الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : احكام الارضين

كان بحثنا في مقالة المحقق حيث قال: (الثاني في أحكام الأرضين: كلّ أرض فتحت عنوة و كانت محياة، فهي للمسلمين قاطبة.و الغانمون في الجملة و النظر فيها إلى الامام ولا يملكها المتصرف على الخصوص. و لا يصح بيعها، و لا هبتها، و لا وقفها و يصرف الامام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور، و معونة الغزاة، و بناء القناطر) وقد فرغنا عن الاستدلال على كون المحياة من الأراضي المفتوحة للمسلمين قاطبة.

ثم عطف المصنف الغانمون الى المسلمين فقال في الجملة فما المراد من هذا الكلام؟ الظاهر انّه أراد أن يُبيّن أنّ من موارد مصلحة المسلمين هو المجاهدون الغانمون، يعني صرف منافع الاراضي المفتوحة عنوة بالنسبة الى الغانمين يكون لابشرط، لا، بشرط لا.

اما بالنسبة الى قول المصنف: (والنظر فيه الى الامام) هو مقتضى الولاية التي له على المسلمين، مضافا الى ما ورد من النصوص: منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَشْيَمَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ جَمِيعاً قَالا: "ذَكَرْنَا لَهُ الْكُوفَةَ وَ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا مِنَ‌ الْخَرَاجِ- وَ مَا سَارَ فِيهَا أَهْلُ بَيْتِهِ- فَقَالَ مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً تُرِكَتْ أَرْضُهُ فِي يَدِهِ- وَ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ مِمَّا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ وَ الْأَنْهَارِ- وَ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا كَانَ بِالرِّشَاءِ- اي الحبل- فِيمَا عَمَرُوهُ مِنْهَا، وَ مَا لَمْ يَعْمُرُوهُ مِنْهَا، أَخَذَهُ الْإِمَامُ فَقَبَّلَهُ مِمَّنْ يَعْمُرُهُ، وَ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ- وَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِينَ فِي حِصَصِهِمُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ- وَ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَيْ‌ءٌ مِنَ الزَّكَاةِ- وَ مَا أُخِذَ بِالسَّيْفِ فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يُقَبِّلُهُ بِالَّذِي يَرَى- كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِخَيْبَرَ قَبَّلَ سَوَادَهَا وَ بَيَاضَهَا- يَعْنِي أَرْضَهَا وَ نَخْلَهَا وَ النَّاسُ يَقُولُونَ- لَا تَصْلُحُ قَبَالَةُ الْأَرْضِ وَ النَّخْلِ وَ قَدْ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَيْبَرَ- قَالَ وَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِينَ سِوَى قَبَالَةِ الْأَرْضِ- الْعُشْرُ وَ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي حِصَصِهِمْ- ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا- وَ جَعَلُوا عَلَيْهِمُ الْعُشْرَ وَ نِصْفَ الْعُشْرِ- وَ إِنَّ مَكَّةَ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَنْوَةً- وَ كَانُوا أُسَرَاءَ فِي يَدِهِ فَأَعْتَقَهُمْ- وَ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".(الوسائل ج15 باب 72 من ابواب جهاد العدو ح1) هذا الحديث في سنده اولاً علي بن أحمد بن أشيم ولم يذكره الرجاليّون الّا النّجاشي و قال فيه (مجهول) و ثانياً: انه مضمر فلو غمضنا العين عن الاضمار فيكفي في سقوطه عن الحجية مجهولية أحمد لانّ النتيجة تابعة لأخس المقدمات.

وصحيحة البزنطي: وَ بِإِسْنَادِهِ – كليني- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: "ذَكَرْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع الْخَرَاجَ وَ مَا سَارَ بِهِ أَهْلُ بَيْتِهِ- فَقَالَ الْعُشْرُ وَ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً- تُرِكَتْ أَرْضُهُ فِي يَدِهِ وَ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ وَ نِصْفُ الْعُشْرِ- فِيمَا عَمَرَ مِنْهَا وَ مَا لَمْ يَعْمُرْ مِنْهَا- أَخَذَهُ الْوَالِي فَقَبَّلَهُ مِمَّنْ يَعْمُرُهُ وَ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ- وَ لَيْسَ فِيمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ شَيْ‌ءٌ- وَ مَا أُخِذَ بِالسَّيْفِ فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ- يُقَبِّلُهُ بِالَّذِي يَرَى كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص- بِخَيْبَرَ قَبَّلَ أَرْضَهَا وَ نَخْلَهَا- وَ النَّاسُ يَقُولُونَ لَا تَصْلُحُ قَبَالَةُ الْأَرْضِ وَ النَّخْلِ- إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ مِنَ السَّوَادِ- وَ قَدْ‌ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَيْبَرَ- وَ عَلَيْهِمْ فِي حِصَصِهِمُ الْعُشْرُ وَ نِصْفُ الْعُشْرِ".

السند صحيح اعلائي و قوله عليه السلام: "وَ مَا أُخِذَ بِالسَّيْفِ فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ- يُقَبِّلُهُ بِالَّذِي يَرَى" صريح فيما نحن بصدده.

