الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حكم الغنائم

بعد ما تحدثنا عن بعض المصاديق لما لا يمكن للمسلم تملكه ذكر صاحب الجواهر مصاديق اُخرى فقال: (كتب الضلال حتى التوراة و الإنجيل المحرفين و هذا لا يدخل في الغنيمة قطعاً بل ينبغي إتلافه كالخنزير، أو يجوز إتلافه و يؤخذ ظرفه غنيمة، أو إبقاؤه للتخليل كالخمر، لأنه‌ ‌ليس مالاً بالفعل، و كتب الضلال إن أمكن الانتفاع بجلودها بل و بورقها بعد الغسل كانت غنيمة، و إلا فلا، و جوارح الصيد كالفهود و البزاة و الكلاب غنيمة)

ثم ذكر كلام العلامه فقال: و في المنتهى «و لو لم يرغب فيها أحد من الغانمين جاز إرسالها و إعطاؤها غير الغانمين، و لو رغب فيها بعض الغانمين دفعت إليه، و لا تحتسب عليه من نصيبه، لأنه لا قيمة لها و إن رغب فيها الجميع قسمت، و لو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها أقرع بينهم» فناقشه بقوله: (و لا يخفى عليك ما فيه من الإشكال، ضرورة كونها أموالا مقومة فحالها كحال باقي الغنيمة)

وهذه المناقشة في محلها لان كل ما كان له منفعة عقلائية فيعتبره العقلاء مالاً، و ما حرّمه الشارع المقدس بجميع انتفاعاته أسقط المالية عنه فالخمر اذا كان قابلاً للتخليل، فله منفعة محلّلة فلا وجه لاسقاط المالية عنه، وكذا كتب الضلال او الأصنام اذا كان فيها منفعة محللة بملاحظة الانتفاع من موادّها، وفي كتب الضلال قد نجد فوائد عظيمة، كمن يريد ان يطلع علي ما فيها من الاباطيل ليرى عليها و يصون الناس عن الضلالة او يطلع علة ما فيها من المطالب الحقة كي يجعلها مؤيدة للحق ويستدل بها من باب الجدل علة المطالب الحقة، فهي اموال عقلائية وشرعية، تقابل بالعوض.

كذالك يرد على مقالة صاحب الجواهر في الاستدلال لجواز اتلاف الخمر بانه: (لأنه‌ ‌ليس مالاً بالفعل)، ما ذكرناه في اليوم الماضي في مناقشة كلام الشهيد رضوان الله علي، فانّ الخمر القابل للعلاج بالتخليل وكذالك كتب الضلال، اموال بالفعل بلحاظ الفائدة المحلّلة المكنونة فيه، فلا يمكن عدّ هذه الموارد مما لا يصح للمسلم تملّكه، نعم يجب عليه تبديل الخمر الى الخل وتبديل الكتب الضالة الى موادٍ لا يمكن قرائتها، اذا لم تكن في قرا ئتها فائدة مشروعة، وخلاصة القول هنا لابد أن نرى الاشياء التي لا يصحّ تملّكه ما هو وجهه: فمنها ما ليس له انتفاع محلل كالخمر والخنزير والأعيان النجسة، فلا مالية لها شرعاً فلا يعوّض بشيئ.اذا لم يمكن تبديله الى الخل.

مع انه في مثل هذه المذكورات يتصور الانتفاع المحلل أيضاً كالتسميد او تزيين البيوت والمحلات بوضع المجفف من الطيور وغيرها على الرفوف، فان قلنا ادلة التي تمنع من البيع ناظرة الي البيع للانتفاعات المحرمة المتداولة فبيعها للدواعي المباحة لا باس به، وان قلنا نتعبد بظاهر المنع في اطلاقه فلا يجوز البيع ولكن لا مانع من رفع اليد عنها ليأخذه الغير ولو كان رفع اليد عنها في مقابل مال.

ومنها أنّ في الاحتفاظ بها خطر ككتب الضلال فهي ايضا اموال يملكها اصحابها الا انه يجب عليهم محو الخطوط و منها ما لارغبة فيه كالحشرات والقاذورات فلا مالية لها عند العقلاء ايضا و المعاوضة عليها سفهي باطل.

ثم لا بأس ان نشير هنا الى ان ما ورد في كلام المحقق وغيره من الفقهاء حيث قسموا الغنيمة الى ما يصح تملكه وما لا يصح تملكه فهل هذا التعبير دقيق لا نقاش فيه؟

لابد لفهم المطلب ان ندقق في معنى الملكية والمالية اما الملكية فهي عبارة عن علاقة اعتبارية عقلائية بين المالك والمملوك. و المالية هي صفة قائمة بالاشياء تجعلها قابلا للتعويض والمبادلة عند العقلاء، وفي مصطلح الاقتصاد إن كل شيء له قيمتان القيمة الاستهلاكية والقيمة التبادلية اما الاستهلاكية فهي المنفعة التي تتوفر في كل بضاعة والتبادلية فهي تحسب بمقارنته بسائر الاشياء في مجال التنافس فقد لا يكون مالاً لقلته كحبة حنطة و قد لا يكون مالاً لانتفاء الفائدة فيه او نفرة النفوس عنه كالحشرات والغاذورات وقد لا يعتبر مالاً لوفوره كالهواء والماء في جانب البحر. وقد يسلب عنه المالية لمنع الشارع عن جميع الانتفاعات منه.

ولكن في كل هذه الحالات اذا كان مسبوقا بالملكية لأحد لا دليل على سقوطها وانما يسلب المالية عنه لا الملكية كالغنم الذي كان حيا ثم مات او العصير التي كان حلالاً ثم تخمر او الخشب الذي صنعوه صنماً، فلو عبر فقهائنا عما لا يصح ماليته لكان اصوب في القول وادق في التعبير.