الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التعامل مع الاسير

قال المحقق: (و يجب أن يطعم الأسير و يسقى و إن أريد قتله و يكره قتله صبرا و حمل رأسه من المعركة).[1]

وجوب أطعام الأسير هو المشهور بين الفقهاء قال صاحب الجواهر نسب إلى ظاهر الأصحاب، بل نفي الخلاف عنه عدا شاذ من المتأخرين.

وقد خصص صاحب الوسائل باباً بالموضوع اعلاه ويظر من عنوان الباب انه افتى بالاستحباب لا الوجوب، وهو:

بَابُ 32 اسْتِحْبَابِ الرِّفْقِ بِالْأَسِيرِ وَ إِطْعَامِهِ وَ سَقْيِهِ وَ إِنْ كَانَ كَافِراً يُرَادُ قَتْلُهُ مِنَ الْغَدِ وَ أَنَّ إِطْعَامَهُ عَلَى مَنْ أَسَرَهُ وَ يُطْعَمُ مَنْ فِي السِّجْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‌[2]

وهناك روايات كثيرة ناطقة بذالك:

منها: صحيحة زرارة: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِطْعَامُ الْأَسِيرِ حَقٌّ عَلَى مَنْ أَسَرَهُ- وَ إِنْ كَانَ يُرَادُ مِنَ الْغَدِ قَتْلُهُ- فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ وَ يُسْقَى- وَ يُرْفَقَ بِهِ كَافِراً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.[3]

وهذا الحديث رواه الكليني والتهذيب بأسناد اُخرى فلا شبهة في سندها، واما من حيث الدلالة وصدر الحديث ظاهر في الوجوب الطعام حيث جعله حقاً على من أسره، ولكن قوله ينبغي –يقلّب- ظاهر الوجوب الى الاستحباب.

ومنها: وَ عَنْهُ –محمدبن الحسن عن صفار- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ- عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً قَالَ هُوَ الْأَسِيرُ- وَ قَالَ الْأَسِيرُ يُطْعَمُ وَ إِنْ كَانَ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ- وَ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ يُطْعِمُ مَنْ خُلِّدَ فِي السِّجْنِ- مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.[4]

محمدابن الحسين بن ابي الخطاب وثقه الكشي والشيخ وقال النجاشي في حقه: (محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب أبوجعفر الزيات الهمداني واسم أبي الخطاب زيد جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون الى روايته) وذكر كتبه بعد ذالك. و وهيب بن حفص وثقه النجاشي فسنده صحيح و لا يدل الحديث ولا الآية على وجوب لان الآية في مقام بيان صفات الابرار وهم يتخلقون باكثر مما هو واجب وهي مكارم الأخلاق و مفردة ينبغي ولاينبغي يستعمل في الاحكام الايجابية والندبية فهي تدل على مطلق المحبوبية والمكروهية.

ومنها: ما عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ع إِطْعَامُ الْأَسِيرِ وَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ- وَ إِنْ قَتَلْتَهُ مِنَ الْغَدِ.[5] اما السند فهرون بن مسلم وثقه النجاشي وقال في حقه: (هرون بن مسلم بن سعدان الكاتب السرّمن رآئي كان نزلها واصله الأنبار يكنى أبا القاسم ثقة وجه وكان له مذهب في الجبر والتشبيه الخ) واما مسعدة وثقه النجاشي قال: مسعدة بن زياد الربعي ثقة عين روى عن ابي عبد الله عليه السلام الخ اما دلالته فصريح في الوجوب فسنده لابأس به ولكن لاأدري لماذا عبر عنه صاحب الجواهر بخبر مسعدة. واما الدلالة فانه ولو تعبر بحق واجب ولكنه لا يدل على وجوب الفقهي بل ان دل على شيئ فانما يدل على التحريض الشديد على الفعل لأن الاحسان من المقولات المشككة ولا يمكن الالتزام بوجوب جميع مصاديقه حتى بالنسبة الى الوالدين المؤمنين.

اما كراهة قتله صبرا قال صاحب الجواهر: كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً.

مما استدل به على ذالك صحيحة الحلبي: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَمْ يَقْتُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَبْراً- قَطُّ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- وَ طَعَنَ ابْنَ أَبِي خَلَفٍ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ.[6] ‌ اخبار الامام الصادق عن تقيد رسول الله بعد القتل صبرا دال على مرجوحيته، ثم ما صدر عن رسول الله يفيد حالة استثنائية كان فيها جهة للرجحان فعدل رسول الله عن سيرته للحصول على مصلحة تلك الجهة، كما يستفاد ان هذا الحكم ليس محرماً لا يتسامح فيه.

ثم اختلف في المراد من قتل الصبر فقيل انه تقييد اليدين و الرجلين حال القتل، فيرتفع الكراهة باطلاقها قبل القتل، و نسب هذا المعنى الى المشهور، وقيل أنه الحبس للقتل، و في القاموس و صبر الإنسان و غيره على القتل أن يحبس و يرمى حتى يموت و قد قتله صبرا و صبره عليه، و أما ما قيل- كما حكاه في المسالك من أنه التعذيب حتى يموت أو القتل جهرا بين الناس أو التهديد بالقتل ثم القتل، و في غيرها القتل و ينظر إليه آخر، أو لا يطعم و لا يسقى حتى يموت بالعطش و الجوع- فلم أجد ما يشهد لها، بل الأخير منها مناف لما سمعته من وجوب الإطعام و السقي. ولكن مع ذالك كله الاحتياط يقتضي الاجتناب من الإيذاء بغير القتل لان كل تصرف في الغير يحتاج الى مرخص والاصل فيه عدم الجواز.


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، المحقق الحلی، ج1، ص289، ط - اسماعیلیان.
[2] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص91، باب استحباب الرفق بالأسير وإطعامه وسقيه وإن كان كافراً، ب32، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص92، باب استحباب الرفق بالأسير وإطعامه وسقيه وإن كان كافراً، ب32، ح1، ط آل البیت .
[4] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص92، باب استحباب الرفق بالأسير وإطعامه وسقيه وإن كان كافراً، ب32، ح2، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص92، باب استحباب الرفق بالأسير وإطعامه وسقيه وإن كان كافراً، ب32، ح3، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، العلامة الشيخ حرّ العاملي، ج15، ص148، باب جواز القتل صبراً على كراهيةً، ب66، ح1، ط آل البیت.