الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لو ادعى الحربي على المسلم الامان

كان بحثنا في فرع الذي طرحه المصنف في قوله: (و لو ادعى الحربي على المسلم الأمان فأنكر المسلم فالقول قوله)[1] . و قلنا أنّ الوجه في ذالك إنّ هذا دعوى بلا مثبت ، نعم اذا أقام الحربي البيّنة على ادعائه يثبت الأمان.

ثم عند عدم وجود البينة هل على المسلم المنكر للأمان، أن يحلف لردّ إدّعاء الحربي او لا؟

قيل لا، لأن المنكر انما يحلف لرد ادعاء حق عليه للمدعي ، و فيما نحن فيه لايترتب على المسلم حق حتى يسعى في ردّه، بل المدعي يدعي لنفسه الأمان الذي إن ثبت يسقط عنه حق القتل والأسر.

و أما الشهيد الثاني قد فصّل في المسألة، بين ما اذا كان هذا الإدعاء في أثناء الحرب وما اذا كان بعد إنتهاء الحرب، فأوجب الحلف في الاول دون الثاني، فقال: (لأنه إن كان في حالة يمكن للمسلم فيها إنشاء الأمان أو ينفعه إقراره له فيبقى على القاعدة المشهورة: البينة على المدعي و اليمين على من أنكر، و إن كان في وقت لا ينفعه كما لو كان أسيراً لم يثبت عليه يمين، لأن إقراره في تلك الحال لا ينفعه، بل إنشاؤه كذلك)[2] وهذا الكلام متين اذ أن الأمان إن كان متحققاً في الواقع فلا يجوز قتله وأسره، وقد جُعل الحلف على المنكر احتياطاً لحق المدعي.

لا يقال إنّ حق القتل والأسر هو حق المسلمين على الحربي لا حق المدعي عليه فقط، كي يتوقف ثبوته على حلفه وعدم ثبوته على رد الحلف إلى المدعي. قلنا أن حق الأسر والقتل للمسلمين على الحربي حق متفرِّع على عدم أمانه، فثبوت الأمان رافع لموضوع الحق، ولا تعارض بين المتأخر رتبة مع المتقدم، بل المتقدم هو الذي يفتح المجال للمتاخر ام يمنعه. فتأمل جيداً.

وما قد يقال بأن الحربي مادام هو ممتنع عن قبول الحق يجوز لمن اعطاه الأمان أن ينقض عقده فإنكاره للأمان بمنزلة رفع يده عن الأمان فلا وجه لإيجاب الحلف عليه.

فهو مردودٌ: بأن وجود الأمان السابق يصونه من القتل والأسر حتى يبلغ مأمنه، و لكن إن لم يثبت الأمان فيمكن قتله او أسره مباشرة وهذا أثر كبير يترتب على الحلف. و من تأمل فيما قلناه يحل له بعض الاشكالات المطروحة في كلمات بعض الأعاظم رضوان الله عليهم اجمعين ونحن اغمضنا العين عن ذكرها ومناقشتها رعاية للاختصار.

ثم قال المصنف عطفاً على المسئلة السابقة: (و لو حيل بينه و بين الجواب بموت أو إغماء لم تُسمع دعوى الحربي و في الحالين يُرَدّ إلى مأمنه ثم هو حرب). اما الوجه في عدم سماع إدعاء الحربي لانّه دعوى بلا دليل، وامّا لزوم الرد إلى مأمنه في كلا الحالتين اي عند ما إدّعى الحربي على أحد من المسلمين أنه أعطاه الأمان و انكر المسلم، وما اذا حيل بين المسلم المدعى عليه، بموت او اغماء، فلشبهة الأمان.

و اُشكل على ذالك بأن وجوب ردّه إلى مأمنه ينافي إقتضاء قبول قول المسلم في انكار الأمان، فان مقتضى قبول قوله هو استحقاق الحربي للقتل او الأسر.

فان قلت: إنّ الأخذ بقاعدة الدرء بالشبهات تقتضي عدم جواز قتله اوأسره، قلت: ان قاعدة الدرء وردت للحدود ولا تشمل حكم الحربي وإنّما لا يجوز قتل الحربي اذا دخل بشبهة الأمان و هو غير ثابت فيما نحن فيه.

فان قلت: لزوم الاحتياط في الدماء والفروج، يمنعنا عن إجراء حكم الحربي عليه، ونحن نحتمل ان يكون في أمان من مسلم، قلت: أن هذا الاحتياط في الدماء انّما شرع لغير أهل الحرب.

إن صاحب الجواهر يطرح هذه الشبهات الأربعة بأجوبتها وكانه تسلم للأجوبة ثم يقول: (و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط مع إمكانه،)[3]

ولكن يمكن الجواب عن الاول: بان مقتضى قبول قول المسلم بأنّه لم يعطه الأمان، عدم كونه في أمان عقدي ولا ينافي مع إمهاله حتى يصل إلى مأمنه.

واما الجواب عن الثاني: أن شبهة الأمان أمر لا يُعرف الا من قبل المشتبه عليه، فلابد من قبول قوله، الّا اذا كانت هناك قرينة دلت على كذبه في إدعاء شبهة الأمان، فيؤخذ بها.

واما الجواب عن الثالث: فان صدق الحد على قتل المشرك ليس ببعيد فلابد من تحري موارد الاستعمال؟ وعلى كل حال تُغنينا عن هذا الدليل سائر الادلة.

واما الجواب عن الرابع: أن حصر لزوم الإحتياط في الفروج والدماء بغير أهل الحرب لا وجه له؟ والله تعالى يقول: من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكانّما قتل الناس جميعاً، فالاصل عدم جواز القتل الا ما خرج بالدليل والمفروض فيما نحن فيه لا نتيقن على كون الحربي المفروض هو مهدور الدم.

المجلس السابع

347- 49- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَدَقَةَ الْأَحْدَبِ،

عَنْ دَاوُدَ الْأَبْزَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: كَفَى بِالتَّجَارِبِ تَأْدِيباً، وَ بِمُرِّ الْأَيَّامِ عِظَةً، وَ بِأَخْلَاقِ مَنْ عَاشَرْتَ مَعْرِفَةً، وَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ حَاجِزاً مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعَاصِي، وَ الْعَجَبُ كُلُّ الْعُجْبِ لِلْمُحْتَمِينَ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ مَخَافَةَ الدَّاءِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ، كَيْفَ لَا يَحْتَمُونَ مِنَ الذُّنُوبِ مَخَافَةَ النَّارِ إِذَا اشْتَعَلَتْ فِي أَبْدَانِهِمْ! [4] .


[1] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج1، ص239، ط استقلال.
[2] مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، ج3، ص31.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج19، ص79.
[4] الأمالي، أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]، ج1، ص203.