِخْلافٍ منها اسم يعرف به، و هي كالرُسْتاقِ؛ قال ابن بري: المَخالِيفُ لأَهل اليمن كالأَجْنادِ لأَهل الشامِ، و الكورِ لأَهل العِراقِ، و الرَّساتِيقِ لأَهل الجِبالِ، و الطّساسِيج لأَهْلِ الأَهْوازِ[2]

فعلينا اولاً: ان نبحث عن حكم اهل الكتاب بالنسبة الى مسجد الحرام وسائر المساجد: اما المسجد الحرام فاستدل على حرمة دخوله لهم باجماع الفريقين محصلاً ومنقولاً مستفيضاً كما قال صاحب الجواهر. ثم استدل بقول الله تعالى: " «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ[3] » فان نهى الله عن اقترابهم المسجد الحرام مطلقاً يشمل الاستيطان و الاجتياز والامتيار، وهو نقل الطعام اليه للبيع كما كان متداولا في القديم ويشمل ما اذا كانت نجاستهم متعدية للرطوبة اولا؟ ولكن يمكن ان يقال ان الأية وردت في المشركين وكلامنا في اهل الكتاب الذين حكم بطهارتهم كثير من الفقهاء فلا يقاس اهل الذمة بالمشركين. ولكن يكفينا في هذه المسئلة الاجماع فلا نقاش فيها.

اما سائر المساجد فقد حكموا ايضا بعدم جواز دخولهم مطلقاً. و يظهر من كلام بعض الفقهاء ان هذا الحكم مجمع عليه عند الشيعة، كما اسند المحقق وغيره الحكم الى الشيعة، بقولهم عندنا، صرح الشهيد بالاجماع في المسالك ونسب العلامة هذا القول الى مذهب اهل البيت عليهم السلام. واستدل على هذا الحكم بتفريع النهى على نجاسة المشركين.

قال في الجواهر: بعد نقل الاجماع :و هو الحجة، مضافاً إلى ما يستفاد من التفريع في الآية المفيد للاشتراك بينه و بين غيره من المساجد أيضا، خصوصا مسجد النبي صلى اللّٰه عليه و آله و غيره من المساجد، ضرورة اعتبار التعظيم فيها أجمع، بل لو قلنا بجواز كون النجاسة غير المتعدية فيها لم يجز هنا، إما للإهانة في دخولهم أو لغير ذلك، بل ربما كانوا أسوأ من الكلب و الخنزير و العذرة اليابسة و نحوها لو قلنا بجواز كونها فيها دونهم و إن كان الأقوى المنع من كل ما اقتضى الإهانة أو التلويث كما حققناه في محله، بل لو أذن المسلمون لهم في ذلك لم يصح الإذن لعموم أدلة المنع[4]

اقول: ان حجية الاجماع فلا بأس بها فيما نحن فيه، ولكن اشتراك سائر المساجد في الحكم مع مسجد الحرام غير ثابت و اشتراك لزوم تعظيم سائر المساجد لا يثبت لها كل ما كان لمسجد الحرام لان التعظيم من المقولات المشككة فلعل النهي عن دخولهم في مسجد الحرام لخصوصية فيه من درجة التعظيم فعطف سائر المساجد بمسجد الحرام من القياس المنهي عنه.

ثم قوله: بل لو قلنا بجواز كون النجاسة غير المتعدية فيها، لم يجز هنا، إما للإهانة في دخولهم أو لغير ذلك

ان الاهانة هي من العناوين العرفية ولا شك ان العرف يرى اهانة في حمل عين النجس الى المسجد وسائر الاماكن المقدسة وهو لا يرى اهانة في دخول الذمي خصوصاً اذا دخل بالوقار والسكينة. كما لو ادخلوا من النجاسات والقاذورات الى مجلس شخصية محترمة، فيعتبره اهانة الى نفسه، و لكن اذا دخل اليه قسيساً من النصارى او اليهود لا يتأثر لذلك كيف وقد كان بين رسول الله وائمة الهدى عليهم السلام علاقات مع الكفار حتى غير الكتابي منهم، فقياسهم بالكلب والخنزير والعذرة اليابسة مكابرة لا يعترف بها العرف. نعم لوكان المراد من غيرذلك عطفاً على الاهانة، تاثر المسلمين منهم او اجترائهم على المسلمين لكان له وجه وذلك لا مصداقية له دائماً.

 


[1] شرایع الاسلام، المحقق الحلی، ج1، ص303.
[2] لسان العرب، ابن منظور، ج9، ص84.
[3] التوبة/السورة9، الآية28.
[4] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج21، ص287.