الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :احیاء الموات

كان بحثنا في أرض اسلم اهلها عليها وقد انتهينا عنه في يوم الاحد الماضي وعذراً عن تعطيل البحث في الاسبوع الماضي لطارئة السفر الى سوريا واليوم ندخل في بحث هام جداً طرحها المصنف طردا للباب وخاتمة له فقال:

خاتمة كل أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام عليه السلام تقبيلها ممن يقوم بها، و عليه طسقها لأربابها و كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها و إن كان لها مالك معروف فعليه طسقها.و إذا استأجر مسلم دارا من حربي ثم فتحت تلك الأرض لم تبطل الإجارة و إن ملكها المسلمون[1] .

في هذه الخاتمة ذكر المصنف ثلاثة فروع:

احدها: ان الاراضي التي كان لها اهل فتركوها دون اعمار فللامام تقبيلها لمن يقوم باستثمارها وهو يؤدي اجرة الارض الى اربابها.

ثانيها: أنه من سبق الى احياء شيئ من الموات فهو أحق بها، وإنْ كان لها مالك معروف فعليه ان يدفع اجارة المثل اليه.

ثالثها: إذا إستاجر مسلم عقاراً من حربي قبل الفتح لا تبطل اجارته بالفتح، فرقبة الارض تصبح للمسلمين والانتفاع في مدة الاجارة تبقى للمستأجر المسلم.

ینبغی في بادئ الامر ان نقف وقفة عند بعض مفردات البحث،

اولا: ما هو حد الموات في موضوع بحثنا

ان المحقق عرّف الموات بقوله: ( فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع[2] ). وقريب من هذا المعنى ما عرّفه بعض الفقهاء الآخرون. وقال في الجواهر تعليقاً على تعريف المحقق: (أن ما ذكره من الموات هو المطابق للعرف و عرّفه به في النافع و جامع الشرائع و التحرير و الدروس و اللمعة و المسالك و الروضة و الكفاية على ما حكي عن بعضهم[3] ).

ونذكر هنا ما قاله بعض اهل اللغة في الموات: قال ابن منظور في لسان العرب: المَواتُ: (الأَرض التي لم تُزْرَعْ و لم تُعْمَرْ، و لا جَرى عليها مِلكُ أَحد[4] ). وقال في الصحاح: (المَوَاتُ بالفتح: ما لا رُوحَ فيه. و المَوَاتُ أيضاً: الأرض التى لا مالكَ لها من الآدمييِّن، و لا ينتفع بها أحد[5] ).

و جاء في مقاييس اللغة: (المَوَتانُ: الأرض لم تُحْيَ بعدُ بزرعٍ و لا إصلاح؛ و كذلك المَوَات[6] ).

وقال الدكتورسعدي ابو حبيب: (المَوات:ما لا حياة فيه.- الأرض التي لم تحي بعد.- عند المالكية: الأرض التي لا مالك لها، و لا انتفاع بها.- عند الحنفية: مثل قول المالكية. و: أرض لا ينتفع بها. أو مملوكة في الإسلام ليس لها مالك معين مسلم، أو ذمي، و هي بعيدة من القرية، إذا صاح من بطرف الدور لا يسمع بها صوته، و ليس عليها ارتفاق لأهل القرية.- عند الشافعية: أرض لم تعمر في الإسلام. و لم تكن حريم عامر. و: هي الأرض التي ليس لها مالك. و لا بها ماء، و لا عمارة، و لا ينتفع بها إلا أن يجري إليها ماء، و تستنبط فيها عين، أو تحفر فيها بئر.- عند الحنابلة: هي الأرض الخراب الدارسة. و هي قسمان: الأول: ما لم يجر عليه ملك لأحد، و لم يوجد فيه أثر عمارة. الثاني: ما وجد فيه آثار ملك قديم،- عند الجعفرية: هو ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك. أو ملك و باد أهله.- عند الإباضية: الأرض التي لم يملكها أحد.- في المجلة (م 1270): هي الأراضي التي ليست ملكا لأحد، و لا هي مرعى، و لا محتطبا لقصبة، أو قرية، و هي بعيدة عن أقصى العمران، يعني أن جهير الصوت لو صاح من أقصى الدور التي في طرف تلك القصبة، أو القرية لا يسمع منها صوته[7] ).

