الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

39/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الجزية

و قد مررنا في اليوم الماضي على ستة ادلة استدلوا بها على مقالة المحقق حيث قال: (و لو ادعى أهل حرب أنهم منهم و بذلوا الجزية لم يكلفوا البينة و أقرِّوا).

احداها: أنّ الدين أمر قلبي، فلا يعرف الا باخبار صاحبه. ولا يمكن ان يستدل بشعاراتهم الظاهرة على انتمائهم الديني لانها ليست جزءاً من الدين.

ويمكن المناقشة في هذا الدليل: بان الدين ولو هو امر قلبي والشعارات ولو هي ليست ركناً في الدين ولكن يمكن من خلال التفحص في البلد نصل الى يقين في انتمائهم الديني, كما ان انتشار الشعارات في المعابد والبيوت والمحلات والاسواق قرائن كاشفة عن الانتماء و يوجب الاطمئنان كما هو الغالب، نعم لو كانت الشبهة في فرد من الافراد يمكن القول بتعذر الكشف عن عقيدته، فلو خُلّينا وهذا الدليل، لقلنا بوجوب البحث عن حقيقة امرهم من خلال القرائن واظهارات المدّعين و الاستجواب بواسطة اهل الخبرة في النحلة التي يدّعونها، خصوصا وفي ظروف الحرب والانهزام، لهم الداعي الى الكذب لحفظ دمائهم، فقبول قولهم من دون التروّي امرٌ لا ينسجم مع فعل العقلاء في مثل هذه الحالات الا ان يكون عندنا دليل افاد تسامح الشارع في المورد.

الدليل الثاني: انّ إقامة البيّنة،متعذِّرة لأنّهم ليسوا عدولاً يعتمد على شهادتهم. فلابد من الغاء لزوم اقامة البيّنة و قبول قولهم بدونها.

و يمكن المناقشة فيها: بأن تعذر اقامة البينة بالنسبة الى الافراد امر مقبول غالباً، ولكن بالنسبة الى بلد كامل فهو امر ميسور غالباً، لانّ أهالي القرى والمدن المجاورة من خلال احتكاكهم بالبلد المبحوث عنه يعرفون انتماء من جاورهم في الدين، لان الانتماء الديني من الامور المشهورة الى درجة توجب اليقين، وهو حجة بنفسه. كما ان توفر العادل لاقامة البينة ليس امرا ممتنعاً، لان فيمن جاورهم من المسلمين او من يحتك بهم في تجارة او زيارة او قرابة قد توجد عدولاً.

الدليل الثالث: ( أن كل قوم كلامهم مقبول في دينهم الذين يدينون به). هذا ما يستفاد من كلام المسالك(مسالك الافهام ج3 ص68).

ويناقش فيه: بانه مصادرة بالمطلوب وجعل الادعاء في موضع الدليل.

الدليل الرابع: وهو الذي ذكره صاحب الجواهر: ( تصريح بعض الفقهاء بقبول قول كل قوم في عقيدتهم كالفاضل و غيره بل عدم وجدان الخلاف بين الفقهاء في المسألة).

يمكن المناقشة فيه : بأنّ فتاوى بعض الفقهاء، ليست حجة فلاتسمن ولا تغني من جوع، فهم رجال ونحن رجال، فلابد من مراجعة ادلّتهم وهي التي ذكرناها. كما أنّ عدم وجود الخلاف فيمن تعرض للمسئلة ليس حجّة، لأن عدم الخلاف اعم من الإجماع فإن الاجماع هو اتفاق فقهاء عصر على رأي واحد، وعدم الخلاف قد يكون سالبة بانتفاء الموضوع اي لم يتعرضوا للمسئلة حتى يوافقوا او يخالفوا ومسئلتنا المبحوث عنها لم يتعرض لها اكثر الفقهاء.