اما قول المصنف: (ولا يملكها المتصرف على الخصوص. و لا يصح بيعها، و لا هبتها، و لا وقفها و يصرف الامام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور، و معونة الغزاة، و بناء القناطر). فهذا الحكم بالعنوان الاولي اي في فرض بسط يد الامام، ولا نقاش فيه فيما بيننا، نعم لابي حنيفة قول بانها للغانمين كما نسب ذالك الى الشافعي ايضاً.

قال ابن حمزة الطوسي في الوسيلة: (كل أرض تفتح على المسلمين لم تخل من أربعة أوجه إما فتحت عنوة أو صلحا أو بغير إذن الإمام أو سلّموا من غير قتال. فالأول كان الخمس لأهله و الباقي لجميع المسلمين. و الثاني كان حكمها على ما شرط و لا يصح ذلك إلا بعد أن يقبلوا أحكام الذمة. و الثالث و الرابع من الأنفال‌)(الوسيلة الى نيل الفضيلة ص 203) و مثل هذا الكلام نرى من سائر الفقهاء.

والذي ينبغي البحث عنه ان الاراضي المفتوحة عنوة في عصر النبي صلى الله عليه واله هي اراضي بني قريضة و بني النضير و بني القينقاع وهي ملحقة بالمدينة المنورة، و ارض خيبر فاعادها رسول الله اليهم بالمقاسمة، و لم ندر كم منها كانت عامرة؟ فأهمّ المفتوحات هي أراضي المكة المكرمة وفيها خلاف من أنّها يعتبر أراضي الصلح او الحرب؟ فان كانت الصلح فهي على ما صولح عليها، وإن اعتبرناها بالحرب، كما عليه كثيرٌ من الفقهاء مستدلين بأنّ النبي صلى الله عليه واله قد حمل اليهم الجيش و رفع عليهم السيف، فية من المفتوحة عنوة،

وقد يجاب عن ذالك بأنّ الحرب انما تتحقق بالاثخان فلا غنيمة قبل الإثخان قال تعالى: "ما كانَ لِنَبيّ أنْ يَكونَ لَهُ أسْرى حَتّى يُسْخِنَ في الأرضِ" فمكّةُ المكرمة لا تعتبر مفتوحة عنوة، وإنْ تنازلنا و قلنا هي فتحت عنوة فيأتي كلام الشيخ بان النبي منّ عليهم بإطلاق رقابهم و ترك اموالهم لهم. قال في المبسوط:

(أن النبي صلى الله عليه و آله فتح مكة عنوة بالسيف ثم أمنهم بعد ذلك، و إنما لم يقسّم الأرضين و الدور لأنها لجميع المسلمين كما نقوله في كل ما يفتح عنوة إذا لم يمكن نقله إلى بلد الإسلام فإنه يكون للمسلمين قاطبة، و مَنّ النبي صلى الله عليه و آله على رجال من المشركين فأطلقهم، و عندنا أن للإمام أن يفعل ذلك، و كذلك أموالهم منّ عليهم بها لما رآه من المصلحة).(المبسوط ج2ص33) وامير المؤمنين كذالك لم يقاتل الكفار والمشركين وانما قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وهم محسوبون من الاُمّة الاسلامية وهم كانوا بغاة.

فالاراضي التي فتحت في عصر الخلفاء هي المفتوحة بغير اذن الامام فهي كلها للامام وليست للمسلمين قاطبة: قال الشيخ في المبسوط: (وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت يكون الغنيمة للإمام خاصة هذه الأرضون و غيرها مما فتحت بعد الرسول إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين إن صح شي‌ء من ذلك يكون للإمام خاصة، و يكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره).( المبسوط ج2ص34) و أراد من الرواية هذه: وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا- كَانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ- وَ إِذَا غَزَوْا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَ لِلْإِمَامِ الْخُمُسُ.(الوسائل ج9 باب 1 من ابواب الانفال ح16). سنده فيه مجاهيل و ارسال ولكن الدلالة صريحة على المطلوب.

و لكن مع ذالك نري ان فقهائنا رضوان الله عليهم يعدون من الاراضي المفتوحة عنوة ما فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه واله وهي كما قال العلامة في المنتهى: «الأرض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمن عمر بن الخطاب، و هي سواد العراق، و حده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم موصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة،)

ثم قال: (و الذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي و غيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس فأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة للغانمين و غير الغانمين في ذلك سواء و يكون للإمام النظر فيها و تقبيلها و تضمينها بما شاء، و يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالح المسلمين و ما ينوبهم من سد الثغور و معونة المجاهدين و بناء القناطر و غير ذلك من المصالح، و ليس للغانمين في هذه الأرضين خصوصاً شي‌ء بل هم و المسلمون فيه سواء، و لا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تمليكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه، و لا يصح أن يبنى دوراً و منازل و مساجد و سقايات، و لا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك، و متى فعل شي‌ء من ذلك كان التصرف باطلا و هو باق على الأصل)،

(62) و من خطبة له عليه السلام‌

أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لَا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا فِيهَا وَ لَا يُنْجَى بِشَيْ‌ءٍ كَانَ لَهَا ابْتُلِيَ النَّاسُ «1» بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَيْهِ وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَ أَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ‌ءِ الظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً «2» حَتَّى قَلَصَ وَ زَائِداً حَتَّى نَقَصَ‌