ففي هذه التعابير قد اريد بيان عدم جواز احياء حريم المشاريع مع اختلافه في السعة والضيق على حسب نوعية المشروع، وفي بعضها اشارة الى نوعي الموات من الاصلية والعارضية، كما ان في بعضها اشارة الى القول بعدم صحة تملك الارض مطلقا كما عليه بعض فقهائنا ايضا فيقولون بتعلق الحق بالارض دون الملك، ونحن نعوف كل هذه التفاصيل لعدم الخروج عن طور الجهاد.

ثانیا:ما هو المراد من احیاء الارض فی الفقه

احياء الارض هو جعل الارض جاهزة للاستثمار والانتفاع و يختلف باختلاف اهداف الاحياء: من الزراعة والسكن والمستودع و انشاء الحدائق وغيرها، وهنا نكتفي بما قال المصنف فيما يتحقق به الإحياء فقال: (المرجع فيه إلى العرف، لعدم التنصيص، و لذا قد عرّف أنه إذا قصد سكنى أرض فأحاط و لو بخشب أو قصب أو سقف مما ‌يمكن سكناه منها يسمى إحياءً و كذا لو قصد الحظيرة فاقتصر على الحائط من دون السقف. و ليس تعليق الباب شرطاً.و لو قصد الزراعة كفى في تملّكها التحجير بمرز أو مسنّاة، و سوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها. و لا يشترط حراثتها و لا زراعتها، لأن ذلك انتفاع كالسكنى.و لو غرس أرضا فنبت فيها الغرس، و ساق إليها الماء، تحقّق الإحياء. و كذا لو كانت مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها. و كذا لو قطع عنها المياه الغالبة و هيّأها للعمارة، فإن العادة قاضية بتسمية ذلك كلّه إحياء، لأنه أخرجها بذلك إلى حدّ الانتفاع الذي هو ضدّ الموات[8] ).

الاقوال فی تاثیر الاحیاء فی ملکیة الارض:

ثم بالنسبة الي تاثير الاحياء في ملكية الارض اقوال:

منها: التفصيل بين الموات بالاصالة فانها تُملك بالاحياء، والموات بالعرض، فيجوز احيائها اذا تركها صاحبها مهملة و تبقى رقبة الارض لمالكها و على المحيي دفع اجارة الارض اليه.

ومنها: التفصيل بين ما اذا كان المحيي مسلما فيملك الارض باحيائها، وما اذا كان غير مسلم فلا يملك، وانما له حق الاحياء ويجب عليه دفع اجارة الارض الى صاحبها.

ومنها: الخلاف في انّ هل للامام حق في تقبيل الموات الى غير المسلم او اذا قبّله هل يستطيع ان يملكها على شرط الاحياء؟ او لا؟ وغير ذالك من الخلافات في فروعات المسئلة وتفاصيلها مما هو خارج عن حوصلة البحث. وانما نركز على اصل المسئلة فنقول: ان المشهور بل الاجماع على تملك المسلم للارض الموات اذا احياها، ونتابع هذا البحث في الايام القادمة انشاء الله.


[1] شرایع الاسلام، محقق حلی، ج1 ص294، ط-اسماعیلیان.
[2] شرایع الاسلام، محقق حلی، ج3، ص215، ط-اسماعیلیان.
[3] جواهر الکلام، الشیخ محمد حسن النجفی، ج38، ص9.
[4] لسان العرب، ابن منظور، ج2، ص93.
[5] الصحاح، اسماعیل بن حماد الجوهری، ج1، ص267.
[6] مقاییس اللغة، ابن فارس، ج5، ص283.
[7] القاموس الفقهی، سعدی ابوحبیب، ص342.
[8] شرایع الاسلام، محقق حلی، ج3، ص219، ط-اسماعیلیان.