الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اسرى المشركين

قال المحقق رضوان الله عليه: (الطرف الرابع في الأسارى‌ و هم ذكور و إناث. فالإناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة و كذا الذراري)

الكلام هنا في أسرى المشركين فان المحقق جعل البحث في الركن الثاني في قتال المشركين و كذالك الكلام في من ليس له ذمام او عهد او أمان او شبهة أمان على التفاصيل التي مرّت بنا في الاطراف السابقة.

فأوّلاً علينا أن نرى ما هو الدليل على جواز الأسر في الاسلام؟ فنقول: هذه المسئلة في الجملة من ضروريات الفقه ولم يختلف فيها أحد من فقهاء الفريقين و قد نطق بها القرآن في أكثر من آية و سوف نأتي ببعضها عند الإستدلال على تفاصيل المسئلة فجواز الأسر في القتال مما لا مجال للنقاش فيه.

وهنا نريد أن نشير الى شبهة قد تطرء بالبال و قد تُطرح كشبهة من الناحية الانسانية من انه كيف اعترف الاسلام بأسر العدو وجعلهم رقّا بايدي المسلمين وقد خلق الله الإنسان حرّاً؟ وهل لا ينافي مبدء الاسترقاق لحقوق الانسان؟

الكلام في هذه الشبهة ولو هو خارج عن موضوع البحث الفقهي فان الفقيه انما يدرس أفعال المكلفين من جهة الحكم الشرعي و لكن مع ذالك لا يخلوا التعرّض لهذه الشبهة من الفائدة ولو بصورة عابرة المختصرة فنقول:

اذا قام الحرب بين المسلمين والمشركين او سائر النحل فلا يخلوا عند غلبة المسلمين عليهم: عن أحد الوجوه الثلاثة: اما اطلاق سراحهم وعدم حجزهم، او قتلهم، او أسرهم.

فتركهم عند الغلبة عليهم واطلاق سراحهم يوجب عدم انتهاء الحرب ودوامها، لأنّهم لا يبالون بمحاربة المسلمين فاذا ظهروا على المسلمين يوقعون فيهم القتل والفتك والأسر و لكن اذا ظهر المسلمون عليهم فهم في الأمان يعودون الى بيوتهم ليجهزوا أنفسهم للكرّة بعد الهزيمة. و هذا الأمر ينافي فلسفة تشريع القتال وهي رفع الفتنة التي هي عدم استقرار الامور والاخلال بالأمن الاجتماعي كما بيّناه سابقاً في قول الله: "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة".

واذا اختار المسلمون قتلهم عن آخرهم فهذا أسوء الخيارات على المشركين، فمن يرى الأسر مخالفاً لحقوق الانسان فالقتل أشدّ منه.

فلا يبقى الا ألقبض عليهم ثم إمّا اطلاق سراحهم منّةً عليهم، او أخذ الفدية عنهم في مقابل اطلاقهم، او استرقاقهم و توزيعهم بين المسلمين. نعم هناك خيار آخر وهو حبسهم في السجون و المخيمات المغلقة وهذا الأمر الذي دارجَ في هذا العصر ولعل ذالك مصداق لقوله تعالى: "فشدوا الوثاق فاما منّاً بعد وإمّا فداءً حتى تضع الحرب اوزارها" فهم يحتفظون بالأسير للمبادلة او تحريرهم من خلال المفاوضة ولا بأس بذالك و لكن لا لسنواتٍ طويلة، فان في ذالك اتلاف للطاقة البشريّة فيهم و تعذيب مستمر عليهم.

اما الأسر الذي شُرّع في الاسلام او فقل إعترف الاسلام بالأمر الذي كان دارجاً في الحروب والغزوات فالمشروع منه: اولاً: مقيّد بحالة القتال، لا بمثل ما كان متعارفاً من صيد البشر و حملها الى اسواق النخس و تسويقها للزبائن قال الله تعالى: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُسخن في الأرْض" وسوف نتحدث عن معنى الإسخان و لكنّه كناية عن الحرب.

ثانياً: انّ امام المسلمين بعد الانتصار وإلقاء القبض على العدو، مخيّر بين اطلاق سراحهم منّة عليهم او في مقابل فدية يأخذ منهم، فلا ينتهي أمرهم الى الاستعباد والسبي والاسترقاق في هذا الفرض.

