الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سقوط الجزية عن طوائف

بعد ما انهينا الكلام في حكم مشكوك الانتماء باهل الكتاب طرح المصنف فرعاً آخر بقوله: (ولا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين و النساء) [1]

ان صاحب الجواهر يستدل لسقوط الجزية عن الطوائف المذكورة فوقها بامور فقال: (كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، بل في المنتهى و محكي الغنية و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد‌ خبر حفص الذي رواه المشايخ الثلاثة المنجبر بما سمعت، سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام «عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن و رفعت عنهن، فقال: لأن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنهن ما أمكنك، و لم تخف خللا، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى، و لو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنهن، و لو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد و حلت دماؤهم و قتلهم، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك، و كذلك المقعد و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»‌ مضافا إلى رفع‌ القلم و‌قول الصادق عليه السلام في خبر طلحة «جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه، و لا من المغلوب على عقله»‌)[2]

فهو رضوان الله عليه لاثبات هذا الحكم التجأ الى امور: الاول: (كما صرح به غير واحد) هذا مما لاشك فيه ولكنه بنفسه ليس حجة.

الثاني: ( بل لا أجد فيه خلافاً). كذلك خصوصا والمسئلة مما لا يتعرض لها كثير من الفقهاء.

الثالث: اجماع المنقول: (بل في المنتهى و محكي الغنية و التذكرة الإجماع عليه

نحن ما وجدنا هذا الحكم لا في المنتهى ولا في غنية النزوع نعم ورد الاجماع في التذكرة:

قال العلامة: (مسألة 170: و تسقط الجزية عن الصبي إجماعا، لقوله عليه السّلام لمعاذ: «خذ من كلّ حالم دينارا» «حاوي الكبير للماوردي وعدة اخرى من كتب العامة» دلّ بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ. و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام في حديث: «و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية»).[3] [4] [5] [6]

يحتمل في اللام في قوله رضوان الله عليه(لقوله) احد الامرين: إمّا انه علة للحكم فمعناه استدلال بالاجماع ثم الاستدلال بالحديث، ويحتمل انه اراد بان يذكر منشاء الاجماع فهو اخبر عن الاجماع عن حدس لا عن حس كما يقال في اجماعات الشيخ رضوان الله عليه.

ثم لا نناقشه على ان الحديث ليست قصية شرطية حتى يكون لها مفهوم، لان الوصف ولو ليس له مفهوم ولكن في مثل حالتنا يستفاد المفهوم من قرينة الحال لان هذه الحديث في مقام تحديد من يؤخذ منهم الجزية.

ولا وجه للاستدلال على هذه الرواية لنفي الجزية عن النساء كما فعل ذالك العلامة في مسألة 173:في التذكرة فقال: (لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا، لقوله عليه السّلام: «خذ من كلّ حالم» خصّ الذّكر به.) زعما منه ان الحالم انما يشمل الذكر دون الانثى، لانّ الحلم على قول المشهور يعم الذكر والانثى ولا وجه لتخصيصه بالذكر؟ فالمراد من الحالم كل من وصل الى حد الحلم وهو البلوغ الشرعي.

و اما استناد العلامة بالحديث عن طريق الخاصة: بقول الصادق عليه السلام: «و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية» فهو ما رواه الكليني عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام....و سَأَلْتُهُ عَنِ النِّسَاءِ كَيْفَ سَقَطَتِ الْجِزْيَةُ عَنْهُنَّ وَ رُفِعَتْ عَنْهُنَّ‌ ‌فَقَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَهَى عَنْ قِتَالِ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ...." من ناحية الدلالة عل رفع الجزية عن النساء والاطفال فلا نقاش فيه ولكن لايمكن الاستناد الى هذا الحديث لضعف سنده بحفص بن غياث الذي لم يرد له توثيق بل هو عاميٌ وكان قاضياً من قبل هرون على الكوفة، فلا يعتمد عليه، الا على مبنى من يعتمد الى كل حديث اجتمع في روايته المحمدون الثلاثة. نعم لو ثبت ان المجمعين حسب الادعاء تمسكوا به فالشهرة العملية جابرة لضعف سنده على مبنى القائل بها.