اما الدليل الخامس: وهو ايضا مما جاء به في الجواهر بقوله: (بل قيل إنه قد يشعر به أيضاً أمر النبي صلى اللّٰه عليه و آله لأمراء السرايا بقبول الجزية ممن يبذلها). وهو من الاستدلال بالسنة وهو ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ- أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ- ثُمَّ فِي أَصْحَابِهِ عَامَّةً ثُمَّ يَقُولُ:.... وَ إِذَا لَقِيتُمْ عَدُوّاً لِلْمُسْلِمِينَ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثٍ- فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكُمْ إِلَيْهَا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَ كُفُّوا عَنْهُمْ- ادْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ..... فَإِنْ أَبَوْا هَاتَيْنِ فَادْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ- وَ هُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ- وَ كُفَّ عَنْهُمْ...." الحديث. (وسائل الشيعة ج15 باب 15 جهاد العدو ح3) فهذه الرواية المباركة تفيد قبول الجزية ممن يبذلها مطلقاً فان تم الدليل على عدم جواز قبول الجزية من المشركين من غير اهل الكتاب يستثنى عن هذا الاطلاق, ويبقى المشكوك في كونهم من اهل الكتاب تحت اطلاق هذه الرواية التي فيها الامر بقبول الجزية من كل من قدّمها و الكف عن قتالهم.

فينبغي ان نتأمل في سندها و دلالتها: اما في السند فهرون بن مسلم وثقه النجاشي وله كتب كثيرة. واما مسعدة بن صدقة فعلى ما حقق فيه في معجم رجال الحديث ان المسعدة اثنان احدهما: يروي عن الباقر وهو الذي جاء في الرجال انه عامي بتري ولم يرد له توثيق، والثاني: هو يروي عن الصادق عليه السلام وهو من رواة كامل الزيارات فهو موثق بتوثيق العام

معجم رجال الحديث(أن صريح النجاشي أن الموصوف بالربعي هو مسعدة بن زياد، كما أن الموصوف بالعبدي هو مسعدة بن صدقة، و لكن الذي يظهر من الروايات أن الأمر بالعكس، فإنا لم نجد رواية يوصف فيها مسعدة بن زياد بالربعي، كما لم نجد رواية يوصف فيها مسعدة بن صدقة بالعبدي. و لكن الشيخ روى بسند صحيح، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد العبدي، عن أبي عبد الله ع).

(أن الشيخ ذكر في أصحاب الباقر ع أن مسعدة بن صدقة عامي، كما ذكر الكشي أنه بتري، و لم يذكر عند ذكره في أصحاب الصادق ع أنه عامي، كما لم يذكر ذلك في فهرسته، و كذلك النجاشي، و من ذلك‌ يظهر أن من هو من أصحاب الصادق ع مغاير لمن هو من أصحاب الباقر ع، و البتري العامي هو الأول، دون الثاني الثقة الذي يروي عنه هارون بن مسلم).

قال في معجم الرجال: (و مما يؤكد ذلك أن النجاشي ذكر الثاني، و قال: روى عن أبي عبد الله ع و أبي الحسن ع، فإن اقتصاره على ذلك يدل على أنه لم يرو عن الباقر ع. و يؤيد هذا أن هارون بن مسلم، روى عنه سعد بن عبد الله المتوفى حدود (300)، و عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو في طبقة سعد، و يبعد روايتهما عن أصحاب الباقر ع بواسطة واحدة، و عليه فمن يروي عنه هارون بن مسلم، يغاير من هو من أصحاب الباقر ع، و الله العالم)

سادساً: استدل في الجواهر بالسيرة النبوية بقوله: (بل الظاهرأن فعل النبي صلى اللّٰه عليه وآله كان كذلك)(جواهرج21ص235).

قال في الجواهر بعد ذكر هذه الادلة من دون ان يناقش فيها: (وإن كان ذلك لا يخلو من مناقشة و العمدة ما عرفته أولاً مؤيداً بعدم الخلاف في ذلك، و بمعلومية جريان حكم كل دين على من أقر بأنه من أهله و غير ذلك). فصار اعتماده على فتوى بعض الأصحاب مؤيداً بلاخلاف ثم جعل المسئلة من المسلمات، وهذا منه إستهانة بالمسألة والمرور عليها مرور الكرام ولعل الوجه فيها يأسه من ان تقع هذه المسألة موضع حاجة الشيعة لعدم قدرتهم على التنفيذ.