ثالثا: القسم الذي يُسبى منهم فكذالك جعل الله هناك وسائل و اسباب لتحريرهم، فجعل تحريرهم كفارة لكثير من المعاصي كافطار رمضان و نقض العهد و حنث النذر والقسم و كفارة قتل الخطأ و غيرها من المحذورات.

رابعاً: حرّض تحريضاً شديداً على تحرير العبيد والإماء واعتبره من أعظم القربات الى الله.

خامساً: خصص شيئاً من الزكاة لتحرير العبيد والإماء حيث قال: "انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب...الآية" فالامام يخصص شيئا من الزكوات لخصوص تحرير العبيد والاماء.

سادساً: جعل حرية الأمة الموطوئة مضمونة في ارث ولدها من مولاها فلا يجوز لمولاها أن يبيعها الى غيره.

ثم إنّ مبدء الإسترقاق في الحرب، مدرسة كبيرة لتربية الأجيال وتحريرهم من أسر الهوى والنفس وترفيعهم الى معرفة الله واهتدائهم الى الإسلام الذي يؤمّن لهم السعادة الأبدية. فكم من عبيد وإماء أصبحوا من أكبر العلماء و رجال التقوى و كم من إماء شُرّفن بمراتب المعرفة كفضّة خادمة فاطمة الزهراء عليها السلام و عدد من والدات أئمة الهدى فقاعدة توقف الشرافة والفضل بدرجة الايمان والتقوى تشمل العبيد والاماء أيضاً.

كما أننا عند ما ننظر الى ما ندب اليه الاسلام في التعامل مع العبيد والاماء يرتسم امامنا مكانة كريمة لهم يعيشون من العزة والشرافة على مستوى الأحرار. فان امير المؤمنين كان يقدم قنبر على نفسه في كسوته، وقد اثنى الله على الابرار حيث يطعمون الطعام على حبّة اسيراً وهذه الآية تدل على ايثارهم الاسيرعلى انفسهم. والامام والحكومة الاسلامية تضمن لهم حقوقهم على مواليهم وتدافع عنهم فنحن اذا قارننا بين الاعتراف بالاسترقاق وما ورد في رعاية الرقيق فهو يزيح شبهة الاستهانة بحقوق الانسان من خلال مبدء الإسرقاق للعدو.

هناك ايضا شبهة مضمونها أن المرأة في الاسلام ما ذنبها حيث تسبى في الحروب وهي بمعزل عن الحرب فهل هي تؤخذ بذنوب رجالها والله يقول ولا تذر وازرة وزر اخرى؟

فنقول في جوابها: (ليس في مشروعية سبي المرأة أخذ لها بوزر غيرها، ولا عقوبة لها، وإنما هو إصلاح لها بانتشالها من بيئة الشر، وعيشها في مجتمع إسلامي يهديها إلى سبيل الخير، وينقذها من براثن الشر، ويطهّرها من أدران الكفر والضلال، ويجعلها أهلاً لحياة حرة تتمتع فيها بالأمن والسلام.

ثم إن الإسلام ليس هو الذي جاء بالسبي إلى العالم، وإنما قد جاء والسبي شائع في أمم الأرض منذ أزمان قديمة، ولا فرق عند تلك الأمم بين أن يؤخذ السبي في حرب مشروعة، وبين أن يؤخذ في عدوان ظالم، أو احتيال وغدر وخيانة، فضيق الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة استرقاق الحر، وحصر دائرة الرق والسبي فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع، ثم نظم الإسلام هذه العلاقة بين السيد و بين عبيده، وإمائه بما يمنع عن أي ظلم واجحاف في حقهما.

فالمرأة المسبية يثبت لها ما لملك اليمين من الأحكام الشرعية من نفقة، وكسوة، وعدم تكليفها بما لا يطاق، و يباح وطؤها لمالكها، فتكون فراشاً له كزوجته تخالطه في أخص أموره. وإذا جاءت منه بولد صارت أم ولد، فتعتق عليه بعد موته، فلا غضاضة في إباحة استمتاع مالكها بها؛ لما في ذلك من إعفافها؛ ولما يتحصل به من أحكام في مصلحتها، فعلاقة السيد بالمسبية علاقة بر وإحسان، وليست علاقة ظلم وإذلال. وكثرا ما اتفق ان المسلمين اعتقوا جواريهم ثم تزوجوابها. كما ذكر في غزوة بني قينقاع ان رسول الله اعتق الجويرية وتزوج بها فاقتدى به كثير من اصحابه الكرام في التزويج بالجواري بعد الإعتاق.