اما استلال الجواهر من طريق الخاصّة: بقول الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله نهى عن قتل النساء» فهو حديث رواه الكليني واليك نصه:

"عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ أَهْلِ الْحَرْبِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ وَ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَوْ تُرْمَى بِالْمَجَانِيقِ حَتَّى يُقْتَلُوا وَ فِيهِمُ النِّسَاءُ وَ الصِّبْيَانُ وَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَ الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ التُّجَّارُ فَقَالَ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ وَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُمْ لِهَؤُلَاءِ وَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَا كَفَّارَةَ وَ سَأَلْتُهُ عَنِ النِّسَاءِ كَيْفَ سَقَطَتِ الْجِزْيَةُ عَنْهُنَّ وَ رُفِعَتْ عَنْهُنَّ‌ ‌فَقَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص نَهَى عَنْ قِتَالِ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا فَإِنْ قَاتَلَتْ أَيْضاً فَأَمْسِكْ عَنْهَا مَا أَمْكَنَكَ وَ لَمْ تَخَفْ خَلَلًا فَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِهِنَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى وَ لَوِ امْتَنَعَتْ أَنْ تُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهَا فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهَا رُفِعَتِ الْجِزْيَةُ عَنْهَا وَ لَوِ امْتَنَعَ الرِّجَالُ أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ وَ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ وَ قَتْلُهُمْ لِأَنَّ قَتْلَ الرِّجَالِ مُبَاحٌ فِي دَارِ الشِّرْكِ وَ كَذَلِكَ الْمُقْعَدُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ الْأَعْمَى وَ الشَّيْخُ الْفَانِي وَ الْمَرْأَةُ وَ الْوِلْدَانُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ رُفِعَتْ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ".[7] [8] [9] هذا الخبر ضعيف بحفص الذي كان عاميا وقاضيا من قبل هرون على الكوفة. الا على القول بان مارواه المحمدون الثلاثة فهو المعتمد

ثم علق علامة على الحديث بقوله: (و لو بذلت امرأة الجزية، عرّفت أنّه لا جزية عليها، فإن ذكرت أنّها تعلم ذلك و طلبت دفعه إلينا، جاز أخذه هبة لا جزية، و تلزم على شرط لزوم الهبة. و لو شرطت ذلك على نفسها، لم تلزم، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية، لأنّه لا حدّ للجزية قلّة و لا كثرة، فلزمه ما التزم به.و لو بعثت امرأة من دار الحرب تطلب عقد الذمّة و تصير إلى دار الإسلام، مكّنت منه، و عقد لها بشرط التزام أحكام الإسلام، و لا يؤخذ منها شي‌ء إلّا أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا شي‌ء عليها. و إن أخذ منها شي‌ء على غير ذلك، يردّ عليها، لأنّها بذلته معتقدة أنّه عليها.و لو كان في حصن رجال و نساء و صبيان فامتنع الرجال من أداء الجزية و بذلوا أن يصالحوا على أنّ الجزية على النساء و الولدان، لم يجز، لأنّ النساء و الصبيان مال و المال لا يؤخذ منه الجزية، و لا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه و يترك من تجب عليه. فإن صالحهم على ذلك، بطل الصلح، و لا يلزم النساء شي‌ء. و لو طلب النساء ذلك و يكون الرجال في أمان، لم يصحّ.و لو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية، لم يجز، و يتوصّل إلى فتح الحصن و يسبين، لأنّهنّ أموال للمسلمين).

مسألة 172: الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا، لقوله عليه السّلام: «رفع القلم عن ثلاثة- و عدّ- المجنون حتى يفيق»(سنن ابي داوود ج4 ص144 و غيره كاحمد)[10]

 


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص250، ط استقلال.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمّدحسن النّجفي، ج21، ص73.
[3] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج9، ص292.
[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص29، ط الاسلامية.
[5] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص52.
[6] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص156.
[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص28، ط الاسلامية.
[8] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص156.
[9] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص52.
[10] سنن أبي داود، السجستاني، أبو داود، ج4، ص141.