الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حكم الطفل المسبي

كان كلامنا في الادلة التي أقيمت للقول بأن الطفل المسبي محكوم بالاسلام تبعا لسابيه. وقد ذكرنا دليل التبعية وناقشناه ثم حديث كل مولود وناقشنا دلالته على المراد.

و من الأدلة: التمسك بقاعدة الطهارة لإثبات اسلام المسبي تبعاً لسابيه حيث نشك في نجاسته فأصالة الطهارة تحكم بطهارته الملازم لاسلامه.

ويرد عليه اولاً: بأن الاصل يجري فيما اذا لم يكن الشك مسبوقا بيقين وفي ما نحن فيه كانت للطفل حالة متيقنة سابقة وهي النجاسة قبل سبيه و كان محكوماً بالكفر والنجاسة، تبعاً لوالديه فلابد من استصحاب النجاسة، الا أن نقول بعدم جريان الإستصحاب في الاحكام الكلية لتعارض استصحاب المجعول مع استصحاب عدم الجعل الازلي.

فان قلنا بذالك نرتاح من حكومة الاستصحاب على الاصل، ولكن هناك مشكل آخر وهو كون الاصل مثبتاً لاننا نريد اثبات طهارته لنثبت لحوقه بسابيه في الاسلام و هو من اجراء الاصل للأخذ بلازمه، نعم لو أردنا إثبات الطهارة دون الاسلام كما عليه العلامة في القواعد و فخر المحققين في الايضاح وبعض الآخرين فلا يبقى إشكال من هذه الناحية ولكنّه لاينتج النتيجة المرجوّة فيدنا قاصرة عن اثبات الاسلام بأصالة الطهارة. والقول بالكفر مع الطهارة تفكيك بين الموضوع والحكم او فقل تخصيص في موضوع الحكم، فالنتيجة تصبح: الكافر نجس الا الطفل المسبي منهم و هذا غريب لم يسبق فيه من تقدم عن العلامة.

وهناك سلك البعض طريقاً آخراً و هو اجراء استصحاب الطهارة في ملاقي هذا الطفل لأنّ الذي نحتاج اليه هو حكم الملاقي. ولكن يرد عليه أن استصحاب النجاسة في المسبي يحقق لنا موضوع الحكم فيرفع الشك في الملاقي فلا مجال لاستصحاب الطهارة فيه.

و كان من الادلة المذكورة لاثبات اسلام الصبي تبعا لسابيه التمسك بقاعدة الحرج بأن الحكم بكفره مستلزم للحكم بنجاسته وهي توجب الحرج على مربيه المسلم.

وقد رد على هذا الدليل صاحب الجواهر: (بمنع تحقق موضوعه كما في سبي النساء واستئجار الكافرين و نحو ذالك مما يمكن الانتفاع به وهو على نجاسته) وقال الشهيد في المسالك: (بأنه ليس بصالح لتأسيس الحكم لتخلفه في موارد أعظم حرجاً و ضرراً منه، مع بقاء النجاسة، كما لو استأجر المسلم ولد الذمّي مدّة صغره، بل مطلق الكفّار في المدّة الطويلة، و لم يقل أحد بالحكم بالطهارة حينئذ بسبب الحرج).

و لكن يبدو أن هذا التعليل والقياس في غير محله لان حضانة الطفل أصعب من هذه الموارد المذكورة. إذ يمكن عدم تسليط الأمة الكافرة وعدم استئجار الكافر لما يشترط فيه الطهارة، فالقياس مع الفارق.

بل الجواب الصحيح أن نقول أن الحرج ليس رافعاً للحكم الوضعي و انما يرفع الحكم التكليفي الذي يوجب الحرج بالعنوان الثانوي كرفع وجوب طهارة ثياب المرضعة لمدة يوم و غير ذالك. او رفع التكليف بالوضوء لمن تحصيل الماء له حرجي وغير ذالك مما ليس بقليل في الاحكام الشرعية.

الى هنا لم يتم عندنا ادلة القائلين بتبعيته لوالديه للتشكيك في اطلاق الصحيحة بحيث يشمل هذه الحالة، كما لم يتم دليل القائلين بتبعيته للسابي. ولكن استصحاب بقاء المحكومية بالكفر او المحكومية بالنجاسة حاكمة على أصالة الطهارة ولكن مع ذالك لا يجترء الانسان أن يحكم بكفر مثل هذا المورد فينبغي الإحتياط في أمره والاحتياط يقتضي في بعض الامور أن يتعامل معه معاملة الكافر وفي بعضها معاملة المسلم.

ثم إنه ظاهر كلمات جُل الفقهاء انه اما محكوم بالاسلام واما محكوم بالكفر الى أن يبلغ الحلم فإن نطق بالشهادتين فهو مسلم وإن لم ينطق بالشهادتين فهو كافر. ولكن الامر الذي يخلج بالبال أن الصبي بعد ما وصل الى حد التميز وعرف الاسلام من الكفر إن إعترف بالاسلام وعاش ثقافة المسلمين وتبرء من غيرهم في مقام الاعتقاد والعمل لا مانع من القول باسلامه. خصوصاً على مبنى المشهور من أن عبادات الصبي مقبولة وليس عمده وخطأه سيان، وانما عمده كالخطاء في باب المؤاخذة بالحدود والتعزيرات المقررة، كما ثبت في محله بأن حديث الرفع في مقام الإمتنان وعدم قبول اعماله وعباداته عند الله، وجَعلُ أعماله كالعدم خلاف الامتنان، وفي الخارج نجد بالوجدان تحقق الاعتقاد والانكار فيهم كالبالغين خصوصاً من وصل الى حد المراهقة، وأكثر من ذالك نحن ندرك التمايز في الأطفال من جهة الايمان والالتزام الديني كما في البالغين و هذا امر محسوس لا ينكر فكيف نحكم بكفر شابّ مضى من عمره اربعة عشرة سنة وهو يمارس العبادات ويبكي الى الله و يتعبد له وله غيرة للدين و يتفوق في الايمان على كثير من البالغين؟!. نعم بالنسبة الى مؤاخذته لكفره يعود الأمر الى حين البلوغ. ففي هذه المسئلة إن قلنا بأن الطفل المسبي يتبع والدية في الكفر انما نقول به ما لم يصل الى حد التميز ولكن بعد الوصول الى حد التميز فلابد من الاختبار فان اقتنع بالاسلام و اعتنقه فهو مسلم والا فلا؟

لا يخفى أن في هذه المسئلة مناقشات كثيرة وتضارب في الآراء ونحن اكتفينا بذكر عصارة أهمها حرصا للتقدم في البحث وأرجو من الأخوة المتتبعين أن يراجعوا الى الجواهر والمسالك وغيرهما من الكتب المفصلة ليرتعوا في روضات العلم ففيه فوائد كثيرة.

وامّا التفصيل الأخير فما وجدته في كلمات الفقهاء رضوان الله على الماضين منهم وبارك الله لأحيائهم وانما تبادر الى ذهني فمن وجد دليلا على رفض هذا القول فلينبهني مشكوراً.